صورة أخرى تُضاف إلى صور الأزمة السورية المستمرة. قصة رائد الفضاء السوري محمد فارس، الذي تحوّل إلى لاجئ في تركيا. أول سوري وثاني عربي ينضم إلى مكتب "يوري غاغارين" لرواد الفضاء منتصف الثمانينيات، أصبح لاجئاً في الألفية الثالثة.
انشقاقه عن النظام. لكن التحقيق المطول الذي أجرته صحيفة الغارديان البريطانية عنه، يعيد تسليط الضوء على تلك التجربة الروسية - السورية المشتركة، التي سبرت غور الفضاء عام 1987 في مركبة الفضاء "سويوز ام3" مع اثنين من رواد الفضاء الروس. لكن الأهم أنها تصور الدرك الذي أوصلت الحرب إليه شخصيات سورية لامعة، منها فارس الذي استقبل بعد تلك الرحلة استقبال الأبطال في بلاده، وحملت شوارع ومستشفيات اسمه.
لم تحظ قصة فارس بمتابعة إعلامية عربية واسعة، فعدا فيديو الانشقاق، قليلة هي المقابلات والكتابات عنه. من هنا يحسب لتحقيق الصحيفة البريطانية الإضاءة على قصة فارس التي يحاول تجميلها من خلال إيجاد معنى آخر لحياته، عبر العمل مع اللاجئين في تركيا في "حي فاتح" الشهير.
يستعيد فارس فصول قصته حين كان أحد 4 سوريين، أرسلهم نظام حافظ الأسد إلى موسكو للتدرب على برنامج خاص يهدف لاختيار سوري في ثاني رحلة إلى الفضاء يقوم بها رائد فضاء عربي، بعد الأمير سلطان بن سلمان آل سعود. وفي عام 1985 انضم و3 من مواطنيه إلى البرنامج السوفياتي في مركز "يوري غاغارين" لتدريب رواد الفضاء، بعد منافسة شرسة خاضها ضد 60 سورياً آخر تقدموا للبرنامج.
بحسب فارس، فشل المنافسون في الاختبارات الطبية واختبارات اللياقة التي أجراها السوفيات، فحسم السوفيات أمرهم: إما فارس أو لا أحد، وهكذا كان.
يقول فارس إنه حين رأى الأرض من شباكه الصغير في الفضاء، حيث هناك لا نحن ولا هم ولا سياسة، قرر عند عودته ترك السلك العسكري والتفرغ لتعليم الناس عن الفضاء وجعل هذا الامتياز الذي حصل عليه في خدمة الآخرين. يستعيد فارس جواب الأسد الأب آنذاك برفض اقتراح فتح مركز لعلم الفضاء، ليستدرك ويقول إن الحكام يفضلون إبقاء شعبهم جاهلاً لترسيخ حكمهم.
حين بدأت التظاهرات في سوريا، شارك فارس فيها إلى جانب زوجته. وعندما اجتمع بالقيادة نصحهم بالتغيير، إلا أن ذلك لم يكن ممكناً، فـ"هم يظنون أنفسهم آلهة". بعد ذلك، وبعد رؤية طلابه يتحولون إلى مجرمين وضحايا، قرر فارس الهرب. القرار لم يكن سهلاً، ولا تنفيذه مع ثلاثة أطفال وزوجة.
اليوم يجلس فارس في مكتبه في تركيا، تحيط به أعلى الميداليات السوفياتية، ميدالية بطل الاتحاد السوفياتي من مرتبة لينين، وأعلى تشريف عسكري في العهد الشيوعي السابق. يحتفظ بذكرى صداقة طيبة مع موسكو القديمة، وله أصدقاء قدامى فيها عرضوا عليه المساعدة لكنه رفض اللجوء إلى روسيا، بينما يعز عليه أن الروس الجدد تحولوا إلى قتلة في بلاده.
على بعد مئات الأمتار من مسقط رأسه، يتابع فارس حملاته للتغيير الديموقراطي في بلاده من خلال "الكلمات لا السلاح"، بحسب تعبيره. يعمل مستشاراً لدى الحكومة التركية حول شؤون اللاجئين، ولدى منظمات أوروبية غير حكومية للمساعدة على استقبال اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي في أوروبا، لكن ذلك لا يمنعه من الشعور بالإحباط، بسبب تأخر دعم بلاده. ويقول: "لم يتدخلوا عندما كنا في أشد الحاجة إليهم، وإلى مساعدتهم"، في إشارة إلى أوروبا والولايات المتحدة.
يحلم فارس بـ"منزل صغير في وطنه مع حديقة يجلس فيها وأولاده من دون خوف من القذائف". يتحدث بمرارة عن حلب "المدينة التي تلخص الحضارات السورية بلا انقطاع منذ أكثر من 10 آلاف سنة"، ويختم والدموع تملأ عينيه: "عندما نظرت إلى الأرض من الفضاء شعرت أن بإمكاني إحداث فارق كبير في العالم.. لكن ذلك لم يكن سهلاً".
لجوء فارس، المولود في حلب عام 1951، إلى تركيا يعود لعام 2012، حين أعلن رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...