يُصوّر لنا أن يهود العالم العربي يعيشون في بلاد تمنعهم من الوجود، لا سيما هذه الأيام، في ظلّ تفاقم حالة الحقد على إسرائيل ويهودها، صورتان لا يُفرّق بينهما في مختلف الأحيان. لكن في بحثٍ معمّق عن وضع اليهود في البلاد العربية، وعن حرية ممارستهم طقوسهم الدينية، تطوف على سطح المياه بعض معلومات تظهر احترام بعض أطياف المجتمعات العربية لعروبة اليهود القاطنين في المنطقة. هذا لا يعني طبعاً أن مياه اليهود لا تُعكر في بحار العرب، وأن وجودهم وحقهم في ممارسة طقوسهم الدينية ليسا موضوعاً حساساً يلفّه الغموض والسرية. أفضل طريقة لفهم نظرة كل ثقافة عربية لعروبة اليهود الماكثين فيها، هي بعرض حالة المعابد اليهودية العربية التي تفتح أبوابها للمؤمنين للصلاة أم للزيارة، وتلك التي تعيش في ظلامٍ مشؤوم.
مصر
منذ بضعة أعوام قررت الحكومة المصرية تمويل ترميم المعابد اليهودية الـ11 في مصر، انطلاقاً من كون المواقع اليهودية جزءاً من ثقافة مصر تماماً كالمساجد والكنائس. أتى ذلك الإعلان بعد أيام قليلة من حفل تكريس كنيس بن ميمون بحضور عائلات يهودية من أصلٍ مصري من داخل البلاد وأوروبا والولايات المتحدة. أعطت تلك الخطوة الأمل ليهود مصر بإعادة ممارسة طقوسهم بحرية أكبر، ولكن عاد الغموض ليلفّ الموضوع، إذ لم تتطرق وسائل الإعلام له بصورة واضحة مجدداً.
كنيس بن عزرا - القاهرة
إنه أحد أقدم المعابد المتبقية في مصر والأكثر زيارة في القاهرة. كان في الأصل موقعاً لكنيسة مسيحية مدمرة تعود للقرن الرابع، اضطرّ الأقباط المصريون إلى بيعها إلى أبرهام بن عزرا بقيمة 20000 دينار في العام 882 ليتمكنوا من تسديد الضرائب التي كانت مفروضة آنذاك من قِبل الحكام المسلمين. كان المعبد بمثابة مكان للحج لليهود الآتين من شمال أفريقيا، ولإقامة الاحتفالات، وشهد عدداً من الترميمات على مرّ القرون. تم اكتشاف الآلاف من الوثائق التي تعود إلى القرون الوسطى خلال إعادة إعماره، بعد أن تهدم آخر مرة في العام 1967، نتيجة هجوم إسرائيلي. تقول الأساطير إن تلك النقطة بالذات هي الموقع الذي تم فيه إنقاذ موسى من النيل، مع العلم أن النيل يقع أكثر جهة الغرب. هندسة الكنيس تجمع بين الأساليب القبطية المسيحية والعثمانية، ومنصة التورات فيه مصنوعة من أوراق الذهب والرخام المحفور، وتعتبر تحفة نادرة من الفن اليهودي.
كنيس عدلي - القاهرة
كنيس شعار هاشامايم المعروف بكنيس شارع عدلي، والملقّب ببوابة السماء، هو أحد أهم الكنوز اليهودية في مصر، وتم إعماره في العام 1905 يوم لجأ اليهود إلى مصر طالبين الحماية. بقي المعبد سالماً رغم مرور ثلاث حروب، ويتم زيارته للمعالم الجميلة التي يتضمنها، كزخرفة الزهور في الخارج، ومصابيحه الرائعة في الداخل، التي يشاع أنها من إمضاء متجر Tiffany’s. يشهد المقيمون في القاهرة على أن الصلوات ما زالت تمارس في كنيس عدلي، ولكن يستحيل على المصريين دخوله بهدف الزيارة.
كنيس النبي إلياهو - الاسكندرية
تناقلت الوسائل الإعلامية أن كنيس النبي إلياهو هو آخر معبدٍ لليهود يتم إقفاله في مصر، ولكن المدوّن Patrick Keddie كان له تجربة أخرى مع الموضوع. يخبر باتريك أن لدى وصوله إلى المعبد بهدف زيارته في العام 2013، نبّهه الحراس إلى أن المكان مقفل، ومن شدة إلحاحه طلب منه الحراس التنحي جانباً والانتظار. كان هذا كافياً لإدخال الزائر البريطاني من بابٍ خلفي، ليتمكن من التقاط صور عن ذلك المعبد الذي تعلوه أعمدة رخامية من اللون الزهري الفاتح، شرط ألا يصوّر وجوه النساء المحجبات وهن ينظفن المعبد. يقوم عدد قليل من السيّاح بزيارة المعبد، وهي زيارة محظورة على المواطنين المصريين. ما نعرفه أيضاً عن المعبد أن قسماً من سقفه انهار جراء رياح اجتاحت الإسكندرية، وهذا ما دفع بلجنةٍ تشرف على الكنيس بالمطالبة بإقفاله ريثما يُعاد ترميم المكان الأثري الذي يعود إلى القرن التاسع عشر. الإسكندرية وحدها لا تضمّ الكثير من اليهود، ولكن خلال الأعياد والاحتفالات الدينية اليهودية، يزور يهود إسرائيل المدينة لممارسة طقوسهم الدينية في المعابد المكثفة الحراسة.
سوريا
سوريا كانت تخطط لترميم 10 معابد يهودية مع بداية الثورة في العام 2011، بدعمٍ من رئيسها وتمويلٍ من السوريين اليهود القاطنين في البلاد، على أن يبدأ المشروع بترميم الكنيس الراقي في الحي اليهودي القديم من دمشق، الذي بُني أيام العثمانيين منذ 400 عام. وفق Josh Landis مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، الأسد كان ينظر لتلك الخطوة كمحاولة لحماية العلمانية في سوريا، غير أن الحديث عن المشروع توقّف كلياً مع تفاقم الوضع في سوريا.
كنيس جوبر
إنه الكنيس الأقدم في سوريا، وقف بدوره أيضاً بين الثوار والموالين للنظام السوري، لتتم الحرب عليه ومن حوله، ولينتهي بطبيعة الحال بالانهيار. المثير في قصة ذلك الكنيس أن المعارضين كانوا يعبّرون عن خيشتهم من أن تحاول الحكومة تدميره، في حين كانت الحكومة بدورها تتهم المعارضين بمحاولة محوه من الوجود. تضاربت المعلومات في وسائل الإعلام حول ما إذا دمّر المعبد أم بقي سالماً رغم الحرب، إلى أن أكد موقع The Daily Beast خبر دماره، بنشر صور الدمار الشامل الذي لحق بالمعبد، على يد جيش النظام كما ورد في مختلف الصحف والمواقع الإخبارية.
العراق
كنيس البتاوين - بغداد
كنيس Meir Taweig هو المعبد اليهودي الوحيد الذي كان يجتمع فيه يهود العراق قبل العام 2003، النقطة الفاصلة في تاريخ العراق، في شارع اليهود في بغداد، بتاوين. وفق صحيفة الشرق الأوسط انخفض عدد اليهود تدريجياً إلى 59 شخصاً قبل سقوط نظام صدام حسين، وبعد الحرب لم يبقَ سوى 19 غادر 10 منهم بمساعدة إحدى المنظمات، ليصل العدد في نهاية المطاف إلى 6 يهود عراقيين متمسكين بثقافتهم العربية. الكنيس الوحيد الذي كان مركز الثقافة اليهودية في بغداد، تم إغلاقه لخطورة التهديدات التي كانت تلاحق اليهود في تلك المرحلة. مرحلة ما قبل صدام حسين كانت مختلفة بعض الشيء بالنسبة لسلامة اليهود، ففي مقابلة لـNPR مع آخر اليهود في بغداد عام 2003، اعترف أكبرهم أنه رغم الهجمات المعادية للصهيونية، كرّس صدام اهتماماً خاصاً بالمجتمع اليهودي في العراق، وحرص على معاقبة كل من يقوم بإيذائهم.
كنيس بغداد العظيم
ترجّح الأساطير أن أقدم كنيس في العالم قد بني في بابل، وتقول إن الملك يهوياكين الذي تم نفيه في بابل العام 597 ق.م.، أحضر معه حجارة من إسرائيل، استخدمها في بناء كنيس Shaf weYativ، كنيس بغداد العظيم. الحاخام يوسف حاييم عمل جاهداً لإضفاء المصداقية على هذه الأسطورة، وقد أحضر معه خلال زيارته إلى إسرائيل، أحجاراً حفر عليها "الحجر من أرض إسرائيل"، ووضعها عند مدخل كنيس بغداد العظيم، ليقبّلها كل من يزور المعبد للصلاة. بعد القرن التاسع عشر، هاجر يهود بابل إلى إسرائيل وسوريا ومصر وبلاد أخرى، وبنوا معابد بابلية في أهم المدن ومنها حلب ودمشق والقاهرة والإسكندرية.
تونس
عدد اليهود في تونس تراجع في السنوات الماضية بشكل كبير، وتراجع معه مرتادو المعابد، ليصبح بعضها مهجوراً بشكل كامل كما في مدينة قابس اليوم، وبعضها الأخر يقتصر على تقديم دروس توراتية لبعض العائلات اليهودية الموجودة في مناطق جرجيس جنوب البلاد وضاحية حلق الوادي شمال العاصمة تونس. رغم ذلك، تستقصب تونس الآلاف من السياح اليهود في كل عام لممارسة طقوسهم الدينية بكل حرية.
كنيس الغريبة - جربة
إنه الكنيس الأقدم في إفريقيا (عام 1900) والأكثر ترحيباً بتجمعات اليهود الآتين من أوروبا وإسرائيل. كنيس الغريبة في جربة شهيرٌ بكونه مكاناً للحج لمدة 3 أيام متتالية لآلاف اليهود، تملأها الأغاني الدينية والرقصات، والأمل بالتقارب بين المسلمين واليهود. رغم الثقافة التونسية المحايدة بشكل عام تجاه اليهود، تعرض الكنيس لاعتداء إرهابي قامت به جماعة مقربة من القاعدة في العام 2002، قضى على حياة 21 سائحاً يهودياً. أدّى ذلك إلى انخفاض عدد الزوار في الأعوام المقبلة، وبالأخص في عامي 2011 و2012، مخافة ردات الفعل إثر الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس التونسي بن علي. تدعم وزارة الشؤون الدينية في تونس الأقليات الدينية، ما دفعها لزيادة نسبة التمويل للتحضير لذلك الحدث الديني على أن يستقصب عدداً أكبر من اليهود، ليحتفلوا بمعتقداتهم بكل حرية إلى جنب المسلمين، الذين يشارك بعضهم في الحدث بكل إيمان.
كنيس تونس
يُعدّ كنيس تونس أو Grand Synagogue من شارع الحرية المعبد الوحيد الذي يتمتع بطابعٍ أثري، من هندسة Victor Valensi في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو نقطةً تجذب السياح اليهود وغيرهم لاستكشاف جمال التصميم الداخلي للمعبد، وهذا أمرٌ لم يلق إعجاب بعض المؤسسات الإسرائيلية، ما دفعها إلى اتخاذ قرار بناء نسخة من المعبد نفسه في منطقة نتانيا - إسرائيل. وقد شهدت مرحلة ما بعد الثورة تسييج المعبد وتشديد الحراسة في الشارع الذي يضم محالَّ تجارية يهودية عدة، خاصةً أن يهود المقيمين فيه يمارسون طقوسهم الدينية كاملةً ليلة الجمعة وصباح السبت.
لبنان
كنيس ماجن أبراهام - بيروت
تم ترميم كنيس ماجن أبراهام في وسط بيروت، وتداولت مختلف الوسائل الإعلامية خبراً مفاده أنه سيفتح أبوابه للصلوات أمام المجتمع اليهودي اللبناني قريباً، إلا أنه لم يحدد تاريخ افتتاحه. تلك الخطوة شكلت أملاً كبيراً لليهود القلائل القاطنين في بيروت وضواحيها، ولكن يبدو أنّ عليهم الصبر مدة طويلة قبل التمكن من زيارة المكان. في الانتظار، يخططون لنقل كنزٍ من الوثائق التاريخية عن اليهودية في لبنان إلى الكنيس الذي دمّرته الحرب اللبنانية الأهلية قبل حقبة التسعينات من القرن الماضي. لا يوجد حاخام في لبنان حتى الآن، ولذلك لن يتمكن اليهود من ممارسة طقوسهم الدينية، حتى ولو تم افتتاح الكنيس مجدداً.
كنيس صيدا
كنيس صيدا هو حالياً مسكن لعائلات من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، ولكن زيارة الحاخامين Yisroel Dovid Weiss وAlter Vaskhkal من حركة ناطوري كارتا المناهضة للصهيونية منذ ثلاثة أعوام، للكنيس ذاته وإقامة الصلوات فيه لأول مرة منذ عقودٍ طويلة، تحت تغطية إعلامية شاسعة، حملت أملاً إضافياً ليهود لبنان، لاسيما أنه يوجد مشروع لإعادة ترميم كنيس صيدا وكنيس عاليه، وهو أقدم معبد لليهود في لبنان، يعود للعام 1870.
المغرب
معابد الدار البيضاء
في نهاية القرن الماضي، كانت المغرب تضم حوالي 6000 يهودي، 5000 منهم في الدار البيضاء، وبالتحديد في حي الملاح حيث وجدت مدارس يهودية ومعابد ومطاعم تقدم مأكولات كوشير ومحال تجارية يهودية. لطالما كان وما زال اليهود ينظرون للمغرب كملجأ آمن لمجتمعهم، ويستقصب حي الملاح الشهير عدداً من السياح من جنسيات مختلفة، بالأخص من فرنسا.
أكبر معابد حي الملاح هو كنيس Beth El، وأقدمها كنيس Rabbi Pinhas، المفتوحان للزوار وللمؤمنين. يشاع أن معبد Lazama هو الأجمل في الدار البيضاء، وهو نقطة تجمع شعبية لإقامة الأعراس وحفلات الأعياد اليهودية. تضم الدار البيضاء العديد من المعابد ولكن قليلة هي التي تسمع أصداء صلواتها في الحي، وقد تجد صعوبة في التعرف عليها، لأن غالبيتها تشبه البيوت الخاصة. اليهود المغاربة ودّيون مع السياح، وبإمكان سائحٍ لطيفٍ معهم استكشاف السبت اليهودي على الطريقة المغربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه