عام 1983، عُدّل قانون الوثائق المصري، ونصّت المادة الثالثة منه على أنه "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المادة الثانية من قانون الوثائق".
ونصّت المادة الثانية على أنه "لا يجوز لمن اطلع بحكم عمله أو مسؤوليته أو حصل على وثائق أو مستندات غير منشورة تخص الدولة أو على صور منها أن يقوم بنشرها أو بنشر فحواها كله أو بعضه إلا بتصريح خاص يصدر بقرار من مجلسالوزراء بناء على عرض الوزير المختص".
وأُطلق على هذا التعديل وقتها اسم "قانون هيكل"، خاصةً أنه أتى بعد الضجة التي أحدثها كتاب "خريف الغضب" الذي كتبه هيكل عام 1983، في بداية حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. وقد مُنع توزيع هذا الكتاب في مصر بعد نشره بالإنجليزية أولاً في لندن، ثم بالعربية في طبعة ظهرت في العاصمة اللبنانية بيروت، وكان محوره يدور حول اغتيال السادات وأسباب ذلك.
رحل الكاتب الكبير تاركاً مجموعة من الكتب القيمة التي تحكي تاريخ الأمة العربية، ووثائق زاد الكلام عليها أكثر بعد وفاته، وكانت في حياته خطاً أحمر لا يسمح لأحد بالاقتراب منه، إلا قليلون.
حريق برقاش
بعد ساعات من فض اعتصام رابعة العدوية، في أغسطس 2013، اندلع حريق في منزل هيكل في برقاش. وكان ذلك نقطة فاصلة في مسار الكتب والوثائق التي يمتلكها الصحافي الراحل. كان يُقال إن الغالبية العظمى من الوثائق التي يمتلكها هيكل وضعها في لندن، وإن الوثائق الموجودة في مصر أقل بكثير من حيث العدد والقيمة. ولكنّ للكاتب الصحافي عبد الله السناوي، الصديق المقرّب من هيكل والذي لازمه في أيامه الأخيرة بالمستشفى رأياً مختلفاً. قال لرصيف22 إن هيكل لم يضع وثائقه الهامة في لندن بل وضعها في مكان آخر خارج مصر، رفض الإفصاح عنه، لفترة ما. وأضاف أن الراحل أعاد الغالبية العظمى من وثائقه إلى مصر ووضعها في منزله ببرقاش، وأن ما تبقى في الخارج أقل بكثير في العدد والقيمة. وأشار إلى أن الحريق قضى على نحو 80% من الكنز الذي جمعه هيكل في سنوات عمله الطويلة في الصحافة. دمّر الحريق، وفقاً للسناوي، مكتبة تضم 14 ألف كتاب في مختلف المجالات من بينها نسخة نادرة من مجموعة وصف مصر طبعت في فرنسا وقت حكم نابليون بونابرت. وقد وُجد مجلدان منها في مصرف مياه في المنزل بعد الحريق، وطلبت وزارة الثقافة من هيكل الإشراف على ترميمهما. أما عن الوثائق التي دمّرها الحريق فذكر السناوي مجموعة من الوثائق الأميركية والإنجليزية والفرنسية والإسرائيلية تخص مرحلة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وحرب عام 1967، وحرب الاستنزاف وخطط مصر خلالها لتحقيق الانتصار فضلاً عن رصد التحركات الإسرائيلية داخل الأراضي التي احتلتها بعد نكسة 67. ولفت إلى أن كل ذلك اطلع عليه هيكل وحصل عليه بحكم قربه من الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر الذي كان يعتبره كاتم أسراره ويطلعه على كل وثائق الدولة. ومن ضمن الوثائق التي طالها حريق برقاش قرابة 1000 وثيقة عن الحروب والصراعات التي خاضتها مصر وعن المفاوضات التي قادتها حول الأراضي التي احتلتها إسرائيل، إضافة إلى وثائق تخص حرب أكتوبر والاجتماعات السرية لقادة القوات المسلحة والتمهيد لتلك أكتوبر. وأضاف السناوي أن هيكل لم يكن يمتلك وثائق وكتب فقط وإنما تسجيلات نادرة، منها تسجيلات لحسن باشا يوسف، وكيل الديوان الملكي في عهد الملك فاروق، ويحكي فيها عن تفاصيل دقيقة تخص تلك الحقبة التاريخية. وأكّد أن يوسف أعطاها لهيكل بنفسه على سبيل الأمانة وطلب منه ألا ينشرها إلا بعد وفاته. ولكن برغم وفاته فإن هيكل لم ينشرها وقرر تركها للأجيال القادمة، لتعرف من خلالها ما كان يحدث في مصر قبل ثورة يوليو وما قام به القصر الملكي للإساءة إلى سمعة مصطفي باشا النحاس، زعيم حزب الوفد وقتها. وقد أتى حريق برقاش على هذه التسجيلات أيضاً. وقال أحد العاملين ضمن فريق هيكل، وطلب عدم ذكر اسمه، إنه سمع هيكل يقول، بعد حريق برقاش، إن أكثر من 40 ألف وثيقة أُتلفت.هل ذكر هيكل وثائقه في وصيته؟
ونشرت بعض الصحف أن هيكل طلب في وصيته أن تذهب وثائقه إلى دار الكتب والوثائق المصرية بعد رحيله. ولكن السناوي نفى ذلك راوياً أن هيكل أوصى أولاده الثلاثة وزوجته بوضع الوثائق في مؤسسة هيكل للصحافة العربية التي أسسها عام 2007. ومؤسسة هيكل هدفها الارتقاء بمهنة الصحافة وبقدرات الصحافيين من خلال تعليم وتدريب مجموعة من الصحافيين الشباب. وكان مقرها الموقّت مبنى مجلة وجهات نظر في وسط البلد بالقاهرة، وبعدها نقلها هيكل إلى أحد مكاتبه بمحافظة الجيزة. لم يكن هيكل يثق في قدرة السلطة المصرية على الحفاظ على الوثائق النادرة التي تحكي تاريخ مصر في آخر 100 عام، خصوصاً أن دار الكتب والوثائق في مصر تعرّضت للسرقة والنهب أكثر من مرة. وقال الكاتب الصحافي والروائي يوسف القعيد، المقرب جداً من هيكل والمذكور بالاسم في وصيته، لرصيف22 إن هيكل فكّر في وضع وثائقه في مكتبة الإسكندرية، لأنها تخضع لقوانين منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة لا للقوانين المصرية، لكنّه لم ينفّذ الفكرة. يرى البعض أن الوثائق التي جمعها هيكل هي ملكية للشعب المصري خاصةً أنها وصلت إليه عن طريق المحسوبيات وعلاقته بعد الناصر. وفي هذا الشأن يقول القعيد إن الراحل بذل جهداً كبيراً للحصول على هذه الوثائق، ونشر الكثير منها في كتبه، ورفض نشر جزء آخر لأنه قدّر أنه يضرّ بالأمن القومي. وتابع: "لولا سعي هيكل إلى جمع الوثائق والاحتفاظ بها، ثم عرضها في كتبه، لضاعت هذه الوثائق، ولا أحد كان سيهتم بها". وأضاف أن وثائق هيكل الحالية هي ملك لأسرته ولم يوصِ بأن توضع في دار الكتب والوثائق "لأن ذلك قد يعرضها للعبث، وعدم الحفاظ عليها، لأن هذه المؤسسات فيها موظفون حكوميون لا يقدّرون قيمة هذه الوثائق وما تحويه، ومن السهل ضياع كل هذا". وأشار إلى أن هيكل رفض أكثر من مرة تسليم الوثائق التي جمعها لدار الكتب والوثائق المصرية، أو حتى إخبارهم بإحصاء دقيق لهذا الكنز التاريخي. لكن احتفاظ هيكل بالوثائق أدى إلى ضياعها في النهاية بعد حريق برقاش. وتعليقاً على ذلك، قال القعيد: "هذا نصيب، لم تكن نية هيكل هكذا، كانت نيته الاحتفاظ بالوثائق، لتطّلع عليها الأجيال التالية بعد رحيله". وأكد القعيد أن هيكل لم يكتب وصيته بنفسه، وإنما أملاها على أولاده، في تسع صفحات، مؤكداً أنه علم بهذه التفاصيل من رجل الأعمال أحمد هيكل، نجل الراحل.امتعاض السادات وأجهزة عبد الناصر
وروى القعيد أنه "بعد وفاة عبد الناصر حدثت مشادة بين هيكل والسادات بسبب غضب الأخير من سعي هيكل المتواصل لجمع الوثائق والاحتفاظ بها، وقال له وقتها: هتفضل تجمع ورق لغاية أمتى، بتقلد عبد الناصر، عبد الناصر الورق دا هو اللي موّته". وكانت الأجهزة الأمنية في عهد عبد الناصر غاضبة من اطلاع هيكل على وثائق وأسرار الدولة المصرية بحكم قربه من الرئيس، بحسب المؤرخ العسكري عصام دراز. وروى دراز أن عبد الناصر أصدر، بعد نكسة 67، قراراً بمنع هيكل من دخول أي مؤسسة عسكرية، وكان الغرض من هذا القرار امتصاص غضب قادة الجيش من علاقته بالراحل. لكنه لفت إلى أن هذا القرار كان صورياً، إذ بقي هيكل يطلع على جميع المعلومات القادمة من القوات المسلحة إلى مكتب الرئيس. وأشار إلى أن "هيكل هو الوحيد الذي دخل بيت عبد الناصر بعد وفاته مباشرة، لأن أولاد عبد الناصر كانوا يعتبرونه في مقام عمهم، فقد كان يتردد دائماً إلى منزل أبيهم. وقد استولى على جميع الوثائق التي كانت في خزانة منزل عبد الناصر، وفي اليوم التالي أرسلها إلى أحد بنوك لندن لتوضع في خزنة سرية باسمه"، لافتاً إلى أن هذه الواقعة اكتشفها الرئيس أنور السادات بعد 3 أيام من وفاة عبد الناصر، أثناء زيارته للأسرة للاطمئنان عليها. وشرح دراز أن السادات آنذاك رفض الدخول في أزمة مبكرة مع هيكل، واستفاد من خبرته وقربه منه في بداية حكمه، خصوصا أن مصر كانت في وضع لا يسمح بالدخول في أي صراعات مع أقرب المقربين لناصر، والذي لديه أسرار الدولة المصرية، لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية وقتها قدرت الوثائق التي استولى عليها هيكل من خزينة ناصر بأكثر من 20 ألف وثيقة، هذا بخلاف الوثائق الأخرى التي كان يطلع عليها هيكل وقت حكم ناصر ويحتفظ بنسخ عنها. وقال إن من ضمن هذه الوثائق معلومات على الأسلحة الروسية للجيش المصري، ومعلومات عن الوحدة بين مصر وسوريا والتحركات لمحاولة تحرير الأراضي العربية التي سيطرت عليها إسرائيل. ورفضت الدكتور هدى جمال عبد الناصر التعليق على الواقعة لكنها لم تنفها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع