بين اللحظة التي يخرج الأطفال فيها إلى المسرح ليغنوا أمام لجنة التحكيم، واللحظة التي يدير فيها أعضاء اللجنة وجوههم ليقبلوا بالأطفال معهم، صرخات وضحكات أهاليهم في الكواليس، أو في اللحظة التي يكسر فيها قلب طفل، وقلب أهله، إذ تبقى ظهور الحكام وكراسيهم مغلقة على نفسها، ليعود الطفل من حيث جاء. معظم الناس يعرفون حول ماذا تدور هذه المقدمة، إنها تدور حول برنامج The Voice Kids. اللحظات المشتعلة والمثيرة والعاطفية تلك، تعيد سؤالاً لا بد من طرحه في خضم برنامج يحقق مشاهدات هائلة كهذا البرنامج، هل يبالغ العرب حتى في برامجهم المستوردة من الغرب؟ وكيف تدخل كوارث العالم العربي وحروبه ونزاعاته ومآسي يومياته في البرنامج؟ خصوصاً أن الفئة المستخدمة هذه المرة هم الأطفال.
السبت 13 فبراير تبدأ الحلقة الأولى من المرحلة الثانية من برنامج The voice Kids، وهي مرحلة المواجهة، بعد أن تم إنهاء المرحلة الأولى، وهي مرحلة "الصوت وبس"، بعد ست حلقات من بدء البرنامج. تكونت المرحلة الأولى من مئة مشترك، تختار من بينهم لجنة التحكيم وهم كاظم الساهر ونانسي عجرم وتامر حسني، 45 مشتركاً، كل 15 منهم في فريق واحد من لجنة التحكيم، لينافس بهم زميليه. ويكون الاختيار من دون النظر إلى شكل المشترك، فيجلس الحكام على كراسي متجهة نحو الجمهور، وإذا أحبوا الصوت يضغطون على زر ليديروا الكرسي ويروا المشترك. أما مرحلة المواجهة المقبلة، فهي بدء تدريب الأطفال المختارين على يد لجنة التحكيم، التي يتحول دورها إلى التدريب، ليقوم كل طفلين من كل فريق بالغناء، ويختار المدرب بينهما على المسرح، ليتأهل المختار إلى المرحلة الثالثة والأخيرة.
دموعٌ وقضايا
انتبه الكثيرون إلى البرنامج في بدايته بعد أن حقق فيديو الطفلة السورية غنى أبو حمدان، أكثر من 28 مليون و37 ألف مشاهدة على قناة البرنامج على موقع Youtube. وغنى طفلة سورية أدت الأغنية الشهيرة عن الحرب والأطفال والسلام "عطونا الطفولة" لريمي بندلي، وحين ضغطت نانسي عجرم على زر القبول بكت الطفلة، وأهلها في الكواليس، وتوقفت عن الغناء ما دفع عجرم إلى الصعود على المسرح وتأدية الأغنية معها، فضغط الحكمان الآخران على الزر. انتشر الفيديو كثيرا ًوربط الموضوع فوراً بالحرب السورية، وشارك الكثير من الوسائل الإعلامية الفيديو بعنوان: "طفلة سورية تبكي وتبكي الملايين معها"، وعنوان آخر: "طفلة تتأثر بالحرب وتبكي على مسرح The voice Kids".
أثار الموضوع ضجة كبيرة، لأنه ربط بالكارثة السورية بشكل مباشر. يقول أحد السوريين: "لا بد أن غنى وأهلها قد بكوا كثيراً من قبل، في الأعوام الخمسة الأخيرة، على العديد من الأشياء، إلا أنهم في هذه اللحظة بالتحديد، كانوا يبكون فرحا".
الطفل الثاني الذي اصطحب مأساته معه إلى البرنامج هو طفل فلسطيني يدعى أيمن أمين، وهو لاجئ في مخيم برج البراجنة في بيروت. تجول الكاميرات مع الطفل في شوارع المخيم، وتصوره وهو يقول: "أريد أن أغني لأجل فلسطين، ونريد أن نعود، وأريد أن أخدم بلدي بصوتي"، ثم يصعد على المسرح ليغني أغنية فلسطينية "هدي يا بحر" عن العودة. احتمل الأمر أيضاً وجهين من التعليق على صفحات التواصل الاجتماعي، الأول: "يربى أطفال المخيم على حب فلسطين". فأشاد أصحاب هذا الرأي ببطولة الطفل وحبه للأرض. والتعليق الثاني من أصحاب المذهب الواقعي: "ألم يمل العرب استخدام فلسطين بهذه الطريقة؟".
نوع آخر من المبالغات وجد طريقه إلى البرنامج، فالطفلة التي أبكت نانسي عجرم وأدت إلى انسحابها من البرنامج أصبحت حديث معظم وسائل الإعلام، وتمت مشاركة الفيديو بعناوين مختلفة مثيرة، تدعو المتصفح إلى الضغط على الرابط والمتابعة: "سر بكاء نانسي عجرم في The voice kids". والحقيقة أن طفلة صغيرة تدعى سيلين لم تكن مؤهلة كفاية، فلم يقبل أحد بها من الحكام بفريقه، وعندما رأتها نانسي عجرم ذكرتها بطفلتها، فبكت وطلبت إعادة التصوير.
جانب آخر وبعض الثرثرات
عمل علاء، وهو شاب سوري، في البرنامج الصيف الماضي، عندما تم تصوير المرحلة الأولى. يقول إن البرنامج أمّن نحو 150 فرصة عمل مؤقتة، وبما أن الراعي الرسمي للبرنامج كان شركة بيبسي، فإن الأموال المدفوعة كانت كبيرة جداً، والفريق الذي عمل في البرنامج كان ضخماً. ولكن كمعظم البرامج المشابهة في مراحلها الأولى في الاستوديوهات، يستأجر جمهوراً في البرنامج بمبلغ 20 دولاراً في اليوم لكل شخص، ويلتزم المشجعون بإشارات معينة للحظات التصفيق ولا يسمح لهم بالكثير من الحركة. بعض الأخبار التي ترد من كواريث البرنامج تدعو أيضاً إلى الاستغراب، مثل الصفقات الصغيرة التي تعقد خارج إطار خطة البرنامج ولكنها تبقى ضمنه، كصفقة نانسي عجرم التي عقدها مدير أعمالها مع شركة Apple، إذ أرسلت لهم الشركة خمسة هواتف Iphone6 لتحمل نانسي واحداً من تلك الهواتف في البث المباشر، فعبرت عن انزعاجها لأن تلك الهواتف مجهزة بذاكرة 32 جيغابايت، لا 64.
قد يحمل البرنامج الكثير من الانتقادات، والجوانب الإيجابية أيضاً، لا سيما عندما نتوقف عند أصوات المشاركين الذين تجمع الآراء على أن أصواتهم مهمة جداً، ومن الممكن أن يكون لها مستقبل في المجال الموسيقي. لكن إذا قورن البرنامج بالبرنامج نفسه في دول أخرى، فسيظهر فرق واضح في المبالغات والتركيز على القصص العربية الحزينة، والقضايا الوطنية الصعبة، التي اعتاد العرب لصقها في كل تفاصيل حياتهم، حتى في غنائهم وطفولة أبنائهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...