هرب سوار من الخدمة العسكرية في سوريا وفرّ إلى كردستان العراق، في رحلة واجه خلالها المهرّبين والألغام الأرضية وفقد أغلى ممتلكاته. وها هو اليوم في مخيّم دوميز في العراق، حيث يعمل ممرضاً في منظمة أطباء بلا حدود، ويشعر بالتفاؤل للفرص التي قدّمتها له الحياة كلاجئ.
"ازداد الوضع سوءاً في درعا، ولم أعد أحتمل النحو الذي تجري عليه الأمور. ومع ازدياد عدد المجموعات المعارضة، أصبح الجنود يُنشرون بشكل متزايد على حواجز خطرة، ويُرسل آخرون للبحث عن منازل المشتبه بهم خالعين الأبواب في منتصف الليل، غير مكترثين لوجود النساء في المنازل. وبدأ بعضهم ينخرط في أعمال مشينة كالسرقة والسلب والتحرّش، لم أرغب قطّ المشاركة بمثلها. ومع حيازتي تصريحاً من الجيش السوري وعدم حصولي بعد على أوراق ثبوتية مدنيّة، تمكّنت من الوصول إلى دمشق من دون أن يتم إيقافي من قبل مجموعات المعارضة، على أحد الحواجز المتعددة على الطريق، وأن يُعرف أنني جندي. كان أملي الوحيد أن لا أُسأل عن أوراقي.
استقلّلتُ حافلة ملأى بالركّاب أملاً بالجلوس إلى جانب السائق. ولحسن حظي تحقّقت أمنيتي، فاعتقد ضباط الأمن أنني مساعد السائق ودعونا نمرّ.
لدى وصولي إلى دمشق، ذهبت إلى شركة رحلات لترتيب سفري إلى كردستان العراق التي استغرقت 24 ساعة، ولجأ خلالها السائقون إلى استعمال هواتفهم الجوّالة لتحذير بعضهم بعضاً من المخاطر على الطريق، والإشارة إلى ضرورة سلوك طرقات بديلة.
عثرت في الحافلة على مخبأ سرّي، فكّرت في اللجوء إليه عند الطوارئ، لكنني تمكّنت من الوصول إلى الحسكة من دون أي حوادث.
بعد أيام قليلة من وصولي تلقّيت اتصالاً هاتفياً من القاعدة العسكرية، وعلمت أنه تم اقتحام مستودع الذخائر، وسُرقت الأسلحة، وبعض الجنود انضموا إلى المعارضة. وهذا كان أسوأ ما حصل. لم أرغب بمواجهة هذا الوضع الذي لا مفرّ منه، لذلك قررت الهروب.
وصلني عمّي بأحد المهرّبين، ويوم مغادرتي تدهور الوضع الأمني، وتكثّف انتشار القوات الأمنية على الحدود. اختبأت مع 6 أشخاص في أحد المنازل لساعات بانتظار أن يهدأ الوضع. وبالنسبة إلى الأطراف المسلّحة، نحن مقاتلون هاربون من الخدمة العسكرية، جنود فرّوا من الجيش.
بالنتيجة أتممنا الرحلة، بعد أن قطعنا عدّة قرى ودفعنا نحو 500 دولار أمريكي لكي نمرّ على 3 حواجز. ثم طُلب منّا السير مسافة كيلومتر ونصف الكيلومتر في الظلام. وفجأة شاهدنا 3 مسلّحين يركبون درجات نارية طلبوا منّا التوقف ثم بدأوا بإطلاق النار، تمدّدت على الأرض كما تعلّمت في الجيش، وانتظرت لبعض الوقت بينما استمر أصدقائي بالركض، وكادوا أن يقتلوا. وعند توقف إطلاق النار وقفت بسرعة ونسيت التقاط الحقيبة التي تحتوي على أغلى ممتلكاتي، من شهاداتي الجامعية إلى ملابسي وهاتفي الجوّال.
تمكّنا من الوصول إلى قلعة تسيطر عليها السلطة العراقية، وهناك حقّق العراقيون معنا آخذين منّا كل التفاصيل، وطلبوا منا الانتظار لكي يتحققوا من أسمائنا في المقرّ الرئيسي في بغداد. لكن ضابطاً لطيفاً اقترب منّا وحذّرنا من خطر ترحيلنا إلى سوريا. ثم نصحنا بالذهاب قدماً باتجاه الحاجز الأمني العراقي. في هذه اللحظة تذكّرت حقيبتي التي يعتمد مستقبلي على المستندات الموجودة فيها، والتي لا يمكنني المغادرة من دونها. اقترح عليّ صديقي أن يذهب ويبحث عن حقيبتي، ووصل إلى حقل اكتشف بعدها أنه حقل ألغام. فاضطررنا إلى الاتصال بالضابط اللطيف، وطلبنا منه الحضور لإنقاذ صديقي.
في النهاية، وصلنا إلى المكان من دون أن أسترجع أغراضي، وبدأنا عملية التسجيل. اتصلوا بشخص من القلعة وافق على الذهاب للبحث عن حقيبتي مقابل مبلغ من المال طبعاً. لكنني اضطررت إلى المساومة وتمكّنت في النهاية من استرجاع أوراقي وممتلكاتي.
في وقت متأخر من ذاك اليوم، عبرنا إلى كردستان العراق، بملابس ممزّقة وجراح لم تلتئم قبل شهرين، لكنني على الأقل، شعرت بالأمان وبأنني على قيد الحياة.
حين وصلت إلى مخيم دوميز وجدته يحتوي على نحو 100 خيمة. حينها كانت عائلتي قد التحقت بي، كون دوميز أفضل مكان لطلب اللجوء.
بدأت أسأل الناس حولي عن عمل، وبالصدفة تعرّفت بعد ثلاثة أسابيع إلى موظّف دولي في منظمة أطباء بلا حدود يتكلّم العربية. أحضرت معي مستنداتي إلى المقابلة، وتم توظيفي على الفور بفضل خبرتي في المجال الطبي.
ولدت طفلتي الأولى في دوميز لكن الحياة في المخيّم صعبة. فالتيار الكهربائي مثلاً ينقطع لست ساعات في اليوم، والجو ملآن بالغبار، لكن رغم ذلك لدينا عمل داخل وخارج المخيّم وكرامتنا محفوظة.
أحمد الله على كل ما حصل لي ، ففجأة بدأنا نشهد الانفراجات في حياة سادها الألم والعذاب.
واليوم تعاني ابنتي حلمى البالغة من العمر ثمانية أشهر من أمراض عدة، ولأني ممرّض مختص في الإنعاش، يمكنني أن أعرف بسهولة ما إذا كان الشخص يعاني من مشكلة صحية أم لا.
عانت طفلتي من نوبات، لكن السبب ليس واضحاً بعد، وقد جرّبنا الكثير من العلاجات ولم نتوصّل لأي نتيجة.
لو كنت أملك جواز سفر لسافرت فوراً وأدخلتها إلى أفضل مستشفى في ألمانيا، حيث أضمن أنها ستحصل على العلاج الصحيح، لكنني لاجئ لا يملك جواز سفر، وها أنا عالق هنا لا يمكنني الذهاب إلى أي مكان.
وبالطبع لا أريد أن أسافر بطريقة غير شرعية مع ابنتي، فهذا الأمر خطير جداً لطفلة مريضة مثلها. وقد سبق أن خضت هذه التجربة ولن أكررها معها.
لعلّ الحلّ الوحيد هو التقدم بطلب لدى الأمم المتحدة للسفر وتلقي العلاج الطبي في الخارج، لكن هذا الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، وثمة الكثير من اللاجئين في وضع مماثل.
نشر الموضوع بالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود وهو جزء من سلسلة شهادات للاجئين سوريين هربوا من ويلات الحرب في بلدهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...