ركزت العديد من الدول النامية اقتصاداتها على قطاع السياحة، لا سيما تلك التي تفتقر إلى الثروات الطبيعية، بالرغم من معرفتها لهشاشة هذا القطاع وصعوبة السيطرة عليه. فهو قطاع جدّ حساس، لكون توفر المنتوج السياحي في بلد ما لا يعتبر كافياً لنمو السياحة فيه، وإنما يتطلب ذلك وضعاً اجتماعياً وأمنياً مستقراً.
تركت الأحداث والتغيرات التي شهدها ويشهدها العالم العربي تأثيراً كبيراً على الواقع الاقتصادي، وشملت الأزمة العديد من القطاعات أهمها السياحة. يعتبر قطاع السياحة استراتيجياً في العديد من الدول، منها تونس، مصر وسوريا التي كانت ولا تزال من أبرز ساحات “الربيع العربي”. كون هذه الدول غير نفطية، وفقيرة بالموارد الطبيعية، اعتمدت بشكل كبير على مردودها السياحي، الذي تراجع بشكل مؤثر مقارنة بالوضع الذي كان قائماً قبل التحولات السياسية الأخيرة.عادة ما يبحث السائح عن وجهات آمنة وخدمات نوعية، وهو ما تفتقده مصر منذ ثورة 25 يناير 2011. تعتمد مصر على السياحة لترفع من مستوى اقتصادها، أكثر مما تعتمده تونس، وذلك نظراً للفارق الكبير في عدد السكان (86 مليون نسمة). ركزت مصر مطولاً على الاستثمار في مجال السياحة، سواء كان ذلك على ساحل البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر، أو عبر السياحة الثقافية في الأهرامات والأقصر. لكن مع تواصل الاحتقان السياسي وانعدام الاستقرار الاجتماعي انخفضت مؤشرات القطاعالسياحي في مصر بشكل مخيف، وأصبحت توفر بالكاد ثلث ما كانت توفره قبل اندلاع الثورة.
الجدير بالذكر أن مصر كانت تحتل المرتبة رقم 26 في ترتيب أول المقاصد السياحية في العالم عام 2010، ثم تراجعت إلى المرتبة 43 عام 2011 ووصلت في عام 2012 إلى المرتبة رقم 66، لتسحب نهائياً من القائمة سنة 2013. عاشت مصر العديد من الأزمات المؤثرة في القطاع السياحي، لعل أهمها تفجير حافلة سياح كوريين في طابا الواقعة بشبه جزيرة سيناء في فبراير الماضي.
تعمل مصر اليوم على الخروج من الأزمة التي ألمت بها من جراء الاضطرابات السياسية. ولكنها، على عكس تونس، ستحتاج إلى وقت طويل من الزمن للعودة لما كانت عليه، خاصة فيما يتعلق بعودة ثقة السائحين بقدرة البلد على استعادة الاستقرار الأمني.
سوريا
قد يعدّ الحديث عن السياحة في سوريا اليوم في غير محله، مع ما تشهده البلاد من أزمة تطال أبسط جوانب الحياة. ولكنها إحدى دول الربيع العربي الثلاث التي كانت تعتمد بشكل كبير على السياحة، إذ كان يمثل القطاع السياحي 12 في المائة من دخلها الوطني الخام. منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في 15 مارس 2011 وتحولها إلى صراع مسلح تراجع الاقتصاد السوري وانعدم النشاط السياحي. انخفضت المداخيل السياحية بنسبة تفوق 94 بالمائة، مع خسائر تتخطى 2.2 مليار دولار حتى شهر أوغسطس 2013. اليوم، لا يزور البلاد، التي يهربها أهلها طلباً للجوء، إلا بعض السياح القلائل من إيران والعراق، في رحلة سياحية دينية. الخسائر التي مست السياحة في سوريا والتي ستطال إلى مدى بعيد، عندما تتخطى البلاد محنتها، ليست من ناحية البنية التحتية السياحية فقط، بل مما طال آثارها ومعالمها التاريخية في كامل أنحاء البلاد من تدمير، وخاصة في المنطقة الشمالية حيث تتمركز المواقع الأثرية، مثل مدينة حلب.
ليبيا واليمن لم تمتلك قطاعاً سياحياً فاعلاً يمكن الوقوف عنده بعد الأحداث التي شهدتها. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن دولاً عربية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب، وبعض بلدان حوض المتوسط مثل تركيا وكرواتيا واليونان، استفادت اقتصادياً من سوء أوضاع بلدان الربيع العربي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...