الحديث عن الألغام يبدأ بالسؤال عن "الحروب" وحق الإنسان في الحياة. ومن دون شك، كان القرن العشرون الأفظع في تاريخ البشرية، لأن الصراعات التي شهدها استخدمت أنواعاً وأشكالاً من السلاح لم يعرفها العالم من قبل. والألغام أكثرها شراً.
عمر الألغام أقل من قرن، إذ بدأ استخدامها في الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن الدول التي بدأت استخدامها هي الدول الأوروبية المتصارعة، إلا أنها استخدمت في مناطق الصراع خارج أوروبا، وكان للدول العربية شمال إفريقيا نصيب كبير منها. ففي ليبيا مايقدر بـ80 ألف لغم من الحرب العالمية الثانية.
تقتل الألغام عشوائياً أكثر بكثير من العدد المستهدف من جنود وعتاد على جبهة عدو من يضعها، وتحدد منظمة Care العالمية عدد الضحايا بنحو 70 شخصاً يقتل أو يتضرر بسبب الألغام كل يوم. وحتى الآن، قتل مليون شخص بسبب الألغام حول العالم. ونسبة الضحايا الأعلى هي بين الأطفال، لأنها تفجر أجسادهم الصغيرة بالكامل.
في العراق اليوم نحو 20 مليون لغم، معظمها في مناطق الحدود مع إيران، والبقية في منطقة كردستان، وحكومة صدام حسين مسؤولة عن غالبيتها.
[caption id="attachment_55967" align="alignnone" width="700"]
من فيلم "السلاحف تستطيع الطيران" الكردي عن الألغام في منطقة كردستان[/caption]
تعتبر الألغام أخطر الأسلحة على الإطلاق، خصوصاً الأنواع القديمة منها، لسببين: أولاً، لأن فعاليتها لا تتناقص مع مرور الزمن، فهي تقتل بعد عقود من انتهاء الحرب التي سمحت باستخدامها أصلاً.
في مصر اليوم، في منطقة العلمين، حقول ألغام من أيام الحرب العالمية الثانية، لا يزال خطرها يهدد الناس، ويمنع مشاريع تنموية في المنطقة. وفي منطقة الصحراء الغربية ما يقدر بـ19.7 مليون لغم، راح ضحيتها حتى الآن 8,301 شخص (بينهم 690 قتيلاً). وقد تم تصنيع أنواع من الألغام يمكن تحديد صلاحيتها لمدة معينة، وتعييرها لتفجر نفسها وتنتهي فعاليتها، إلا أن هذه الأنواع محدودة الإنتاج لأن كلفتها تصل إلى أكثر بـ15 ضعفاً من كلفة الألغام العادية.
أما السبب الآخر، فهو أن حقول الألغام لا يمكن معرفة مكانها وحدودها بالضبط. فالبدو، والرعاة، والأطفال أو أي شخص يمر قربها، وكذلك الحيوانات، هم عرضة لخطرها. وفي المناطق المعروف وجود الألغام فيها، مثل أفغانستان وكمبوديا، ما يزيد على %35 من الأراضي، التي تعتبر خسارة كبيرة للبلد وللناس، إذ لا يمكن استثمارها، أو استخدامها للرعي أو الزراعة أو العمارة فيها.
الدولة المصنعة للألغام
للألغام البرية والبحرية حتى اليوم أكثر من 600 نوع، وهناك أكثر من 50 بلداً حول العالم تصنعها. أوقف معظم الإنتاج بعد انضمامها لما يعرف بـICBL (الحملة العالمية لتحريم الألغام). هدف الحملة ليس فقط توقيف تصنيع الألغام، بل إجبار الدول على إتلاف ترسانتها من الألغام، وتحمل المسؤولية تجاه المصابين وأسر الضحايا، والسكان الذين خسروا الأرض والقدرة على العمل بسبب الألغام. ولعل أهم المهمات هي تطهير مناطق حقول الألغام، والتخلص من خطرها.
بلدان قارة أوروبا بأكملها انضمت إلى الحملة، وكذلك انضمت الأمريكيتان باستثناء الولايات المتحدة، وقارة أفريقيا (باستثناء عدد من الدول العربية فيها). مجموع الدول التي لم تنضم للمعاهدة هو 34، لكنها ليست بالضرورة دولاً تنتج الألغام، منها 9 دول عربية هي مصر، والبحرين، ولبنان، وليبيا، والمغرب، وفلسطين، والسعودية، وسوريا، والإمارات.
في نظرة على خريطة العالم وتوزع ضحايا الألغام حقائق خطيرة، فالدول التي بدأت بإنتاج واستخدام الألغام، توصلت إلى سياسات تحرمه، كما أن أراضيها خالية تماماً من أي لغم. أما المتضرر الأكبر فهو الدول الأكثر فقراً التي تهزها الحروب، والتي وصلت الألغام إلى أراضيها على أيدي قوات محتلة أو دول متصارعة على أراضيها.
[caption id="attachment_55963" align="alignnone" width="700"]
من الخريطة التفاعلية لضحايا الألغام من موقع حملة ICBL[/caption]
الأخصر: 0 ضحية، الأزرق: 1 - 100 ضحية، البنفسجي: 101 - 1000 ضحية، والأحمر: 1000 ضحية أو أكثر. أفغانستان هي الأكثر تضرراً في العالم، وقد شبهت بأنها بلد أشبه بحقل ألغام، عاصمتها هي أكثر مدن العالم ألغاماً، وبين عامي 1999 و2014، راح ضحية الألغام 19,000 شخص، بعدها تأتي كولومبيا (9810) ثم إيران (4895)، والعراق (4795).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...