"درب اليهود" هو أحد أهم الأحياء في مدينة تلمسان التي تقع على الحدود الجزائرية المغربية. لم يكن اختيار هذا الاسم عشوائياً، بل هو ناتج من واقع كان في يوم ما حقيقةً معيوشة، يتجاهلها أغلب الجزائريين الذين يتناسون أو لا يعلمون أن أحد أهم الحاخامات اليهود مدفون على أرضهم.
"قدس شمال أفريقيا"
وغير بعيد من "درب اليهود"، وفي الجهة الشرقية من مدينة تلمسان، وبالتحديد في حي قباسة، يقع كنيس يهودي يحيط به سور عال لا يمكن تجاوزه إلا عبر باب حديدي كبير. وداخل السور، بستان فيه أشجار مثمرة تظهر، لضخامتها، من وراء السور.
وتسكن داخل البستان عائلة. وقالت الدليلة السياحية شاوي بودغن لرصيف22: "هي عائلة عربية مسلمة ورب العائلة هو حارس المقبرة والضريح".
وبالقرب من الكنيس، تقع مقبرة لها أيضاً باب حديدي تظهر عليه نجمة داود. والقبور هناك حُفرت عليها كتابات باللغة العبرية وتحمل أسماء المدفونين فيها. وبجوارها عين ماء يعتبر اليهود ماءها مقدساً.
ولكن الأثر الأهم من هذا كله هو ضريح الحاخام أفراييم ألانكاوه، الذي يُعدّ أحد أهم الحاخامات اليهود. علماً أن الدخول إلى المكان ممنوع من دون موافقة مسبقة يعطيها والي تلمسان.
أفراييم ألانكاوه
ولد الحاخام أفراييم ألانكاوه عام 1359 في إسبانيا، وهرب منها مع عدد من اليهود بسبب محاكم التفتيش المسيحية التي خيّرتهم بين الدخول إلى المسيحية والقتل. حُرق أبوه حياً ولكن أفراييم تمكّن من الهرب وكانت وجهته الجزائر. وعام 1442 توفي في مدينة تلمسان ودفن فيها.
"أفراييم ألانكاوه هو شخصية يهودية متصوفة مهمة ومتمكن من تعاليم الدين اليهودي. كان فيلسوفاً وطبيباً ماهراً"، قال الباحث عطار أحمد لرصيف22، مضيفاً أن "هذا الحاخام دخل تلمسان عن طريق المدينة الساحلية هنين وكان هذا في يوم سبت، واستقر في أكادير مع الجالية اليهودية التي وصلت معه. ويقال إنه رأى في حلمه أن أسداً هاجمه وإنه امتطاه مستعملاً الثعبان كلجام ودخل تلمسان على ظهره".
وروى أحمد أن حاكم تلمسان في ذلك الوقت كان السلطان لكحل أحمد المنصور وكانت له ابنة بها مرض مستعصٍ لم يتمكن الأطباء من شفائها منه، ولكن الحاخام أفراييم استطاع علاجها فكافأه السلطان بمنحه حياً ليسكن فيه مع الجالية اليهودية التي كانت متشردة قرب قصره. وهذا الحيّ هو الذي صار اسمه "درب اليهود".
وجود قبر أفراييم ألانكاوه في تلمسان أدى إلى اعتبار اليهود أنها "قدس شمال أفريقيا". كان الضريح قبلة للحجاج اليهود الذين كانوا يحجون إليه في شهر مايو من كل سنة. ولكن الجزائر منعت هذا الحج فور استقلالها عن الاستعمار الفرنسي.
العودة إلى الحج في تلمسان
بعد الاستقلال، حُرم اليهود من الحج إلى أكثر مناطق شمال أفريقيا قداسة بالنسبة إليهم. ولكن عام 2003، في عهد الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، تم تفعيل مخطط، بالاتفاق بين السلطتين الفرنسية والجزائرية، يقضي برد الاعتبار إلى المعابد والمقابر اليهودية القائمة في الجزائر.
وفي سنة 2006، صادق البرلمان الجزائري على قانون حرية الديانات الذي قاد إلى اعتماد جمعية دينية يهودية رسمية في الجزائر.
وقد سمحت السلطات الجزائرية، عام 2005، استجابةً لطلب من فرنسا، بفتح موسم الحج لوفود يهودية أوروبية، فأتوا إلى الجزائر مع وفود يهودية من سكان شمال أفريقيا لزيارة عدد من المواقع التاريخية والدينية والحج إلى قبر أفراييم ألانكاوه.
ولكن هذه الزيارة كانت آخر زيارة علنية لهم. إذ أوقفت الجزائر القرار بعد الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2006. علماً أن سكان مدينة تلمسان امتعضوا مما حصل وخرجوا في مسيرات حاشدة رافضين تكرار الأمر مجدداً وهدّدوا بحرق أملاك اليهود المتبقية في المدينة.
ضمّت تلك الزيارة أكبر وفد سياحي يهودي يزور الجزائر المستقلة. وتمكن خلالها اليهود من أداء شعائرهم في حي قباسة داخل المعبد واستمرت زيارتهم ثمانية أيام احتفلوا فيها بطقوسهم أمام ضريح الحاخام أفراييم ألانكاوه، فطافوا حوله ورشّوه بالماء والملح.
وروى الأستاذ السابق في كلية الآداب بلبشير جلول لرصيف22: "كنت من بين الحاضرين لطقوس الهيلولة مع الوفد التلمساني المرافق. ومشى اليهود من القبور إلى نهاية المعبد وهم يرددون بكلمات من كتابهم المقدس".
الزيارات مستمرة
وقالت شاوي بودغن لرصيف22: "يأتي في كل مرة عدد من اليهود لزيارة الجزائر، وزيارة ممتلكاتهم فيها. عملت دليلة سياحة مع قافلة من اليهود السياح سنة 2011، وقد زاروا عدداً من الأماكن التي تحمل نجمة داود هنا في تلمسان".
وتابعت: "لكنّهم لم يتمكنوا من زيارة ضريح أفرايم ألانكاوه لأن زيارتهم تزامنت مع سنة إعلان تلمسان عاصمةً للثقافة الإسلامية ولم يكن والي الولاية موجوداً من أجل منحهم التصريح المطلوب للدخول".
وأضافت: "خلال الزيارة، كان عدد كبير منهم يقول آه هذا كان منزلي في وقت ما، وآخر يقول هذا كان دكان أبي".
في الجزائر، ممثلو الجالية اليهودية أنفسهم غير متحمسين لإعادة فتح معابدهم خوفاً من تعرضها لاعتداءات المتشددين
في يوليو 2014، أعرب وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى عن نيته إعادة فتح المعابد اليهودية المغلقة. وأمام اعتراضات السلفيين الذين اعتبروا القرار استفزازاً لمشاعر الجزائريين، أكّد الوزير أن الدستور الجزائري يكفل حرية المعتقد، وأن السلطات ستوفر الحماية الأمنية اللازمة لهذه الأماكن. ولكنه عاد وقال إنه ليس لديه جدول محدد لإعادة فتح هذه المعابد، لافتاً إلى أن ممثلي الجالية اليهودية أنفسهم غير متحمسين لإعادة فتح معابدهم خوفاً من تعرضها لاعتداءات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم