"المرأة مش عورة شو بتعمل هي حرة... مربية عالمة قائدة بالفطرة... هي ثورة هي حوا هي ربة الأسرة". رسالة أطلقها 5 مغنين ومغنيات راب عبر منظمة "أوكسفام"، تحية للمرأة السورية في مخيمات اللجوء في يوم المرأة العالمي. قوة المرأة الصانعة للثورة والحق والتغيير، وليس الضعف التي درجت العادة على وصفها به، هي خلاصة هذه الأغنية، التي كتبها المشاركون من الأردن واليمن ومصر بعد زيارة أحد مخيمات اللجوء في لبنان.
تختزن الأرقام التي خلصت إليها منظمة "أوكسفام" لتوصيف وضع المرأة الراهن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الكثير من الغبن في حق النساء. وانعكس ذلك في الدراسة التي نشرت لمناسبة هذا اليوم على صعيدين: الأول العنف الجسدي والتحرش والزواج المبكر، والثاني غياب/ نقص فادح في التمثيل على مختلف الأصعدة السياسية.
قبل الخوض في تجربة "الرابرز" الذين شاركوا في هذه الأغنية، التي أتاحت لهم التعبير عن قضايا توصف بالحساسة والشائكة، يفيد ذكر بعض الوقائع التي وردت في الدراسة عن النساء، لفهم الواقع الذي يواجهنه.
بحسب الدراسة، تشكل النساء والأطفال 75% من اللاجئين السوريين في المنطقة. وفي لبنان مثلاً تسهم حالة الاكتظاظ ونقص الخدمات في ازدياد العنف على أساس جندري، بينما 28% من اللاجئات في الأردن هربن بسبب العنف على أساس جندري، وعدن واشتكين من ازدياد عنف أزواجهن بعد الوصول إلى الأردن. أما الفتيات الأيزيديات في العراق بين الثامنة والـ35 من العمر، فجرى بيع العديد منهن بأسعار تختلف بحسب أعمارهن. تضيف الدراسة أن من بين 105 نساء هربن من قبضة "داعش" هناك 66 منهن تعرضن لاغتصاب عنيف.
في ما يخص الزواج المبكر، في اليمن مثلاً سجل زواج 33.3% من النساء تحت سن الثامنة عشرة، بين عامي 2011 و2013، و19% في فلسطين المحتلة، و17% في العراق. أما بين اللاجئين فارتفعت النسبة في مخيمات الأردن من 12% عام 2011، إلى 18% عام 2012 ثم 25% عام 2013. أما في لبنان، فهنالك 23% من اللاجئات يتم تزويجهن تحت سن الثامنة عشرة.
وتحذر الدراسة من أن العالم يتجه إلى تزويج نحو 140 مليون فتاة تحت سن الـ18 بحلول عام 2020، و50 مليوناً من بينهن تحت سن الـ15. كما تحذر من ازدياد حالات تهديد المدافعين عن حقوق الإنسان سواء بالقتل أو الخطف أو الاعتقال التعسفي.
وفي سياق متصل، تغيب النساء عن التمثيل السياسي، فثمة 18% فقط منهن في البرلمانات العربية، وهناك نسبة تراوح بين 4 و6% في حقائب وزارية "ناعمة".
كل هذه الوقائع، كان الرابرز ميام وأماني وميرا وكريس وكريم على دراية بها، لكن الاحتكاك بالنساء كشف لهم عن وجه آخر غيّر مسار ما كتبوه قبل زيارة المخيم، ليحمل جواً من الطاقة التي تملكها الكثير من النساء، ويحاربن بها من أجل الصمود في المخيمات التي تهدد وجودهن على مختلف الأصعدة.
"امرأة حرة" كان عنوان الأغنية، وفيها "وسط المخيمات.. الستات بألف دولة مش أملاك تمتلكها.. ولا فريسة تفترسها". ليأتي صوت آخر يقول "عطيني شي منطق بيحكي إنو المرأة آلة.. ما تقلي المرأة مستحيل تصير شي كبير مربية أطفال هي حقها بالكتير.. دعوني كي أمزق كل خيوط الشرنقة.. الأحمر يذكرني بالدماء.. دعوني كي استقل أنا ذاتية الاكتفاء...".
لا يمكن الكتابة عادة عن أغنية راب، فكلماتها تكون خير تعبير عنها. لكن الأغنية لم تكن الوحيدة التي تعكس رسالة هذه القوة الكامنة في كل امرأة، والمكبوتة بفعل عقود طويلة من الجهل والكبت وخوف الرجال، النساء/ الرابرز المشاركات كن بطلات بدورهن. لقد كن خير دليل على أن المرأة قادرة على خرق جدار "المحظور" في مجتمع بالكاد يقبل فن الراب من الرجل، ودليل على أن المرأة يمكنها أن تنقل معاناة المرأة بشكل حيّ، يفتح المجال لتشكيل طاقة ممتدة قادرة على التغيير.
أماني يحيى واحدة من هؤلاء، عرفت كأول مغنية راب يمنية، تعرضت للكثير من التهديدات والانتقادات، التي تضاعفت بعد إصدار هذه الأغنية. وهي اليوم تعيش في السعودية.
[caption id="attachment_51382" align="alignnone" width="700"] أماني يحيى[/caption]تقول أماني لرصيف22 عن هذه التجربة: "كانت جديدة بالنسبة إلي كلياً، فهذه أول مرة أعمل فيها مع رابرز آخرين، وبحكم الواقع الصعب الذي كنت أعيشه في اليمن كنت أتخيل القضايا وأكتب عنها، لكن هذه المرة كانت التجربة واقعاً".
تروي أماني أنها كانت عضواً في مجموعة ثقافية، وهي تحب الكتابة لكنها كانت تبحث عن شيء جديد يجذب جيل الشباب، فحاولت التدرب على الراب الذي يسمح لها بالتعبير عن غضبها "من دون ملل". بعد إطلاق أول فيديو لها، بدعم من أهلها، قوبلت بموجة واسعة من الانتقادات والتهديدات، واتهمت بأنها "تشكل خطراً على المجتمع اليمني وفتياته، وتخرج عن التقاليد والعادات".
تشكو أماني من أن "غالبية الشتائم والمضايقات التي تلقتها كانت من نساء، فالمرأة المكبوتة تخاف من غيرها القادرة على التغيير وتحسدها". لكن في المقابل، ثمة من تواصل معها من الفتيات ليسألنها عن هذا العالم وكيفية الدخول إليه. وتقول: "في السعودية حيث أعيش، ثمة صعوبة بالغة في أن أقوم بأي عمل يتعلق بالموسيقى، لكن هذه التجربة أعطتني الأمل. وسأظل أنشر أغاني على الرغم من التهديد حتى يعتاد المجتمع الأمر". وتختم ضاحكة: "لن أدع من يحاربني يرتاح".
وتتفق ميرا أرشيد من الأردن مع أماني على أهمية هذه التجربة، فهي تعتبر أيضاً الوحيدة في بلادها التي تغني هذا النوع. الاختلاط بفتيات أخريات يغنين الراب فتح المجال أمامها للتفكير على مستوى أوسع. وتقول لرصيف22 إنها كانت تشعر قبل ذلك بالضغط، لكنها اكتشفت أن البلدان الأخرى أكثر ضغطاً على الرابرز. وقد مدها ذلك بطاقة إضافية لاستكمال مشروعها في الأردن، للعمل على "إيصال الراب إلى المناطق الأقل حظاً، والتي نركز فيها على تدريب الفتيات على الراب، على الرغم من الخوف الذي يواجهنه ويعوق عملنا في أحيان كثيرة".
[caption id="attachment_51384" align="alignnone" width="700"] ميرا أرشيد[/caption]تعتبر ميرا أن "الراب مساحة حرة للكلام عن أي شيء، وهو وسيلة للتنفيس"، وقد ساعدها التعرف إلى أماني خلال العمل، على التفكير بمشاريع أخرى مستقبلية تفتح أمامها مجالات أوسع.
كان لميام محمود من مصر تجربة أكثر صخباً في هذا العالم، فهي أثارت ضجة كونها مغنية راب ترتدي الحجاب في مجتمع محافظ. لكنها تحدت كل هذه العوائق، لتفتح المجال لما تعتبره "لغة غضب تتيح إيقاعاً سريعاً ومساحات شاسعة للتعبير".
[caption id="attachment_51385" align="alignnone" width="700"] ميام محمود[/caption]خلعت ميام الحجاب قبل مدة، واعتبرت ذلك خطوة ثانوية في مسار الحرية التي تتيح لها اتخاذ قرارات مستقلة. وعند سؤالها عن المضايقات التي تتعرض لها في ظل الوضع المصري الراهن، إذ إن التحرش في أعلى معدلاته وانتهاك حقوق الإنسان واعتقال الناشطين في تزايد مستمر، تؤكد أنها موجودة، لكنها لا تثنيها عن هدفها.
وتضيف: "الناس تتهمني بأنني أحرض النساء على التفكير! فيما كان الأقرباء والجيران يحاولون دائماً ثنيي عن هذا المسار ويتوهمون أنني سأمل سريعاً". وتوضح أن "المشكلة الأكبر كانت مع النساء، فعندما أسأل إحداهن عن المشكلات التي تواجهها لأساعدها في التعبير، تخاف كثيراً وتقول إنها في أحسن حال وتتهمني بالمبالغة". تستطرد ميام معلقةً: "في وقت بات الفضاء العام مغلقاً، والحقوقيون ملاحقين، أرى أن الفنانين يمكنهم لعب دور ذكي للإضاءة على هذه المشاكل".
ميام ليست الرابر الوحيدة في مصر، لكن ثمة عوائق كثيرة للتواصل مع الأخريات. فبعضهن خائفات ويعملن سراً، والبعض الآخر يتحفظن على التعاون. ومع ذلك تأمل أن يتحسن الحال، وهي تتكلم عن "نساء يلجأن إليها للكشف عن قصتهن، أو لتعلم الراب ويردن الإحساس بأنهن لسن وحدهن".
صحيح أن الطريق لا تزال طويلة أمام هذا النوع من الفن، لا سيما بالنسبة إلى المرأة، لكن النساء يشكلن نموذجاً خارجاً عن المألوف لأخريات يردن صوتاً يروي قصتهن لا أكثر، أو نموذجاً يحتذين به لكسر شرنقة الممنوعات.
في اليوم العالمي للمرأة نجحت "أوكسفام" في إيصال رسالة قوية خارجة عن نمطية الكلام عن مشاكل المرأة ومعاناتها. وقد أرفقت هذه الأغنية بتسجيل من مخيم الزعتري يتحدث عن تجارب ثلاث نساء رائدات يعملن في مجال الطب البديل، والأكل، والتجميل. وهنا تقول عليا عواضة، وهي عضو في المنظمة، إن "التقارير اعتادت إظهار المرأة كسلعة أو ضحية، لكننا أحببنا أن نحتفي هذا العام بالمرأة التي تلعب دوراً قيادياً ولو على مستوى ضيق جداً". وتضيف لرصيف22: "التجربة كانت ناجحة على صعد متنوعة، والنساء أظهرن تفاعلاً إيجابياً بعيداً تماماً عن الضعف".
وفي النهاية قد يكون خير تعبير عما تختزنه النساء اللاجئات من قوة ما جاء في ختام الأغنية "هيدي حرب وجيشي أقوى وعدوي هو الجهل... حقلب ميزان المجتمع وححلم عالأقل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 17 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت