شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بالصور: ما تبقّى من المعابد اليهودية في لبنان

بالصور: ما تبقّى من المعابد اليهودية في لبنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 2 أغسطس 201703:06 م

احتضنت بيروت وبحمدون وعاليه ودير القمر وصيدا وطرابلس، بالإضافة إلى مناطق لبنانية أخرى دور عبادة يهودية على مرّ التاريخ.

خصصت هذه الدور للطائفة اليهوديةالتي قدّمت الكثير لبلاد الأرز، رغم كونها الأقل انتشاراً مقارنةً بالطوائف الـ18 الموجودة في لبنان. إذ يرجّح أن عدد اليهود في لبنان لم يتجاوز الـ20,000 أو حتى الـ15,000.

اليوم يسعى القلة التي بقيت في البلاد من أتباع هذه الديانة إلى إثبات وجودهم. ويصعب بسبب الغموض الذي يحيط بهم، التكهن بأعدادهم الحقيقية. لكن يعتقد البعض أن عددهم يراوح بين 12 شخصاً و12 عائلة، مع احتساب العائلات المختلطة.

تعتقد المؤرخة كرستن شولتزي Kirsten Schulze، وهي أستاذة مساعدة في كلية لندن للاقتصاد، أن وجود اليهود في لبنان يعود إلى العهود الإنجيلية، حين سكنت بعض الجماعات اليهودية في مناطق حول طرابلس وصيدا.

وفي مقالها "اليهود في لبنان: تاريخهم وهويتهم وذاكرتهم"، الذي أعيد نشره في مجلة كرونوس Chronos عام 2002، تقول شولتزي إن القدوم الأول لليهود إلى لبنان كان عام 1710، حينما هرب يهود الأندلس من محاكم التفتيش الإسبانية ليلجأوا إلى جبل الشوف، وتحديداً دير القمر التي غادروها جزئياً عام 1860، إثر اندلاع مواجهات بين الدروز والمسيحيين. وعام 1848 وفدت بعض العائلات اليهودية الدمشقية إلى جبل الشوف تجنباً للعنف المتزايد تجاههم.

تقول شولتزي: "في تلك الحقبة انقسم المجتمع اليهودي في لبنان إلى ثلاث مجموعات صغيرة. فالمجموعة الأولى التي شكل المغاربة غالبيتها، سكنت في المناطق الجنوبية من لبنان وصيدا بين 1850 و1860.

المجموعة الثانية سكنت منطقة حاصبيا على سفح جبل حرمون. أما المجموعة الثالثة والأهم، فاستقرّت في بيروت لتوفر فرص العمل والنمو الاقتصادي في هذه المدينة الساحلية".

واستطاعت المؤرخة شولتزي تحديد ثلاث فئات من اليهود في بيروت: "اليهود اللبنانيون المستعربون، والأشكيناز، ومجموعة صغيرة من اليهود الإسبان الذين يتكلمون الإسبانية اليهودية. وتحظى هذه المجموعات بدور عبادةٍ خاصةٍ بها، كما أنّها تمارس تقاليدها بشكلٍ مختلف، ويمكن لمس هذا التنوع عبر انتشار دور العبادة اليهودية في وادي أبو جميل، وهو الحيٌ يهودي في بيروت.

ومن هنا بالتحديد، من وادي أبوجميل، يحاول هذا المجتمع اليوم النهوض من جديد، وقد وضعت تحت أضواء الإعلام عندما تم تجديد كنيس ماغين أبراهام.

كنيس ماغين أبراهام في وادي أبو جميل

يعتبر وادي أبو جميل الحي الأكثر أمناً في بيروت لمجاورته للسرايا الكبير، مركز رئاسة الوزراء اللبنانية، بالإضافة إلى مكاتب السياسيين اللبنانيين. لم يتبق من الحي اليهودي القديم سوى كنيس "ماغين أبراهام"، أما محيطه فهو عبارة عن مواقع بناء، إذ تم تدمير كل شيء.

وافق جاك حلّاق مشاركة مقطعٍ من مقاله "وادي ما بعد الموت" مع رصيفــ22. تم كتابة هذا المقال عام 2012، لجمعية التراث والثقافة اليهودية في لبنان. يأخذك المقال في نزهةٍ في أزقة الحي الذي كان يعج بالحياة.

"في وادي أبو جميل تستطيع أن تشتمّ تشكيلة واسعة من الروائح، ابتداءً من أجملها وصولاً إلى أشنعها. وكان انبعاث تلك الأخيرة نتيجة عدّة عوامل، منها قلّة قنوات الصرف الصحي، والربط الخاطئ بها، بالإضافة إلى الحالة المتردية لنظام التخلص من المجارير، والجمع غير المنتظم للنفايات والقمامة، والعادات السيئة للسكان الذين يرمون الأوراق المستعملة وقشور الفول السوداني على الطريق (...) ولكن لحسن الحظ تعبق بعض الروائح العطرة في هذا الشارع، منها الروائح الطبيعية للأزهار والفاكهة، والروائح المنبعثة من المطابخ وأفران الخبز، ومتاجر الحلويات، بالإضافة إلى الروائح الأخرى التي تنبعث من الطعام الذي تعدّه العائلات، وهذا ما يضفي على الحياة اليومية لسكان وادي أبو جميل منبهات على اختلاف أنواعها. تؤدي هذه الروائح وظيفة المعلن عن المناسبات لدى هذا المجتمع، ففي كل يوم جمعة عند الظهيرة تنبعث روائح الرز بالحامض في أزقة الوادي. أما أيام الآحاد ساعة الظهيرة، فتسود روائح الشواء، وأيام الأربعاء تنبعث روائح الغسيل. وفي الأسابيع التي تسبق عيد الفصح تنبعث روائع الكلس والطلاء من الشقق، وفي أوائل شهر سبتمبر تنبعث روائح البندورة التي تستعمل لإعداد الصلصات، بالإضافة إلى روائح الزهر والياسمين، التي تنتج عن عملية تحضير العطور، بفضل النظام الحرفي القائم على التقطير بالأنبيق المستأجر من أحد الحرفيين".

بداية الانتكاسة

بعد قراءة ثلاثين صفحة من المقال تتغير اللهجة. فقد مرّت الحرب العربية الإسرائيلية، التي اندلعت عام 1948 من هذا المكان. يقول الكاتب:

"من الأفضل العيش مع الذكريات الجميلة (...) ومن الأفضل إخبار القصص التي نتذكر منها الجزء الآمن فقط (...) كما من الأفضل التحدث عن الولاء للبنان الذي عرفناه، إلّا أن ذلك اللبنان ليس موجوداً اليوم، فقد اختفى منذ عقود".

بعد حرب عام 1948 لم يعد وادي أبو جميل ذلك المكان الذي يحتفل بالأعياد والطقوس التي كانت تحدد مواسم السنة (...) اختفت الحركة. هل يمكن اعتبار ذلك ردة فعل دفاعية نفسية؟ أو رغبة في التواري قدر الإمكان عن الأنظار؟ ربما ذلك. غير أنه تم استحداث قواعد جديدة غير مكتوبة أيضاً كالقمع ومنع جميع الأنشطة الشبابية، التي من المرجح أن تثير شكوك الذين لا ينتمون للديانة اليهودية، وغيرها من الفعاليات التي من المحتمل أن تعامل على أنها أنشطة "صهيونية" أو تجسسية لحساب العدو. فالوادي بقي هو الوادي بكل بساطة: "ابحثوا في جميع أنحاء الوادي أيها الناس، فلا يوجد شيء لتروه!".

ومع ذلك، وفقاً لكيرستن شولتزي، خلال هذه الفترة ارتفع عدد اليهود في لبنان ليصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف، أي نحو 14000 عضو.

وقد أحضرت الحرب العربية الإسرائيلية معها إلى لبنان حصتها من اللاجئين السوريين والعراقيين. بالنسبة إلى المؤرخة، بدأ المجتمع اليهودي بالفرار بعد عام 1958 خصوصاً بعد حرب الستة أيام عام 1967.

ثم في 1970 و1971 و1972، ليس لأنهم كانوا مستهدفين مباشرة، ولكن لم يكن أمامهم سوى الفرار من حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

غادر الشباب من البلاد بحثاً عن فرص عمل أفضل في أماكن أخرى. وفي منتصف الثمانينيات، أصبح اليهود أعداء لبنان في نظر الكثير من المسلمين. فاضطروا إلى مغادرة الحي اليهودي، إذ إن الحياة كمجتمع لم تعد موجودة.

المجتمع اليهودي عام 2016

كل هذا واقع يرغب الرئيس الحالي للمجتمع اليهودي إسحق أرازي بتغييره. لم يكن من الممكن الاتصال به في الأشهر الأخيرة، وقد حاول دائماً أن يبقى بعيداً من الإعلام، ليتجنب خلق موجات من المعمعة.

ولطالما كان يطلب من الصحافيين عدم نشر أي مقالات عن اليهود في لبنان خلال فترة الثورات العربية. لكن في المقابل كان يجيب عن بعض الأسئلة المتعلقة بماغين أبراهام، الكنيس الذي بني بين عامي 1920 و1926 تعرض للنهب خلال الحرب الأهلية في الثمانينيات، بينما اختطف عدد من شخصيات الطائفة البارزين أو قتلوا.

"يندثر المجتمع اليهودي في لبنان بشكل تدريجي، وكان لا بد لنا من القيام بتحرك ما أو الاستسلام" يقول أرازي في 2011، ويضيف: "عملية إعادة ترميم الكنيس اليهودي في لبنان بمثابة فخر للمجتمع اليهودي ومحاولة للتأكيد على وجودهم في لبنان". ولا شك أن هذا الكنيس سيتم استخدامه.

"لو أردنا أن ننشئ متحفاً، كنا سلمناه للدولة. ما نريده هو أن يعود هذا الكنيس إلى طبيعته أي أن يصبح مكاناً للعبادة مرة أخرى". ولكن تم تأجيل افتتاح الكنيس مرات كثيرة منذ عام 2011، وهذا يعتبر دليلاً على مدى صعوبة المهمة التي كُلّف بها إسحاق أرازي.

ومثلما يبدو من الصعب حتى الآن تحديد تاريخ لافتتاح المعبد، فإن عملية ترميمه لم تكن بحد ذاتها أمراً سهلاً. "عندما بدأنا هذا المشروع كانت ردود الفعل قاسية جداً" يقول أرازي. "لم نتمكن من إقناع الجميع على الفور ولكن عندما لاحظت الجهات المانحة التي تنتمي لطوائف مختلفة مدى جديتنا قدمت لنا مساعدتها".

كان التمويل كله من جهات لبنانية كي تتجنب الطائفة أي نوع من الجدل والمساءلات. ويعتقد أرازي أن "من أهم الأسباب التي دفعت الجهات المانحة إلى المشاركة في تجديد الكنيس هو الحنين للبنان القديم. هي تعول على إعادة إعمار الكنيس من أجل إعادة لبنان كما كان سابقاً".

استعاد كنيس ماغين أبراهام مجده السابق، في انتظار أن يفعل لبنان ذلك أيضاً. وقد أراد القائمون على عملية الترميم الحفاظ على كل الأمور كما كانت، كالألواح والسجاد والثريات وغيرها. هل تتمكن الطائفة اليهودية من استعادة بعض من مكانتها ووهجها في لبنان يوماً ما؟ بالتأكيد يجب أن نترك الأمور تأخذ وقتها. يختم إسحق أرازي كلامه: "نحن نحاول تعريف اللبنانيين إلى مجتمعنا، لكن لا يزال الكثيرون يُدهشون عندما ينظرون إلينا ويجدون أننا أشخاص طبيعيون".

الكُنس الأخرى

وإن كان لا يوجد في طرابلس كنيس منذ عام 1920، إذ تحول الكنيس إلى مصبغة بحسب ناجي زيدان، الذي يعدّ كتاباً عن الطائفة اليهودية في لبنان، فكنيس دير القمر، الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، يشكل اليوم مينى المعهد الفرنسي.

أما في صيدا، وتحديداً في أسواقها القديمة، فتم بناء الكنيس عام 833 من قبل أصدقاء المجتمع اليهودي في صيدا.

توقفت الصلاة فيه عام 1980 مع غزو الجيش الإسرائيلي ومغادرة العائلات اليهودية هذه المدينة. اليوم تسكن عائلات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الكنيس، ولكن في المستقبل من الممكن إعادة تأهيله من دون أن يكون مكاناً للعبادة.

الكنيس في عاليه

لا يزال الكنيس الذي بناه عام 1895 عزرا انزاروت في عاليه قائماً، بحسب ناجي زيدان.

الكنيس في بحمدون

أما في بحمدون فتم الحفاظ على الكنيس الذي يعود تاريخه للنصف الاول من القرن العشرين، وقد أغلقت أبوابه عام 1976 مع دخول الجيش السوري إلى المنطقة.

الكنيس في صيدا


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image