لم تعرف فاطمة ذات العشر سنوات أنها ستركض بقدميها الصغيرتين آخر ركضة في ذاك اليوم خلال عودتها إلى المنزل بعد ساعات من رعي الأغنام. ماجت الأرض من تحتها ودوّى انفجار سقطت من جرائه الطفلة التي لم تعِ ما الذي حدث لها، إلا بعد أن فاقت ووجدت أهلها متحلقين حولها والضمادات تغطي إحدى قدميها.
هكذا تحكي فاطمة، حزينة، عن حادثة انفجار لغم أرضي، لرصيف 22، ولا تدرك أياً من الأسباب التي جعلتها ضحية لهذا النوع القاتل من الأسلحة المنتشرة في مناطق عدّة بالسودان.
بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان، "أوتشا"، يعاني السودان، جراء سنوات حروب طويلة، من انعكاسات انتشار الألغام الأرضية التي يذهب ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء. ويشير لوجود مساحة تقارب 35 مليون متر مربع من الأراضي بمختلف الولايات السودانية التي لم يتم تطهيرها من الألغام الأرضية بعد.
تحضر فاطمة برفقة والدها لمتابعة تركيب طرف صناعي لها في مركز الهيئة القومية لصناعة الأطراف الصناعية، ومعها المئات من المدنيين (رجال، أطفال، نساء) الذين سقطوا ضحية للسلاح الفتاك، خاصة في المناطق المعتمدة على الزراعة والرعي، مثل شرق السودان والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
يقول العاملون بالمركز إنهم يستقبلون الحالات المصابة، ويجرون الكشوفات الطبية اللازمة ويتابعون كل حالة على حدة، ثم يقومون بتركيب الأطراف الصناعية للمصابين وبتأهيلهم حتى يعودوا أشخاصاً منتجين. بيد أن جهود المركز الوحيد للأطراف الصناعية في السودان، الذي لا يستقبل فقط المدنيين، بل العشرات من العساكر المصابين في مناطق العمليات، لاسيما شرق السودان، تصطدم بالظروف الصعبة للبلدان النامية التي مزّقتها الحروب. يعاني المركز من نقص في النظم اللازمة لتقديم خدمات إعادة التأهيل، ومن ندرة في الاختصاصيين المدرّبين وشحّ في الموارد المالية والتقنية.
يقدّر عدد ضحايا الألغام الذين فقدوا أطرافهم في السودان بنحو 75 ألف شخص، ولم تعرف بعد عدد الحالات التي لم يُبلغ عنها. يشكّل المدنيون غالبية الضحايا، أي ما يقارب 92% من المصابين، معظمهم يعملون في الرعي والزراعة. أما إجمالي عدد الألغام، فيصل بحسب تقديرات منظمات غير حكومية إلى نحو مليوني لغم.
يقول هاشم محمد أحمد (40 عاماً)، من ولاية كسلا شرقي السودان، "فقدت إحدى رجلي، وأصبحت لا أستطيع أن أمارس مهنتي التي أعرفها (الزراعة)، وتحولت بسبب الألغام من شخص منتج إلى شخص يحتاج إلى المساعدة." يتابع هشام والحسرة بادية عليه "الألغام دمرت حياتي وحياة الكثيرين مثلي". كما أضرت الألغام بالإنسان، تركت آثارها السلبية على الإنتاج والاقتصاد في المناطق التي توجد فيها، والتي أصبحت غير صالحة للزراعة والتنقل، بينما يقدر عدد الحيوانات التي نفقت بثلاثة ملايين رأس.
تقول الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية أن عشراً ﻣﻦ أﺻﻞ سبع عشرة وﻻﻳﺔ ﺳﻮداﻧﻴﺔ ﻣزروعة ﺑﺎﻷﻟﻐﺎم، وأن أﻋﻠﻰ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﻠّﻔﺎت اﻟﺤﺮب لا تزال توجد ﻓﻲ شرقي السودان، بالإضافة إلى ولايتي اﻟﻨﻴﻞ اﻷزرق وﺟﻨﻮب كردﻓﺎن، التي تشهد حرباً دامية بين الحكومة السودانية وتحالف الجبهة الثورية.
يضاعف تحذير الأمم المتحدة من خطورة انتشار الإصابة بالألغام من مخاوف اتّساع رقعة الأراضي المزروعة بالألغام، على خلفية الحرب الدائرة في منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان بين الحكومة السودانية والمتمردين، رغم عدم وجود أدلة على زراعة ألغام جديدة.
ومع أن أحدث التقارير الدولية، التي صدرت قبل أسابيع بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الألغام، أشار إلى أن عدد ضحايا الألغام الأرضية قد انخفض عالمياً بشكل ملحوظ، إلا أن الوضع في السودان مختلف بسبب استمرار وامتداد الحروب على مساحات واسعة. يكفي أن دارفور، ساحة النزاع الذي دخل عامه الـ12، تتجاوز مساحتها مساحة فرنسا، ناهيك عن ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان الشاسعتين في جنوب السودان. يبدو أن مصير آلاف السودانيين لا يزال مجهولاً، فإذا نجوت من رصاص الحرب فوق الأرض، قد تنفجر بك الذخائر تحتها.
تم نشر هذا المقال على الموقع في تاريخ 09.05.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 10 ساعاتاول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Apple User -
منذ يومينl
Frances Putter -
منذ يومينyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 4 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 4 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 4 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...