عام 2004، وبينما كان يسير محمد صالح، 43 عاماً، في منطقة الفكة بمحافظة ميسان العراقية وهو يرعى أغنامه، انفجر لغم أرضي في ماشيته وأصيب بشظايا في ظهره. كان ذاك اللغم من مخلفات الحرب العراقية الإيرانية التي دارت في ثمانينيات القرن الماضي.
صالح هو واحد من المئات الذين تضرروا بسبب الألغام الأرضية، وقد يكون الأقل تضرراً من بين أقرانه الذين قُطعت أيديهم أو أرجلهم وفارق بعضهم الحياة.
قال صالح لرصيف22 إنه كان يسير في منطقة الفكة وكان العراق حينذاك غير مستقر بسبب الحرب الأميركية، ولم تكن هنالك أية تحذيرات من خطورة المناطق التي كان يرعى فيها ماشيته.
وأضاف: "القدر خلصني من الموت. هنالك العشرات غيري فارقوا الحياة أو أصبح لديهم إعاقة بسبب تلك الألغام"، وتابع: "منذ تلك الحادثة لم أجُل في منطقة الفكة أو أية منطقة غير مؤمنة ومطهرة بشكل تام".
الجبهات الحدودية
محافظة ميسان، وعاصمتها مدينة العمارة، تقع جنوب شرق العراق، بالقرب من الحدود العراقية-الإيرانية، شهدت مع بدء الحرب بين البلدين، بداية العام 1980، معارك عدّة. وكانت واحدة من الجبهات التي دار فيها القتال بين الجيشين العراقي والإيراني. في مقال كتبه مدير المنظمة العراقية لإزالة الألغام مزاحم جهاد في صحيفة المدى البغدادية تحدث عن "وجود 26 مليون لغم مزروع وملايين المقذوفات غير المنفلقة (المنفجرة)"، وعن "أن 8-10 أشخاص هم ضحايا الألغام والمقذوفات يومياً، كما أن تكلفة تطهير لغم تبلغ 350 دولاراً أميركياً". زُرعت الحدود العراقية-الإيرانية التي تمتد على طول 1450 كيلومتراً، من أقصى جنوب العراق عند شط العرب على الخليج العربي إلى الحدود الثلاثية بينهما وبين تُركيا، بالألغام من قبل الدولتين المتحاربتين طوال ثماني سنوات حتى عام 1988. هذه المناطق الحدودية التي تشمل محافظات البصرة جنوب العراق، وميسان جنوب الشرق، وديالى شرقاً والسُليمانية في إقليم كردستان العراق حالياً، كانت جميعها مزروعة بملايين الألغام الأرضية. [caption id="attachment_55922" align="alignnone" width="700"] محافظ ميسان مع شركة لإزالة الألغام في المحافظة[/caption]حروب كثيرة... ألغام كثيرة
في الحرب العراقية الإيرانية، وقبلها خلال المعارك التي نشبت بين القوات العراقية والمسلحين الأكراد بقيادة مصطفى البارزاني في أربعينيات القرن الماضي، كانت تُستخدم الألغام الأرضية، وهي متفجرات تنتظر احتكاكاً بها لتنفجر. أما في آخر حربين خاضهما العراق، عام 1990 عندما دخل الكويت وجوبه بتحالف دولي، وعام 2003 في الحرب الأميركية التي أسقطت نظام صدام حسين، فقد تراكمت مخاطر ذات صلة أيضاً بالقذائف غير المنفجرة، وهي التي تسقط من الطائرات أو تُطلق من مدافع وآليات عسكرية ولا تنفجر أو تُترك بعد المعارك.ضحايا كثر بلا إحصاء
ضحايا الألغام في العراق كثيرون لكن لا الحكومات العراقية المتعاقبة ولا منظمات المجتمع المدني أعدت إحصاءات بأعدادهم. لذا يبقى الحديث عنهم تقديرياً غير مستند إلى أرقام. وقال مدير عام المنظمة العراقية لإزالة الألغام، مزاحم جهاد لرصيف22 إن "بعض المناطق الجنوبية في العراق تُعاني من وجود ألغام أرضية لم تنفجر منذ الحرب العراقية-الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، خاصة في محافظة ميسان، وهذا ما يُشكل خطراً كبيراً على المدنيين هنالك"، مؤكداً أن "عدد ضحايا هذه الألغام قد يزداد". وأضاف أن "العراق بحاجة إلى جهد كبير للتخلص من الألغام والأجسام غير المنفلقة، ونحن نقوم بدور كبير منذ أكثر من عشر سنوات في تطهير المناطق المزروعة بالألغام. ورغم أن هنالك صعوبات في العراق لتطهير المناطق، تمكنّا من عمل شيء إيجابي". وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن المواقع المزروعة بالألغام في العراق تغطي نحو 1.730 كيلومتراً مربعاً، وتؤثر في نحو 1.6 مليون نسمة، وقد تسببت الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في قتل أو جرح مواطنيْن عراقييْن اثنين في المتوسط كل أسبوع خلال عام 2009، وكان 80% منهم فتيان تراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة. كما تعرّض بين 48 إلى 68 ألف عراقي لبتر الأطراف بسبب الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة".إزالة الألغام مستمرة
وقال مدير شركة الخبر الفنية لإزالة الألغام ثائر الكناني لرصيف22 إن "الألغام في محافظة ميسان، وتحديداً على الشريط الحدودي للعراق مع إيران، تُشكل خطراً كبيراً على حياة الناس، ونحن نقوم بشكل تطوعي كل يوم جمعة بإزالة عدد من الألغام. لكن رغم ذلك الخطورة التي تُشكلها تلك الأجسام غير المنفجرة على أرواح الناس، تحتاج جهد أكبر". وأضاف أن "هنالك مناطق شاسعة لا تزال تحتوي على ألغام تمنع المواطنين من الوصول إلى مناطق سياحية، وإذا ما أتوا فإنها تهدد حياتهم. لكن الغريب أن هذه الألغام موجودة منذ الحرب العراقية-الإيرانية. وحتى الآن ولم تقم الحكومات المتعاقبة بتطهير المناطق". وتُعَدّ اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد (اتفاقية أوتاوا) التي أقرّت عام 1997 أكثر الاتفاقيات شهرة. وقد أتت برعاية الأمم المتحدة ومنظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ودفع نحو تبنّيها ما يزيد عن 1400 منظمة غير حكومية من خلال شبكة معروفة باسم الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية. وتفرض هذه الاتفاقية حظراً كاملاً على الألغام المضادة للأفراد.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...