قبل خمس سنوات، كانت أحلام الشباب والناس كبيرة جداً. فكّروا أن وقتاً قصيراً يفصلهم عن تحقيق أحلامهم بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية... أما اليوم، فقد تقلّصت مساحة الحلم كثيراً، ويشعر كثيرون بالإحباط.
وبعد أن كان عنوان الربيع العربي مفخرة يتباهى بها الجميع، صار البعض يعتبره شتيمة، على أساس أنه كان السبب في إطلاق وحش الحركات الإسلامية المتطرفة، وتمنى بعض آخر لو لم يحدث لأن أنظمة شديدة القمع حلّت مكان أنظمة قمعية، أو أن حروباً أهلية عنيفة اندلعت.
من هنا، طرح رصيف22 على مجموعة من وجوه الربيع العربي السؤال التالي: "الربيع العربي: يا ليته لم يكن؟". بطبيعة الحال، لم يكن الهدف من السؤال تبرير الأفكار المناوئة لكل ما له علاقة بالربيع العربي من مطالبة بالديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية. هو فقط استفزازي يهدف إلى أخذ رأي بعض أبرز الناشطين في سؤال متداول في أوساط مختلفة.
نترككم مع ما يقوله بعض وجوه ثورات الربيع العربي.
عزيز عمامي
مدوّن وناشط تونسي
تربّينا على حكاية الملك العريان
داعبتني جملة "الربيع العربي: يا ليته لم يكن؟". في الشهرين الماضيين، مارست رياضة الهروب من الإجابة عن سؤال حاصرني به الجميع "الثورة، بعد خمس سنوات، ما الحصيلة؟". ليس للأمر علاقة بيأس أو مرارة. فمن أنا كي أجعل من إحساسي مبتدأً في أمر يمسّ الجميع، جيلاً بعد جيل. تهرّبت من الإجابة لأن مقومات الإجابة العقلانية المنطلقة من معلومات، لا تزال غائبة عني، كما تغيب عن غيري.
الرؤية لم تتضح بعد. فالثورة، أو الربيع العربي، في الأساس لم يكن مشروع حكم. بلداننا العربية لم تُبنَ على قواعد مدنية إنسانية سليمة. جيلاً بعد جيل، تناقلنا الأوهام والأكاذيب، قامعين ومقموعين. جيلاً بعد جيل، تعلمنا ألا ننظر إلى أنفسنا، أو إلى واقعنا. تربينا على حكاية "الملك العريان". كلنا درسناها في الصغر، ومع ذلك ها هو تذكير بسيط.
يُحكى أن ملكاً مزهواً بذاته، ذاب عشقاً في أميرة إحدى الممالك المجاورة. وكان أبوها، الملك الآخر، أرستقراطياً متأثراً بالفرنسيين، ويعتبر اللباس والهندام مؤشرات أساسية للحكم على الأشخاص. وحين قرّر ملكنا الذهاب لخطبة الأميرة، أرسل منادياً في البلاد ينادي "هبّوا أيها الخياطون المهرة، لخياطة عباءة الملك".
ومن بين المتقدّمين لأداء طلب الملك، تمايز أحدهم بلسانه ونظرته الحادة. ارتمى أمام الملك قائلاً: "مولاي، أخيط لك أجود عباءة وأجود السراويل، من قماش مذهب فضي بديع الشكل والملمس والألوان، وفوق ذاك قماش سحري، لا يراه سوى صادقو القلوب ومتّقدو الذكاء". أعجب العرض الملك، فاختاره لخياطة العباءة. ومرّ أسبوع، كل يوم يذهب أحد الوزراء أو الأمراء لتفقد عمل الخياط، فيجده على نولٍ خاوٍ من كل شيء يحرّك يديه في الهواء، فيعود إلى الملك مادحاً جودة وجمال العباءة والسراويل.
وحين حلّ يوم الانطلاق، وراح الملك يلبس عباءته وسراويله، لم يرَ شيئاً، وهو يدرك أنه أحمق، لكنّه لا يستطيع الاعتراف بذلك. ووسط احتفال الجميع، ارتدى الـ"لا شيء" ودعا الجميع للاحتفاء به وهو يرتدي عباءته الجميلة وسراويله الباهرة. فخرجت معه أطياف الرعية مهللين مبتهجين، كل منهم متأكد أن للملك عباءة وأن عيباً فيهم يمنعهم عن الرؤية.
وقبل الخروج من سور المدينة، صاح أحد الصبية "عريان، الملك عريان، هع هع هع، الملك عريان"، وانقلب الابتهاج إلى سخرية من جهة واعتراض على السخرية من جهة أخرى.
الربيع العربي كان ذاك الصبي. لم يطلب ذاك الصبي مكان الملك. فقط أشار إلى عريّه.
قلت من البداية أن السؤال داعبني. لقد أوحى لي بسؤال آخر، عوضاً عن المرارة المنتظرة أو العبارات الثورية ضد الأنظمة وكذا، والسؤال هو "هل كان بالإمكان طرح مثل هذا السؤال قبل الربيع العربي على أيّ نظام سياسي؟". مثلاً هل كان من الممكن أن نسأل "ثورة الضباط الأحرار: يا ليتها لم تكن؟"، أو "تحوّل السابع من نوفمبر في تونس، ياليته لم يكن؟"، أو "محمد بن سعود، يا ليته لم يكن؟". مَن يقرأ هذه الأسئلة يعرف أنه يقرؤها لأول مرة. بينما سؤال "الربيع العربي: يا ليته لم يكن؟" صار سؤالاً مألوفاً.
مريم الخواجة
ناشطة بحرينية، المديرة المشاركة لمركز الخليج لحقوق الإنسان
النصر الحقيقي هو نزول الناس إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم
مصطفى النجار
ناشط مصري ونائب سابق في برلمان 2011-2012
السنوات الماضية إرهاصات للتغيير الأكبر الذي سيحدث عاجلاً أم آجلاً
محمد العبد الله
ناشط سوري في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان
أمنيات الناس صارت عبور البحر أو العودة إلى الماضي ولكن…
لم تأت الرياح كما تشتهي السفن في الربيع السوري. فبعد مضيّ خمسة أعوام، استمر النظام في قتل الناس، وتحوّلت الثورة إلى قتال شوارع، واستجلبت معها تدويلاً سياسياً وجهادياً غير مسبوق للواقع السوري، وتحولت أمنيات الناس إلى عبور البحر إلى أوروبا أو العودة إلى ما كنّا عليه قبل الثورة، في أقصى مطالبها.
لكن قراءة متأنية ومنصفة للواقع الاجتماعي السوري يمكن أن تلقي الضوء على ما آلت إليه الحياة السياسية والاجتماعية للسوريين اليوم، داخل سوريا وخارجها. فقد وضعت الثورة الشعب السوري (مؤيدين ومعارضين) أمام استحقاقات وملفات مهمة تساهم بشكل مباشر في تكوين "الهوية السورية". وفُتحت هذه الملفات جميعاً وفي وقت واحد لنقاش حاسم يمكن أن تثمر نتائجه إعادة صياغة الواقع السوري.
وربما أهم هذه الملفات اليوم هو موقف الشعب السوري من السلفية الفكرية والسلفية الجهادية، والطائفية والعيش المشترك والأقليات، وطبيعة النظام القادم في سوريا.
من نافل القول إن درس هذه الملفات يتطلب جواً سياسياً (وأمنياً) مناسباً يسمح لجميع شرائح المجتمع بالمشاركة فيها، غير أن الواقع فرض على الشعب السوري الخوض في تفاصيل هذه الملفات خلال المعارك وتحت وطأة البراميل المتفجرة، وفرض عليه بلورة موقف سياسي وأيديولوجي منها.
هذا الموقف يتطور ببطء شديد، لكنه ينحو في اتجاه مسار أكثر انفتاحاً وقبولاً للآخر، ويبشر بتحقق أمنيات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية على المدى الطويل.
أفراح ناصر
مدوّنة وناشطة يمنية
نعم، ليته لم يكن، ولكنه أيضاً كان شراً لا بد منه
إسراء عبد الفتاح
صحافية وناشطة مصرية
من أطلق العنف هو تيارات تربّت في كنف الأنظمة السابقة
الربيع العربي كان سيأتي عاجلاً أم آجلاً، فهو ليس فعلاً اختيارياً إنما هو فعل اضطراري. فقد حدث عندما ضاق الشباب العربي ذرعاً من ظلم ديكتاتوريات همّها الأول والأخير الحفاظ على المناصب والمصالح وأكتناز الأموال. استمرار الظلم وغياب العدل وإهمال التعليم والركود الاقتصادي والديمقراطية الشكلية هي الأسباب الرئيسية لاندلاع الربيع العربي.
وإذا كان يؤخذ على الربيع العربي أنه أدّى إلى إطلاق التيارات الإسلامية المختلفة وموجات عنف، فلا بد أن نتذكر أن هذه التيارات الإسلامية تربّت وترعرعت ونمت وكبرت وتمكّنت تحت ظل الأنظمة الديكتاتورية التي قام ضدها الربيع العربي، فالأنظمة العربية استخدمتها كفزّاعة حين خافت من سقوطها، وهو قادم لا محالة.
ولا بد أن نضع في اعتبارنا أن من أسباب تراجع الربيع العربي أن الحكومات الانتقالية التي كانت تدير مراحل ما بعد الثورات هي من الإدارة القديمة نفسها ولكن في ثياب جديدة. فعنصر المفاجأة في اندلاع تلك الثورات لم يجعل التيارات الثورية قادرة على اسقاط نظام وفي الوقت عينه ترتيب أوراقها لإعداد نظام بديل خالص من عناصرها فقط.
لا تحكموا على الربيع العربي بعد مرور خمس سنوات. فالتخلص التام من أنظمة ديكتاتورية احتكرت السلطة لعقود زمنية طويلة مع احتضانها تيارات إسلامية لاستخدامها كفزاعة يحتاج إلى سنوات طويلة. ولكن البداية كانت حتمية والطريق نحو العدل والوعي والكرامة العربية طويل.
نزيهة سعيد
صحافية وناشطة بحرينية
ليته لم يكن؟ لا ليكن…
ما حدث منذ يناير 2011 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نفحات أمل بأن التغيير يأتي من الشعب ذاته، أملاً في المزيد من الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والارتقاء بالإنسان وتحسين معيشته. هذه كلها كانت الهواجس التي دفعت بالملايين إلى الشوارع، بصدور عارية، واقفين أمام الدبابات وأجهزة القمع، مؤمنين بما ينادون به.
مات الكثيرون حتى اليوم، خصوصاً في البلدان التي تحولت فيها الثورة إلى صراع مسلح مع أنظمة قمعية، ميليشيات، جيوش مستوردة أو حركات إسلامية متطرفة. إبادات جماعية ومجازر، قصف لا يزال ونحن نكتب هذه السطور مستمراً في العديد من المناطق. ليته لم يكن؟ لا ليكن... فهكذا نجرب كيف أن ثمن الحرية غالٍ.
ليكن كي لا تذهب كل هذه الدماء التي سالت هدراً، كي لا يذهب كل هذا الدمار هدراً، كي لا تذهب هذه المعاناة والتهجير والقسوة والألم هدراً... حتى تبلغ هذه الشعوب غايتها، الحرية والإنسان... ليكن.
وليد سليس
مدون وناشط حقوقي سعودي
الربيع العربي لم ينتهِ
كنان رحماني
ناشط سياسي ومستشار للشبكة السورية لحقوق الإنسان
لم نصل إلى الحرية ولكننا صرنا قادرين على الحلم بها
كشخص نشأ وتربّى في الولايات المتحدة الأميركية، وتمتّع بحقوق الإنسان والحرية، كان من الطبيعي أن يحلم بأن يمارس السوريون الأمر نفسه. أول خطوة لمواجهة الديكتاتورية التي تحكم بالحديد والنار هي مواجهة الخوف. وحتى اليوم، فإنّ سلاح النظام الأساسي هو الخوف: الخوف من التعذيب، والخوف من الإسلاميين، والخوف من المجهول. لذلك، عندما خرجت مجموعة من الشباب، عام 2011، وكسرت قيود الخوف، انطلقت الرحلة نحو الحرية.
الديكتاتورية مثل السرطان، كلما انتشرت أكثر، أصبحت إزالته أصعب. وهنالك خياران: إما المعالجة، أو الموت البطيء. الذين خرجوا إلى الشوارع آمنوا بمعالجة السرطان، مدركين بأن هذا العلاج يمكن أن يُهدد حياتهم.
وعندما ننظر اليوم ونرى أن أكثر من 300 ألف سوري قد قتلوا، وملايين قد هاجروا، ونصف السكان تقريباً تركوا بيوتهم، لا بدّ أن نطرح التساؤل: هل كانت الثورة هي الجواب الصحيح لمشاكلنا؟ هذه الأثمان كانت نتيجة لخطورة السرطان، وينبغي أن ندرك أنه لم يكن هنالك خيار آخر سوى مواجهة الإذلال الذي كان يُطبّق.
بكل تأكيد، سنحتاج إلى سنوات عدّة من أجل إعادة بناء الروابط الاجتماعية، وإزالة الطائفية والكراهية، وإعادة بناء البيوت والمدارس والمشافي المهدّمة، ومعالجة الجرحى، الخ. ولكننا اليوم كسوريين نستطيع حيثما كنا في هذا العالم أن نقول أننا كسرنا قيد الخوف. صحيح أننا لم نصل إلى الحرية بعد، ولكننا على الأقل أصبحنا قادرين على الحلم بها وعلى تخيلها. وسوف نتذكر دائماً أولئك الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل مستقبل أفضل للجميع.
عبير قبطي
مدونة وناشطة فلسطينية
دعونا نلوم الأنظمة، لا الشعوب
فاتن بوشهري
مدونة وناشطة بحرينية
لقد وقعنا في فخ إستراتيجية السلطة التي تعتمد مبدأ فرق تسد
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 16 دقيقةأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يوملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 6 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...