لنحاول فتح دفتر ذكريات السوريين قبل عقد من الزمن، ونلقِ نظرة على بعض أبرز جوانب الحياة في تلك البقعة من العالم. سنتعرف إلى المعيشة وأساليب الترفيه المتاحة، فضلاً عن حالة التعليم المنغلقة والمتأخرة. ولا نغفل جوانب التكنولوجيا وبعضاً من السياسة.
الترفيه
يمكن القول إن بوابة الترفيه الأساسية التي كان يعتمد عليها السوريون هي التلفزيون. فمن خلاله كانت البرامج على اختلاف توجهاتها تغطي يوم المواطن السوري، منذ تلاوة القرآن عند الافتتاحية، إلى برنامج غداً نلتقي في نهاية اليوم. كانت أفلام الكرتون تحمل متعة ومضامين مفيدة للأطفال، أكثر من مجرد تمضية الوقت. كانت برامج: البؤساء، وكان ياما كان الحياة، دروس في الأدب والبيولوجيا، لا يزال الكبار يذكرونها اليوم أكثر مما درسوه في كتب المدرسة. كان السوريون يشاهدون قناة ونصف، القناة الأولى هي الأهم، وتعرض برامج لمختلف شرائح الناس ولساعات بث أطول. أما القناة الثانية فكانت تعرض محتوى أجنبياً بدرجة أكبر، ولمدة نصف يوم فقط.وهذه أبرز البرامج
ماريا ديب، التي تعرف باسم "أم عمار" توصل إهداءات أغاني إلى الراغبين في جميع المناسبات.
عبد المعين عبد المجيد يسير في الأسواق والشوارع وبين الناس، في برنامجه الشهير "التلفزيون والناس".
وجرعة الغرائب والعجائب، كانت تقدم بصوت محمد توفيق البجيرمي عبر برنامجه "طرائف من العالم"، الذي كان يعرض أشياء غريبة، ويوقعها بجملته المعهودة "فتخيل يرعاك الله".
أما الثقافة العلمية العامة، فكانت تقدم عبر برنامج آفاق علمية. وهو من إعداد طالب عمران. كما كان هناك برامج لشرائح معينة من الشعب، كالعمال ببرنامج "مع العمال"، والفلاحين ببرنامج "أرضنا الخضراء"، والحرفيين ببرنامج "الأيدي الماهرة". وأيضاً الجنود في الجيش... الكثير من السوريين، خصوصاً في مدينة حلب، كانوا يستخدمون مقوي الإشارة لالتقاط بعض القنوات الأرضية التركية، ومشاهدة مسلسلات، مثل مايكل نايت وسيارته العجيبة باللغة التركية، التي قد لا يفهمها الغالبية. لاحقاً سمحت السلطات باقتناء صحون الاستقبال الفضائية، وأصبح هناك تنوع أكثر في المشاهدة. فكان الإقبال الكبير على المسلسلات المكسيكية المدبلجة، مثل كاساندرا وماريا، التي كانت تتسبّب بحظر تجوال مؤقت، ولاحقاً أصبحت كل المنتجات تحمل أحد هذين الاسمين. أما الترفيه خارج المنزل فكان محدوداً بالسيران، وتحديداً يوم الخميس. فتخرج العائلات إلى أماكن معينة لقضاء بعض الوقت مساءً والترويح عن نفسها من خلال تناول عشاء في الطبيعة.
التعليم
الثنائيتان "باسم ورباب" و"مازن وميسون"، هما أصدقاء أطفال سوريا الذين أصبحوا اليوم في ثلاثينيات العمر. فقد كانت مناهج الدراسة تتمحور حول هذه الشخصيات. أما صفوف الدراسة فكانت كقطرميز المكدوس الذي يحشر فيه ثلاثة أو أربعة أطفال في مقعد واحد، وكل مدارس القطر تشبه بعضها بعضاً، إذ تم بناؤها وفق تصميم السجون الروسية. في بداية العام يطلب من الأطفال جلب دفتر نهاري ويتم تجليده بالأحمر، يستخدم في الصف. ودفتر ليلي يتم تجليده بالأسود، يستخدم في المنزل لكتابة الواجبات. وهناك دفتر إملاء يتم تجليده باللون الأخضر. وحين يكبر الطلاب ويصبحون في مراحل متقدمة، تختلف المتطلبات، وطرق التجليد، مثل النايلون والورق البنفسجي. العرّيف هو ركن أساسي من كل صف مدرسي، هو المسؤول عن ضبط الطلاب ومراقبتهم، وتسجيل الغياب. هو أشبه بعنصر أمن صغير، والكل يبحث عن رضاه. وهناك تشكيلات مختلفة، مثل لجنة انضباط لتنفيذ أوامر الآنسة، ولجنة نظافة للحفاظ على نظافة الصف. في التسعينيات، كان الضرب مسموحاً، وتراوح العقوبات من كتابة طلاب الصف الدرس عدداً كبيراً من المرات، مروراً بالضرب بالعصا على اليد، وصولاً إلى الفلقة على طريقة المخافر.السياسة
للحياة السياسية خصوصيتها في سوريا، فالرموز والشعارات والصور موجودة في كل مكان. من الدفتر المدرسي إلى غرفة الصف ومداخل الدوائر الحكومية. شعارات مثل "معك " و"إلى الأبد " و"البعث طريقنا"، شيء يألفه السوريون ويرددونه في كل مناسبة. لعل أبرز ما يعلق في ذهن طلاب المدارس هو تجديد بيعة الرئيس، الذي حصل مرتين في التسعينيات. إذ يكون يوم عطلة، ويذهب الجميع في مسيرة إجبارية إلى ساحة المدينة لإلقاء الخطب وترديد الشعارات الحماسية أمام الرفاق الحزبيين. وكانت طبقة المتنفعين والمقربين من السلطات الأمنية، والمسؤولين وعائلاتهم وأولادهم، يستفيدون من مزايا تميزهم عن بقية أفراد الشعب. كسيارات المرسيدس المفيمة (لاصق أسود على الزجاج)، ورقم السيارة الذي يبدأ بـ01، وكلما كثرت الأصفار فيه زادت مكانة المسؤول.التكنولوجيا
تبدأ قصة اليافع السوري مع التكنولوجيا من جهاز الألعاب اليدوي، الذي يحوي لعبة Tetris بشكل أساسي. ثم بعد أن ينال شهادة دراسية جيدة، تتم ترقيته إلى جهاز أتاري العائلة، الذي يعمل على الأشرطة، والبداية مع ماريو. لاحقاً يجرب أجهزة أحدث مثل سيغا عند ابن الجيران أو أحد المحال، وهنا ترتفع المطالب التي لا تتوقف عند البلايستيشن ون. استخدمت الأجهزة التقنية لأغراض الترفيه، ففي كل بيت كان هناك جهاز فيديو يشغل أشرطة VHS ومسجلات الكاسيت والراديو، وعلى خصور الكثير من الشباب تعلّق أجهزة الووكمان. لم يكن الكمبيوتر يدخل منازل السوريين إلا نادراً، نظراً لارتفاع سعره، الذي يصل إلى 100 ألف ليرة أحياناً. أواخر التسعينيات، حصل بعض المدعومين على الاتصال الهاتفي بالإنترنت بسرعة سيئة، وصوت الاتصال الشهير الذي يعلن بداية الدخول إلى العالم الرقمي...
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي