"حقوق المرأة". قد تنتابك حالة من الهستيريا الذكورية، أو الضجر النسوي حين تقرأ هذا المصطلح. تتململ من تكراره، أو عدم أهميته، أو مدى قِدمه، أو عدم إيمانك به أصلاً. على اعتبار أن المرأة أخذت حقها كاملاً، أو أنها ليس لها حقوق، أو لها نصف حقوق. إذا تململت، اعلم أنني أقصدك في هذا المقال.
المرأة أصل الغواية، مخرجتكم من الجنة، الفتنة التي لا يفلح قوم يوليها، والتي مهما بلغت من العلم والثقافة، تلبث ناقصة عقل و دين. وما إن خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، لذلك قرارها في بيتها من أبرز سمات عفتها وطهارتها وحيائها، الحياء الذي استخدم كتهمة مطاطة توصم بفقدانه جراء كل فعل، وكأن الشيطان الذي سينزع عنها كل هذا لا يدخل البيوت.
هذا التوظيف للنصوص أعطى الحق لكل ذكر أن يرد على كل إنجاز نسوي يستحق الاحترام بـ"خليكي في المكياج ومكانك المطبخ". أما المثقف، فيحصر دورها في تربية الأبناء، ولا حاجة لعملها إلا للضرورة القصوى. من دواعي الأسف أن كثيراً من النساء ما زلن رهائن هذه النظرة الدونية لوضعهن أنفسهن في قالب محدود. والمؤسف أكثر أن المرأة مقتنعة أن هذا هو فقط دورها الطبيعي. هل تصدق أن هذه النظرة ما زالت موجودة عند شريحة عريضة، في وجود المرأة الرئيسة، والوزيرة والعالمة، ورائدة الفضاء؟
لن أتحدث هنا عن حقوق سياسية أو مدنية. فلنتحدث عن المجتمع. لماذا لا يثق المجتمع بالمرأة؟ لماذا ليس في برلمان الكويت، ونحن البلد الديمقراطي، امرأة واحدة؟ والموجودات عيّنتهن الحكومة، ولم يصلن باختيار شعبي. هذه المرأة التي لو طرحت نفسها للرأي العام، لوجد السفهاء ألف مدخل ينتقصون فيه من قيمتها: الشرف، الشكل، السن، العائلة. أتذكر هنا موقف حصل حين تكلمت في اعتصام حاشد في ساحة الإرادة، كان خطابي سياسياً متزناً وجريئاً، فقال أحدهم: "ألا يوجد فيكم رجل لتخطب امرأة بكل هؤلاء الرجال؟".
سؤال من زاوية أخرى. لماذا تخشى المرأة المشاركة السياسية، أو المشاركة في الشأن العام. أرجو أن لا تتحدث عن فشل تجارب فردية لا تتجاوز عدد أصابع يدك، أو قصر الفترة التي أخذت فيها المرأة أصلاً حقوقها السياسية. حدثني عن مجتمع لا يزال يرى وضع امرأة لصورتها في حسابها على تويتر عيباً ومساساً بشرف العائلة أو القبيلة. تخيل أنه لا يزال هناك بعض النساء لا يمكنهن الإفصاح عن آرائهن، ولا يحق لهن الظهور أو التواجد، وحتى من تتواجد، يرون في وجودها عيباً وتمرداً وانفلاتاً أخلاقياً ومزاحمة للذكور في معتركهم الخاص. ولا أدري من هو الذي افترض أن السياسة والشأن العام حكر على الذكور ويستوجبان معيار الجنس حتى تتحقق الأهلية كاملة، أوه تحكمها عواطفها نسيت! وكأن أنجيلا ميريكل أو هيلاري كلينتون، أو تاتشر أو مالالا أو أوبرا، أو ديلما روسيف أو كريستين دي كيرشنر، استثناء، لا تعرفهن؟ قد يساعدك الأخ غوغل، لكن ما دمن استثناء كما تعتقد فما الضير أن تكون ابنتك أو أختك أو زوجتك استثناء كويتياً؟ أو استثناء خليجياً؟ طيب عربياً!
بناءً على ما سبق، وكما تلاحظ كلهن شخصيات أجنبية، لذا يقفز سؤال جديد: هل هذا المجتمع الخليجي أو العربي يوفر للمرأة الظروف التي تجعل منها شخصية قيادية؟ لاحظ أن النساء أقلية ضعيفة في غالبية الندوات السياسية، لا نجد مشاركة متساوية بين المتحدثين، ولا حتى في عدد الحضور. حتى أن جملة "يوجد مكان مخصص للنساء"، أجد فيها إهانة بالغة، لماذا تخصص لي مكاناً منعزلاً؟ هل أعاني من مرض معد؟ أم أنك ستصاب بحالة هلع تسقطك أرضاً جراء الفتنة، ولن تستطيع كبح انفعالاتك؟ اعلموا يا شركاءنا في الحياة، الذكور الغيارى، أنكم تهينون أنفسكم هنا قبل كل شيء، فالثور الهائج أو الكلب المسعور وما شابههما فقط لا يستطيعان كبح انفعالاتهما، وأنت إنسان تم تمييزك بالعقل، فاستخدمه.
لِمَ يعزف ذكور هذا المجتمع عن الارتباط بامرأة قيادية، صاحبة قرار وشخصية قوية وحضور صاخب؟ قد يعجب الرجل بها، يتمنى صداقتها، لكنه لا يرتبط بها. ربما لأن حضورها قد يطغى عليه، وهذا يستفز غيرته الشرقية منها لا عليها، فهو السيد والأقوى، وهي الكائن الرقيق الأضعف. فلا ميزان متساوٍ هنا، وقد يأتيك بأطنان من الحجج الشرعية، أو هو مفلس فكرياً لا يمكنه التواصل مع ما يفوق مستواه، أو هو يراها عيباً يجب مواراته.
بالمناسبة، وحتى لا يولول البعض حول حقوق المرأة السياسية، وأنها أخذت حقها. وكأن ذلك منة وفضل وعلينا أن نكون ممتنات حامدات شاكرات للأبد، أقول والكويت نموذج ديمقراطي جيد نوعاً ما كأعور بين عميان، إن حقوق المرأة السياسية في هذا البلد، حصلت عليها المرأة بقرار سياسي وتبني السلطة لهذا الخيار، والدفع فيه تحت قبة البرلمان، الذي يهرول خلفها الآن كل رافضيها، إذ صارت واقعاً مفروضاً، وأصبحت "أخت الرجال" على غفلة، بعد أن كانوا يؤمنون بحقها منقوصاً، وما يبعث على الأسى أن تقوم هذه المرأة مجدداً بالتصويت لهؤلاء.
ملاحظة: خيار المشاركة في الشأن العام والظهور والتواجد الفعال حق لقريبتك وحدها، وعليك احترامه، وإن استنكرت فأنت هنا أمام حالتين، إما أنها عورة وعيب ولا تستحق الثقة، أو أنها ليست أخت الرجل.
ولأكون محايدة، لن أقول همسة في أذن كل امرأة، بل صرخة في أذنك عزيزتي، إذ بات الهمس موقفاً يقوم به من لا يزال يطالب على استحياء.
كم امرأة منكن كان بالإمكان أن تكون شاعرة، أديبة، رسامة، أو ناشطة، لكن استسلامها وانهزاميتها أمام مجتمع تثبط فيه عزائم النساء حرمها من ذلك؟
لنسلم أن هذا هو المجتمع، وهذه هي علاته، فأين دورك في مناهضة هذه النظرة التي تفترس حقوقك وتنتقص من مكانتك؟ هل يقنعك قولهم "المرأة أختي وأمي وزوجتي"، وأنتِ في الحقيقة في مرتبة ثانية دائماً، وفي الصفوف الخلفية، وتابعة؟ هل تعتقدين أن حقوقك المسلوبة منذ ألف سنة ستحصلين عليها على طبق من ذهب؟ هل تنتظرين الذكور أن يطالبوا عنك بحق لم تبادري أنتِ لانتزاعه؟
التغيير يحتاج إلى أدوات ومبادرة، إلى من يحرك عجلته المتوقفة، والنساء المبادرات تجارب فردية معدودة لا يهاجمها الذكور فقط بل الإناث أيضاً. أليس هذا غريباً.
معظم النساء يجعلن حقوقهن، وقبلن الصورة النمطية التي وُضعت في صندوق وحددت مساحتها بالدين والعادات والتقاليد والسيطرة الذكورية. هي لا تعرف أنها شريك حقيقي، ألم تتساءلي حين تسمعين "بقانون المرأة، لجنة المرأة" لم لا يوجد قانون ولجان للرجل مثلاً؟ ألا يشير هذا لحقوق مسلوبة منك؟ ألا يجب أن يكون القانون "للمواطن"، امرأة كان أم رجلاً؟
لعلي من أكثر الناس حباً للجمال، وأحب كأي امرأة أن أكون جميلة دائماً، لكن هل فكرت يوماً أن علو قيمتك في ثقافتك وشخصيتك وطموحك، وليس بعلو كعب حذائك؟ ولا بقيمة المساحيق التي تحولك مزهرية ملونة جميلة جداً من الخارج، وداخلها "خواء"؟
عزيزتي، أنتِ جديرة، فلا تؤمني بالدور الواحد. أنتِ ابنة وأخت وأم وزوجة، وامرأة عاملة وناشطة، ومتطوعة ومحبة للفن. للحياة أبواب كثيرة، اطرقيها جميعهاً، ارفعي من مستوى خطابك السياسي، لا تسايري المجتمع، لا تتسولي حقك، انتزعيه، حطمي القالب الذي صنعوه لك، ليكن صوتك أعلى، مشاركتك أكبر. تقدمي، بادري، اخلقي واقعاً جديداً.
أدعوكِ للعصيان، تمردي على كل ما يحطم جناحيك، لست وراء كل عظيم، تقدمي لتكوني إلى جانبه. واعلمي أنك بيدك تصنعين سقفك، قد يكسر رقبتك، وقد يكون السماء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...