شهدت المنطقة العربية تقلبات سياسية واجتماعية كبيرة خلال السنوات الأخيرة. أطيح بأنظمة، نُظّمت إنتخابات وبدأ السياسيون يكتبون الدساتير وصفحات جديدة من التاريخ. ولكن، ما الذي تغيّر فعلاً في هذه المجتمعات؟ هل اختلفت العادات الاجتماعية أو تغيرت الاعتقادات الدينية؟
حاول معهد الأبحاث الاجتماعية في جامعة ميشيغان Michigan، بالتعاون مع مؤسسات أخرى، أن يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها. فأجرىدراسة كانت تونس، مهد الثورات، في صلبها، إلا أنها تناولت سبع دول أخرى ذات أغلبية مسلمة (تونس، مصر، العراق، لبنان، باكستان، المملكة العربية السعودية وتركيا)، وهي دول تعكس الوضع العربي، من أكثره تحفظاً إلى الأكثر تحرراً.
تناولت الدراسة عدداً كبيراً من المواضيع الاجتماعية والسياسية، غير أن الوسئل الإعلامية العربية سلّطت بغالبيتها على الجانب المتعلق بلباس المرأة.
في الأربعينيات وحتى السبعينيات، شكل أسلوب لباس النساء (والرجال) دليلاً واضحاً عن الحداثة من وجهة نظر قادة الفكر والجمهور المثقف. وتعامل أتباع الاسلام السياسي والأصولية الإسلامية بالإضافة إلى الذين لم يتّبعوا إيديولوجية راديكالية، لكنهم حافظوا على هويتهم الإسلامية، بطرق مختلفة، مع هذه النظرية، إذ كان ارتداء النساء للحجاب اعترافاً بهذه الهوية. وظلّ هناك اختلافات عدة بين الدول العربية في ما يتعلق بلباس النساء في الأماكن العامة. عالجت الدراسة مسألة لباس النساء من ناحية التفضيل البصري. فأعطي كل فرد بطاقة تكشف 6 "أساليب لتغطية الرأس" من البرقع إلى النقاب مروراً بالحجاب الأقل تحفظاً وصولاً إلى غياب أي شيء على الرأس.
أظهرت الدراسة أن الأغلبية في هذه الدول تفضّل أن تغطي المرأة شعرها من دون أن تغطي وجهها كلياً. ولا عجب أن نجد أن واحداً على أربعة من الأشخاص في لبنان وتركيا يجدون أنه من اللائق ألا تغطي النساء رؤوسهن أبداً. فلطالما كان لبنان (49٪ من دون حجاب) رمز التحرر بين الدول العربية في حين أن تركيا (32٪) تسعى إلى اعتماد إسلام معتدل، وهي التي ما زالت تتجه بأنظارها لدخول الاتحاد الأوروبي.
أما الملفت في هذه الدراسة فهو نسبة الذين يفضلون الحجاب في تونس ومصر في أعقاب الثورات التي طالت البلدين. قد يكون الأمر منطقياً في مصر التي يُعرف مجتمعها بالمحافظ وحيث بدأ عدد النساء المتحجبات يرتفع منذ سنوات قبل الثورة. لكن الأرقام في تونس تدعو للتوقف عندها. يبدو أن عدد المحجبات تزايد بعد الإطاحة بنظام بن علي. ويعزى السبب إلى أن السلطات الانتقالية ألغت المنشور 108 الذي صدر عام 1981 والذي يمنع "الزيّ الطائفي" داخل المؤسسات التابعة للدولة.
اعتُبر هذا الإلغاء نهاية لمحنة المتحجبات وتصالحاً مع هوية تونس العربية الإسلامية. أدى ذلك إلى ازدهار تجارة الحجاب وظهور متحجبات على شاشات التلفزيون للمرة الأولى مما أثار خوف شريحة من التونسيين، لاسيما في أوساط العلمانيين، الذين تخوّفوا من أن انتشار الحجاب قد يهدد الحق في عدم التحجب.
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل لا يزال منطقياً اعتبار البعض أن ارتداء الحجاب يحمي المرأة، لا سيّما نظراً لما تتعرض له النساء في دولٍ عربية عدة ومن أهمها مصر؟ ألم يحن الوقت لأن تصبح المرأة سيدة قرارها في ما يتعلق بلباسها؟
هو أمر يوافق عليه عدد كبير من الأشخاص الذين طالتهم الدراسة، فعلى الرغم من أن معظمهم يفضل اللباس المتحفظ للنساء، إلا أن كثيرين يعتبرون أن القرار يعود لها. قد لا يشكل هذا الاعتقاد السائد في تونس ( 56٪) وتركيا (52٪) ولبنان (49٪) مفاجأة لاسيما أن هذه المجتمعات أكثر انفتاحاً، إلا أن النسبة ذاتها تقريباً (47٪) في المملكة العربية السعودية تعتبر أن المرأة يجب أن تتمتع بحرية اختيار ملابسها مع واقعٍ مغاير تماماً، فالتشدّد الديني ما زال يقف بوجه التغيير الذي يصبو إليه الكثير من السعوديين.
تناولت الدراسة جانباً آخر يؤرق النساء. لطالما شكل تعدد الزوجات نقطة حساسة في التلاقي الثقافي بين الغرب والإسلام. فعلى الرغم من أن الإسلام سمح بتعدّد الزوجات شرط أن يعدل الرجل، تراجعت هذه العادة بشكل كبير في دول الشرق الأوسط خلال العقد الماضي. حتى أن أغلبية الأفراد لا يؤيدونها: 70٪ من المصريين، 52٪ من العراقيين و71٪ من اللبنانيين، و51٪ من السعوديين، و81٪ من التونسيين، و93٪ من الأتراك.
بعض الدول تمنع تعدد الزوجات، على غرار تونس، مما يعكس النسبة المرتفعة المعارضة لهذه الظاهرة، خلافاً لما يحدث في المملكة العربية السعودية حيث يبدو أن وزراة الإسكان وجدت، مؤخراً، محفزاً لتعدد الزوجات بشكلٍ غير معلن! بات ممكناً تسجيل ملاحظة تتعلق بعدد الزوجات ضمن البوابة الإلكترونية الخاصة بالإسكان، ويستحق المواطن المتعدد الزوجات (زوجتان أو أكثر) الإسكان أكثر من غيره. أثار ذلكجدلاً واسعاً على تويتر وحمل وزارة الإسكان على نفي الخبر.
على خلاف المعارضة الشديدة لتعدد الزوجات، جاءت نسبة الذين يعارضون مقولة "يجب على الزوجة أن تطيع زوجها" أدنى بكثير. يعارض 5٪ من المصريين و11٪ من العراقيين و8٪ من الباكستانيين فقط هذا الكلام. حتى في لبنان، البلد الذي يعتبر الأكثر تحرراً في المنطقة العربية، تريد الأغلبية المحافظة على سلطة الرجل في العائلة "رجّال البيت". أما السعوديون (21٪)، فهم أقل تحفظاً حول هذا الموضوع من المصريين والعراقيين والباكستانيين.
لا شك أن نتائج الدراسة تعكس واقع الحال في مجتمعاتنا العربية: هي ما زالت مجتمعات ذكورية بامتياز حيث سلطة الأب أو الأخ أو العمّ هي السائدة وتبقى الكلمة الأخيرة بين أيدي الرجال. طبعاً وتيرة هذا الواقع تختلف من بلد الى آخر ومن مدينة الى أخرى ومن قرية الى أخرى وحتى من عائلة الى عائلة أخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون