شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كاتب التاريخ الحديث وصانعه​: أبرز تصريحات هيكل التي شكلت تاريخنا

كاتب التاريخ الحديث وصانعه​: أبرز تصريحات هيكل التي شكلت تاريخنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 16 مايو 201702:51 م

مع رحيله يبدو كصانع دراما، أكثر منه صحفياً. كان محمد حسنين هيكل (1923-2016) صاحب هذا التصوّر بأن الصحفي يكون في قلب الأحداث، بل يصنعها كذلك.

بدأ العمل بالصحافة في الأربعينيات من القرن المنصرم وعاصر أغلب مراحل الجمهورية المصرية، ربما قبل أن تكون فكرة في رأس مجموعة من الضباط وجدوا البلاد تحت تصرفهم من يوليو 1952 حتى إعلان الجمهورية في يونيو 1953.

كانت هناك حالة رفض واسعة لحكم الملك فاروق الأول (1920-1965). السخط شمّل الوجود البريطاني والإقطاع، لكن حل الجمهورية لم يكن مطروحاً. من ناحية أخرى كان هيكل مقرباً من الرئيس جمال عبد الناصر (1918- 1970). حرّر كتابه الأول "فلسفة الثورة" (1954) وهو عن علاقة هذه الثورة بالعالم، والدور الذي يجب أن تقوم به مصر.

ستستمر هذه العلاقة لما هو أبعد، ليتطوَّر هيكل من كاتب شبح أو محرر سري لأفكار ناصر عن حراك الضباط في العام 1952 ليكون الكاتب السري لعدد من خطبه، إذ كان يرسم دائماً احتمالاً آخر، مثلما فعل عند كتابة خطاب التنحي. صنع هيكل مساراً جديداً لحكم ناصر، فمَدّه بثلاث سنوات من الحكم بعد الهزيمة، وحينما رحل جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970 كان هيكل وزير الإعلام وقتذاك.

كان مقاله بجريدة الأهرام يوم الجمعة المعنوّن بـ"بصراحة" مدخلاً لكل مَن يريد معرفة توجهات البلاد، وبعدما استبعده السادات من رئاسة تحريرها تفرّغ للكتابة.

أجاد هيكل مهمة أن يؤرخ لأي مرحلة. صاغ موقعه بشكل جيد في التاريخ. يحتل هيكل في أي كتاب له موقع المركز، رغم تقديمه لنفسه دائماً بأنه مجرد صحفي يسجل التاريخ، لكنه صاحب ملاحق الوثائق في ختام أعماله. يسرد حقيقة ما جرى بما لديه من وثائق ومعلومات جمعها بنفسه أو عاصرها وقت حدوثها بحكم علاقاته الممتدة بصناع القرار. ومع بقاء المعلومات في مصر، وغيرها من البلاد العربية، عملة نادرة، تركة سلطوية لا يطلع عليها أحد، صار هيكل رائداً في هذا المجال، بل الأسطورة الوحيدة.

إلا أن رواياته دائماً تكون بعد وفاة أبطالها، ويكون وحده صاحب الحق في الحديث. هنا نستعيد أبرز تصريحات الرجل الإشكالي الذي رحل في 17 فبراير 2016.

النكسة

نَكسة اسم مرة من نَكَسَ، حينما يقصد بها العلم يكون قد تم إنزاله إلى ثلث السارية في حالة الحداد الوطني، أو حينما تأتي لوصف البصر فيقصد بها غضّه.

كان تلميحاً ذكياً من هيكل لوصف الهزيمة العسكرية في يونيو 1967، خاصة أن قادة البلاد وصناع ثورتها في العام 1952 كانوا من ضباط الجيش. وظف هيكل الكلمة ليوحي أن ما جرى مجرد انقلاب وضع جيد، سرعان ما سيعود لما كان عليه.

ربما سيكون رفض الجماهير لتنحي ناصر، وهو مصطلح آخر لهيكل، سبباً في استمرار هذا الحكم، لكن تعبير النكسة لعب دوراً في قبول ما جرى وبث الأمل بأن التغيير سيطرأ.

التنحي

كتب هيكل خطاب 9 يونيو 1967، وفيه اعترف جمال عبد الناصر بتحمل تبعات هزيمة 67، وسيتحدث فيما بعد كاشفاً أنه أعاد صياغته أكثر من مرة. هذه الأسطر القليلة تزامت مع أخطر لحظات مر بها هذا الرئيس. يضع هيكل لمسته ليصف ما سيفعله جمال عبد الناصر (1918-1970) الذي يعلن أنه سيتنحى ليعود لصفوف الجماهير. تَنَحّي تعني الترك، أنه قرر أن يعتزل، يبَعُد عن الحكم. أي أن قراره جاء من تلقاء نفسه. هذا التعبير، الذي جاء وسط  خطاب مفعم بنبرة اعتراف، مع شبح انكسار طارئ على الرئيس البليغ، سيدفع الجماهير ليومين، نحو الخروج إلى الشارع للتمسك به فوق خشبة المسرح.

مرشح الضرورة

بعد عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وجدل إقدام عبد الفتاح السيسي للترشح أو عدم الترشح، بدا أن هيكل كان حاسماً، وقد كان صاحب العبارة التي رسمت مرحلة ما بعد 3 يوليو 2013 في مصر، عندما قال إن الأزمة هي برنامجه وحملته. لم يرَ الكاتب المخضرم أن السيسي يجب أن يتحدث أمام الناس عن خطة. يكفيه بترشحه أنه يستجيب طلب الشعب.

هكذا تطوّع الكاتب المخضرم بقول ما لم يصرح به السيسي. قال إن الأزمة هي حملته. وقائد الجيش السابق هو مرشح الضرورة لظرف الأزمة. كما طلب هيكل من السيسي أن يذكر الناس أنه مرشح الضرورة واختيار الناس لأنهم اختاروه قبل أن يترشح، هذا الحديث يذكر بشكل كبير بالعديد من أغنيات تأييد جمال عبد الناصر.

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة

في بيان 30 مارس 1968، الذي صاغه الكاتب الشبح، تحدث عبد الناصر عن تصفية مراكز القوى. لم تكن تلك بالمسألة السهلة، يعترف ناصر بما كتبه هيكل. جاء في البيان أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وطالب بضرورة إعادة بناء الاتحاد الاشتراكي كذلك.

كان مجلس الأمة، البرلمان وقتذاك، يعد دستوراً للبلاد، ولم ينته منه، فأحيلت للاتحاد الاشتراكي بوصفه ممثلاً لأعلى سلطة ممثلة لتحالف قوى الشعب العاملة. تكون اللجنة المركزية بالانتخاب وليس بالتعيين، لأنه قد لا يعطينا إلا ما تفرزه مراكز القوى .

البيان كان بداية لمرحلة لا تتصل بالحرب فقط. قال عبد الناصر/ كتب هيكل: "القيادة السياسة بأنها ليست سيفاً بتاراً قاطعاً، وإنما هي عملية موازنة وعملية اختيار بعد الموازنة".

حسب هذا البيان، طرح ناصر الدعوة لأن يحمل الدستور الجديد مقومات تأسيس دولة عصرية، عبر تأسيس محكمة دستورية عليا بعد أن كانت مصر محكومة بدستور مؤقت هو دستور 1964. لكن هذا الدستور المأمول لم يصدر إلا في العام 1971 أي في عهد محمد أنور السادات (1918-1981).

الطاولة والشطرنج

في كتابه "أكتوبر 73: السلاح والسياسة" يتحدث عن الفرق بين التفكير العربي والتفكير الإسرائيلي من ناحية الاستراتيحية السياسية. يقدم فرضية أن ذلك يرجع للعبنا الطاولة، وممارستهم الشطرنج. هذا المجاز لا يعبر عن شيء إلا عما يريد هيكل التعبير عنه، فهو بذلك يشير إلى ضرورة أن ننتبه لطريقة التفكير القائمة بشكل مدروس وحسب الخطط المسبقة، وليس لكيفية إدارة الفرص بلعبة الحظ!

التوريث بدأ

منذ الستينيات كان الإنتاج التلفزيوني خاضع لإدارة الدولة، لكن ذلك تغير في العام 2001 مع مجموعة دريم لمؤسسها رجل الأعمال المصري أحمد بهجت. كانت القناة تقدم جلسات مع الكاتب محمد حسنين هيكل، بعد أن كان غائباً عن المشهد الإعلامي المصري منذ بداية حكم مبارك.

في واحدة من ندوات الجامعة الأمريكية بالقاهرة تحدث هيكل عن التوريث، وقد نقلت القناة الخاصة هذه الندوة دون حذف. ذكر هيكل أن خطوات الإعداد لترشح جمال مبارك ليكون خلفاً لوالده قد بدأت. سيعاتب مبارك مالك القناة أحمد بهجت، في العام 2006، بقوله: "متتنطش عليا"!

كان ظهور مبارك الابن داخل الحزب الوطني المنحل قد بدأ مطلع عام 2000، ليصبح الأمين العام المساعد وأمين السياسات ما قبل اندلاع ثورة 2011، وكان حديث هيكل أول حديث علني عن هذه المسألة.

طير الوروار

ذات مرة وصف هيكل موقع تويتر لبث التدوينات القصيرة بأنه "طير الوروار". يعتمد الموقع بالفعل وصف التغريد للتعبير عن التدوين، خاصة أن الطائر صغير الحجم يتسم بألوان ريشه المتنوعة وإن كان يغلب عليه اللون الأزرق، وهو اللون المميز لتصميم الموقع كذلك.

هذا الطائر من آكلة الحشرات، ويفضل النحل، ويتسم بسرعة الحركة. لكل هذه الأسباب وجد هيكل أن هذا الطائر هو الأكثر تعبيراً عن موقع التغريد.

"نعمل لجنة لدراسة أولاد حارتنا"

تولى هيكل منصب رئيس تحرير الأهرام ليحوله لمؤسسة كبرى تصدر عدة مطبوعات وتعنى بالدراسات والأبحاث ونشر الكتب. كانت فترة رئاسته للأهرام (1957- 1974) خطوة لمؤسسة صحفية تعي أن دورها أعمق من العمل اليومي. بجوار الأنشطة المعتادة للصحافة، حرص على وجود مقتنيات فنية للأهرام، حيث تتراص داخل مبانيها اللوحات الفنية. كما حرص على أن تضم هذه المؤسسة كبار الكتّاب مثل نجيب محفوظ (1911-2006).

كانت الجريدة تعنى بنشر الأدب، فقدمت على صفحاتها "أولاد حارتنا" في العام 1959، وقد نشرت كاملة رغم ما أثاره الأزهر وقتذاك من جدل حول تناول الرواية سيرة الأنبياء. تحدث هيكل مع عبد الناصر من أجل احتواء الأزمة، وقد كسب وقتاً، ليكتمل نشرها يومياً وليس أسبوعياً كما هي العادة.

وقد أخذت العلاقة مع محفوظ أبعاداً أخرى، إذ حرص هيكل على تنظيم عيد ميلاد نجيب محفوظ مع مفاجأة لم يتوقعها صاحب الحرافيش، وهي حضور السيدة أم كلثوم (1898-1975) عيد ميلاده الخمسين. وكان سمى إحدى بناته باسمها.

امضوا إلى النسيان، هذا مكانكم

في مجلة آخر ساعة كتب هيكل الصحفي الشاب وقتذاك، بعد ثورة 1952، حينما كانت تسمى "الحركة المباركة"، رسالة إلى زعماء الأحزاب السياسية المصرية، طالبهم فيها ألا يتوقعوا أن يلعبوا أدواراً في مستقبل مصر بعد خلع الملك فاروق الأول (1920-1965). لم يقم أي منهم بمعارضته حينما كان في الحكم، أو طلب منه أن يقف في وجه بريطانيا. كانت رسالته أن يتركوا غيرهم يتحدث، وكان يقصد بالتأكيد الضباط الشباب. لاحقاً ستحل جميع الاحزاب في مصر بعد هذا المقال بعامين، وسيقوم هيكل بتكرار الرسالة نفسها بعد 59 عاماً، مبشراً بشباب 25 يناير والجيش في الوقت نفسه!

كراكيب الماضي

في جريدة الشروق المصرية، كتب هيكل مقالاً في 3 فبراير 2011، والأحداث لا تزال مشتعلة. يوجه الكاتب المخضرم رسالة للقوات المسلحة المصرية، التي يرى أنها ميزان المستقبل. ويطالب بضرورة أن تبدأ مرحلة انتقالية، لا يمثل مبارك أي شرعية فيها، ليعبر عن هذه الشرعية كياناً يضم حكماء البلاد وشبابها. وقد وضع هيكل شرطاً هو ألا يعبر هذا المحفل عن كراكيب الماضي، ويقر بأنه هو نفسه ينتمي لهذه الكراكيب.

كتبت قصيدة حب لجارتي

حضر هيكل عيد ميلاد جمال الغيطاني (1945-2015) الستين في مكان لقاء الأسبوعي لحرافيش نجيب محفوظ بالقرب من نيل الجيزة. في هذا اللقاء، ألقى عبد الرحمن الأبنودي قصيدة، ثم أعلن هيكل للحضور أنه كان يكتب الشعر، وحدثهم عن قصيدة كان قد كتبها في حب جارته. تردد كذلك أن هيكل كتب قصصاً في الأربعينيات، لكنه لم ينشرها، وأبقى هذه المحاولات طي الكتمان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image