شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ما مدى انتشار داعش في السودان؟

ما مدى انتشار داعش في السودان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 18 سبتمبر 201605:19 م

تلقت الخرطوم ضربتين موجعتين هذا العام بسفر مجموعتين من طلاب جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، وهي جامعة خاصة تابعة لوزير الصحة، المنتمي إلى الحركة الإسلامية مأمون حميدة، إلى سوريا للالتحاق بتنظيم داعش.

ضمت الدفعة الأولى في مارس الماضي، تسعة طلاب من حملة الجوازات البريطانية، بينما تألفت المجموعة الثانية من 12 طالباً، من بينهم ابنة الناطق الرسمي لوزارة الخارجية السودانية السفير علي الصادق، والتي سافرت إلى سوريا في أواخر يونيو الماضي عبر أنقرة، مع زملائها من طلاب الطب والصيدلة في الجامعة، للعمل في مستشفيات في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش.

وكانت ابنة صادق قد غادرت مطار الخرطوم من دون الحصول على تأشيرة خروج، وهو شرط أساسي في إجراءات السفر. وقال صادق في حديث له مع صحافيين، إن ابنته "لم تمر بالإجراءات الروتينية التي يتبعها المغادرون من السودان". وتعرف صادق إلى ابنته من خلال كاميرا المراقبة الموجودة في المطار، إذ لم يكن اسمها مدرجاً على قوائم السفر، ولا أسماء زملائها. 

مقالات أخرى 

يحلمون في الهجرة إلى أوروبا فينتهون في حضن داعش والنصرة

هل نختلف كثيراً عن داعش؟

اللافت أن هذه الجامعة تخلو من أي نشاط سياسي أو ثقافي، باستثناء جمعية "الحضارة الإسلامية". الجمعية تتبع للشيخ محمد عبد الكريم رئيس الرابطة الشرعية للعلماء، المعروف بولائه لتنظيم داعش، والذي جرى اعتقاله أكثر من مرة على خلفية مباركته لداعش من على المنابر، التي تم إيقافها لاحقاً، بعد ورود تقارير تفيد بدورها بالتنسيق بين الطلاب والتنظيم.

الجذور التاريخية لداعش في السودان 

من خلال مراقبة الأحداث، يلاحظ أن لتنظيم داعش جذوراً منذ تسعينيات القرن الماضي، ارتبطت بأحداث إرهابية، هزت المجتمع السوداني ولم يعرفها المحيط العربي إلا لاحقاً. بالعودة إلى العام 1994، وما عرف بأحداث مسجد الثورة الحارة الأولى في مدينة أمدرمان، حين هاجم محمد عبد الرحمن الخليفي الليبي الجنسية، مع ثلاثة سودانيين آخرين بالأسلحة النارية، مسجداً يتبع إلى جماعة أنصار السنة المحمدية، وقاموا بحصد أرواح 27 من المصلين.

الخليفي القادم من أفغانستان، كان على علاقة بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الذي كان في تلك الفترة في السودان، قبل أن تطلب منه الحكومة مغادرة أراضيها عام 1996. 

أحداث قرية الجرافة، شمال أمدرمان، ومسرحها مسجد أنصار السنة أيضاً. يومها قتل رشاش عباس عبد الباقر، منفذ العملية المنشق عن جماعة أنصار السنة، والمنتمي إلى جماعة التكفير والهجرة، 20 شخصاً وجرح 33.

وعام 2012، تم القبض على 30 شاباً في معكسر للتدريب أرادوا التوجه إلى مالي للجهاد ضد القوات الفرنسية. وهو ما عرف وقتها بـ"خلية الدندر"، نسبة إلى مدينة الدندر، جنوب شرق الخرطوم.

أجواء مؤاتية 

كانت الأجواء مؤاتية لنمو الحركات الإسلامية المتطرفة والمتشددة  في الخرطوم. وبحسب المحلل السياسي عبد الله رزق، "بعض أطراف النظام الحاكم في الخرطوم، المعروف بتوجهه الإسلامي، لم تكن بعيدة عن هذه الحركات والمجموعات، من خلال تعاطفها مع القاعدة وأسامة بن لادن". 

ويقول رزق لـرصيف22، إن "الشعارات التي ترفعها التنظيمات الجهادية، هي شعارات الحركة الإسلامية السودانية نفسها، ذات الصلات بالعديد من التنظيمات الجهادية، على رأسها تنظيم القاعدة". ويضيف: "وينسب لبن لادن وفترة وجوده في السودان، وضع الأساس لتنظيم بوكو حرام، الذي ينشط الآن في نيجريا والدول المجاورة. وأعلن التنظيم في وقت سابق مبايعته وولاءه لداعش".

رزق يشير إلى أن "المؤتمر الشعبي العربي، الذي أسسه رئيس الجبهة حسن الترابي، عام 1991، لعب أيضاً دوراً هاماً في دخول الحركات المتطرفة إلى السودان، عن طريق دعوته للجماعات الجهادية في أفغانستان وباكستان، الأمر الذي أدى إلى تصنيف السودان، كدولة راعية للإرهاب". ويرى أن "الحكومة السودانية تستخدم هذه الجماعات للضغط على الغرب، عن طريق الإسهام في الحرب على الإرهاب بمقابل".

وقد ظهر أول أشكال التعامل مع الجماعات الجهادية والقاعدة وداعش من قبل الحكومة، في عملية اغتيال الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل في الخرطوم، عام 2008 من قبل جماعة متشددة دينياً. وتم إصدار حكم الإعدام على المتهمين، الذين تمكنوا من الهرب لاحقاً من سجن كوبر المعروف بتحصيناته  المنيعة. وهو أمر يشي بتلقي المجموعة مساعدات من قبل نافذين. بينما جرى القبض على أحدهم، وهو ابن رئيس جماعة أنصار السنة، ولم ينفذ فيه الحكم حتى الآن، بسبب مخاوف لدى الحكومة من غضب الجماعات الإسلامية. وقد قتل أحدهم لاحقاً في الأراضي الصومالية، يعتقد أنه انضم إلى حركة الشباب في الصومال، بعد هربه من السودان. 

تقارب أيدولوجي

يقول رزق إن "قدرة داعش على ترحيل أعضائه من السودان، إلى ليبيا والعراق وسوريا، يشير إلى اكتمال بنيات التنظيم الأساسية، وتمكنه من الحصول على الدعم اللوجستي". حديث رزق عززه علي الصادق، حين اتهم "جهات" بتسهيل خروج الطلاب المتوجهين إلى سوريا والعراق، للانضمام إلى داعش عبر تركيا. وهو ما لا يمكن أن يتم من دون علم الحكومة، أو على الأقل غض طرفها بسبب التقارب الأيدولوجي بين الطرفين. 

إفلاس الحركة الأسلامية 

وقال القيادي الإسلامي المعارض، ومستشار الرئيس السوداني سابقاً، غازي صلاح الدين العتباني، في ندوة عن التطرف، إن "ظهور داعش هو نتيجة غياب قيم الديمقراطية والعدالة، ما يعد فشلاً للمشروع الحضاري، الذي بشرت به الحكومة الإسلامية في السودان".

بينما يرى القيادي الإسلامي حسن مكي، أن "المشكلة تكمن في الاستبداد السياسي، وتراكمات الأنظمة السياسية والاجتماعية، التي ارتكبت العديد من الأخطاء، واستخدمت الخطاب الديني في ترسيخ الأنظمة، مقابل غياب تام لمفهوم العدالة بين المجتمعات، ومصادرة الحقوق الأساسية". 

يذكر أن عدداً من قيادات الحركة الإسلامية الحاكمة في السودان، شاركوا في القتال في ليبيا وأفغانستان، قبل عودتهم لتولي مناصب قيادية.

اتهامات 

لم تقتصر الاتهامات الموجهة إلى الحكومة السودانية على الغرب وحده، بل اتهمت كل من مصر وليبيا، السودان بإرسال جهاديين. إذ قتل نجل رئيس جماعة أنصار السنة عبدالإله أبو زيد محمد حمزة، في تفجير انتحاري في مدينة سرت الليبية.

واتهمت الحكومة المصرية السودان في وقت سابق بإيواء جماعات متطرفة، وكشفت الشرطة السودانية في شهر أغسطس، عن وجود معسكر شمال مدينة أمدرمان، يقوم بتدريب عناصر من أفغانستان والصومال وفلسطين، لإرسالهم إلى ليبيا، ثم يتم توزيعهم إلى سوريا والعراق.

إجراءات الحكومة

من جانبها، لم تعلن الحكومة السودانية عن أي إجراءات رسمية، تم اتخاذها لتفكيك الشبكة، التي تقوم بالتجنيد والترحيل، إلى خارج السودان، ما يعزز الاتهامات برعاية الحكومة لها.

ويرى رزق أن "استقواء النظام بالجماعات لتعزيز دوره الإقليمي، وهي السياسة المتبعة منذ تسعينيات القرن الماضي، ما زالت حاضرة. ولا تزال لديه صلات بتنظيمات إرهابية، كحركة الشباب في الصومال، وجوزيف كوني في يوغندا، وبوكو حرام في نيجريا، والسيلكا في أفريقيا الوسطى، وأنصار الشريعة في مالي، وليبيا وغيرها.

ويقول عميد شؤون الطلاب في جامعة العلوم الطبية أحمد بابكر، إن "طلاب هذه الجامعة، قضوا معظم حياتهم في الخارج، منقطعين عن جذورهم، مغتربين عن حاضرهم، وهم يعانون من خواء فكري ومعرفة محدودة بالدين. وسط غياب تام للأنشطة الفكرية في الجامعة، وهذا ما يجعلهم فريسة سهلة للتنظيمات الإرهابية".

لا يمكن إذاً النظر إلى هذه القضية بمعزل عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image