شكلت أحداث ذكرى ثورة 25 يناير اليوم الأكثر دموية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. دماء القتلى العشرين الذين تساقطوا في شوارع مصر (والعدّ، للأسف، لم ينتهِ بعد) أعادت تذكير من نسي بأن مسار ثورات الربيع العربي خُتم بشكل مأساوي.
نعم. السلطة المصرية الجديدة، ويجوز القول "الثورة المضادة"، وقواتها الأمنية هي المسؤولة عن الدماء التي سقطت لأنها، بطبيعتها، لا تحتمل فكرة معارضتها. لقد نجح النظام القمعي السابق في تجديد شبابه وصار يمكنه أن يقتل المدنيين وأن يعتقلهم من دون أن تهتزّ الأرض تحت قدميه.وفي ظل "موضة" الحرب على الإرهاب، والإستراتيجيات الصبيانية التي تُعتمد، صار ممكناً أن نرى رئيس دولة يحاضر أمام قادة العالم ونخبه السياسية والاقتصادية عن "الإسلام السمح" و"الثورة الدينية" بينما تحضّر قوات الشرطة المؤتمرة بأمره نفسها لاصطياد شباب كل ذنبهم أنهم يريدون التعبير عن رأيهم وعن تطلعاتهم في غابة الاستبداد.
هذه المرّة لن يكون صوت الإدانات الدولية مسموعاً بشكل كافٍ. فقد أعيد إنتاج المحور الإقليمي السابق الذي يقايض حريات شعوبه بالاستقرار وبضمان تدفق النفط إلى بلاد حقوق الإنسان.
منذ مقتلتيْ رابعة العدوية وميدان النهضة حتى الآن، تغيّر المشهد الإقليمي والدولي كثيراً. قضى "بعبع" الإرهاب على خطاب حقوق الإنسان والحريات، أو على الأقل أرجعه إلى مرتبة ثالثة أو رابعة على لائحة أولويات الدول.
في دافوس، تحدث الرئيس السيسي، وكان على حق، عن العمليات الإرهابية التي تقدّم "شكلاً قبيحاً للإسلام" ولكن خلف كلامه كان يخفي شكلاً قبيحاً للسلطة. وتحدث، وكان على حق، عن فئة قليلة تشوّه حاضرنا وتهدّد مستقبلنا، ولكن خلف كلامه كان يبني ببرودة إيديولوجيا أكثرية لن تهدّد مستقبلنا فقط بل لن تكون الحياة معها ممكنة.
تعشق المصادر الرسمية المصرية وصحافة السلطة وصف المتظاهرين بالإسلاميين لأن لقمعهم سوقاً رائجة هذه الأيام. ولكن لنعترف أن ضحايا القمع لا يمكن تصنيفهم بسهولة. لكلّ منهم قصة معقّدة شجعته على تحدي قانون منع التظاهر.
في المقتلة المصرية الأخيرة، سالت دماء الإسلامي وسالت دماء شيماء الصباغ، الناشطة في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وسالت دماء أشخاص لن نعرفهم لأن الإعلام، كعادته، راح يعدّ الضحايا ويحوّلهم إلى أرقام تصلح لبث الأخبار العاجلة.
لحظة. الكلّ مسؤول عمّا يحصل. السلطة المصرية الحالية هي الهرم الذي يجسّد أخطاء الجميع. مثاليو شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" ساهموا في صناعة الوحش عندما خرجوا إلى الساحات مرددين شعار "الشعب والجيش إيد واحدة". من قال أن النيات الطيّبة لا يمكن أن تولّد المآسي؟ والإخوان المسلمون أخطأوا كثيراً. عندما أقصوا القوى السياسية والحركات الشبابية التي اقترعت لمرشحهم الرئيس الأسبق محمد مرسي وضعوا حجارتهم على جدران الاستبداد والإقصاء. وحين انخرطوا في تحالف إقليمي يهدف إلى الهيمنة على الدول العربية غير آبهين بما كان يترتب عليه من قمع لمخالفيهم وضعوا حجارتهم في جدران تفضيل سياسات المحاور الواسعة على حريات المواطنين.
الآن، بعد أربع سنوات على انتصار الثورة المصرية، آن الأوان للاعتراف بأنه لم يبقَ في بلاد النيل لا ثورة ولا مَن يحزنون. سيحلو ليساري أن يقول: الثورة تراكم وأحداث السنوات الأربع صنعت تراكمات. لن يعرف أن خطابه هو محض آلية نفسية دفاعية يلجأ إليها لأنه عاجز عن القول: لقد فشلنا.
الصورة من أ ف ب
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...