تجتهد الشابة روان عكاشة 27 عاماً، في البروفات التي تشارك فيها يومياً، استعداداً لإقامة الحفل الثاني لفرقة "دواوين" الموسيقية في 29 يناير.
تقول روان: "منذ صغري أغني وسط عائلتي الصغيرة، في تجمعاتها في الأفراح وأعياد الميلاد، وفي الحفلات المدرسية، إلا أن هذه المرة هي الأولى التي أنضم فيها إلى فرقة موسيقية، أشعر بحرية وانطلاق كبيرين، بينما أسمع صوتي يخالط الآلات الموسيقية، التي تعرّفت إليها من خلال هذه الفرقة".
تفضل روان، زوجة وأم لطفلين، غناء الأناشيد الوطنية الفلسطينية، التي تسميها "ملتزمة"، فهي ترى أن هذه الأناشيد جزء من شخصيتها، وهويتها الوطنية، وهو الهدف الذي أنشئت الفرقة من أجله، بحسب مؤسسها ورئيس الجالية المصرية في قطاع غزة عادل عبد الرحمن، الذي يحمل الجنسيتين الفلسطينية والمصرية.
في صالة لا تتجاوز مساحتها 24 متراً مربعاً، تتمرن الفرقة على الآلات الموسيقية التي تم توفيرها بجهود الأعضاء الذاتية، 3 ساعات كل يوم، تحضيراً لاحتفالها، بينما تنتظر هبة غنّام، وهي طالبة جامعية تدرس الهندسة المدنية، دورها في الغناء، مرددة بصوت خافت كلمات الأغنية المقرّر أن تغنيها. هبه وروان شابتان يغطي الحجاب رأسيهما، إلا أنهنّ لا تجدان فيه عائقاً أمام ممارسة موهبة الغناء، فهما تمتلكان صوتاً جميلاً، منذ الصغر.
تقول روان: "حجابي لا يحد من طموحي في الغناء، الجميع يشجعني، عائلتي وزوجي"، مشيرةً إلى فوز الشابة الأردنية المحجبة نداء شرارة في برنامج "The Voice" في موسمه الثالث. وتضيف: "شجعتني على المشاركة مستقبلاً في مسابقات عربية للأغنية"، لافتةً إلى أنها شاركت في مسابقة محلية وفازت بالمركز الثاني. بينما تقول هبة "عندما سمعت عن الفرقة من صديقاتي، سعدت كثيراً بالانضمام إليها، هذه أول مشاركة لي في البروفات، مرتبِكة، ولكن متحمسةً كثيراً". هبه من جهتها تفضّل غناء الطرب القديم، أم كلثوم، وأسمهان، وتصر أن لديها رسالة توصلها، ولم تكن الشهرة هدفها، لذا تطمح أن تواصل مشوارها في الهندسة التي تحبها.
يقول عبد الرحمن، عضو في الفرقة: "نحن نغني لفلسطين، للعلم الواحد، في وقت أصبحت فيه الأغنية الوطنية الفلسطينية بلون الحزب أو التنظيم. نحن نطمح أن نعيد إحياء الأغاني الثورية الفلسطينية بلون مقبول وبشكل معتدل"، ويضيف: "غزة رغم الألم والشهداء بحاجة إلى عمل فني معتدل لا يجرح شعور الناس، ويكون مقبولاً مجتمعيّاً، ومن هنا جاءت فكرة الفرقة".
الفرقة التي يحتضنها المركز الثقافي الخاص بالجالية المصرية في قطاع غزة، ويقدر عددها بالآلاف، عبارة عن خليط من فلسطينيين ومَن يحملون الجنسية المصرية في غزة. ويشير عبد الرحمن إلى أن عدد أعضاء الفرقة 30، منهم 9 يحملون الجنسية المصرية.
في وقت أصبحت فيه الأغنية الوطنية الفلسطينية بلون الحزب أو التنظيم، نحن نغني لفلسطين، للعلم الواحد
الاحتفال الأول للفرقة كان في ديسمبر الماضي في قاعة سعيد المسحال في غزة. وبحسب عبد الرحمن لاقى أداء الفرقة إعجاب للجمهور، وأشاد بأدائها واختياراتها لهذا النوع من الغناء. ويضيف: "هذا دفعنا للاستمرار وبذل الجهود للاحتفال المقبل لنكون عند حسن ظنهم".
يتحرك عاطف عكاشة، أبو رامي، حول الفرقة، في البروفات، ممسكاً ورقة صغيرة، يشير إليهم بالانطلاق، يتصاعد صوت المغني ثم يرفع بيده إلى أعلى، كما يفعل المايسترو.
عكاشة هو مدرب الفرقة، ومشرفها الفني، يقول: "لدينا مواهب كثيرة، لكنها مدفونة لا أحد يهتم بها، ولا يوجد معاهد متخصصة لتعليم هذه الفنون في غزة"، ويضيف: "سنقدم فناً ملتزماً يخدم القضية الفلسطينية، جمهورنا مثقف وواعٍ، ويدعم المواهب". يقول عبد الرحمن وعكاشة إن "الفرقة تطمح للمشاركة في مهرجانات دولية، لتمثل فلسطين".
عبد الرؤوف البلبيسي، 22 عاماً، ترك أخيراً الفرقة التي شكلها، وانضم إلى "دواوين"، إلا أنه مُنع في ليلة رأس السنة من الغناء، وهو كان سيشارك في حفل في منتجع سياحي بغزة. وفي اللحظات الأخيرة أبلغته الإدارة أنها أُلغيت، لأن حركة حماس منعت الحفلات ليلة رأس السنة، ففقد عبد الرؤوف فرصة الغناء أمام جمهور.
ويشير الفنان الشاب إلى أن الفنانين مهمشون في غزة، فلا يوجد من يهتم بهم، على الصعيد المهني والنقابي والأكاديمي، فضلًا عن إغلاق المعابر والحصار الذي حرمهم من فرص المشاركة في مهرجانات دولية وعربية.
ويصنف مجتمع غزة بأنه ملتزم دينياً، وفرض عليه الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي والحصار نوعاً من العزلة، كما أنه يقع تحت حكم يعد إسلامياً. وقد شهد خلال السنوات الماضية جدلاً بشأن الحجاب في المدارس وحجاب المحاميات في المرافعة في المحاكمة، إلا أن حدة الجدل قلّت بعد الانتقادات التي وُجهت من مؤسسات المجتمع إلى الحكومة.
المجتمع يتقبل الفنانات الملتزمات بالأغنية الوطنية وبالحجاب، أكثر من الفنانات اللواتي يؤدين الأغنية العاطفية. هذا ما تؤكده الصحفية نسمة الشيخ علي: "هذا التناقض يرجع إلى ثقافة المجتمع المعقدة، غير الواعية، فالذي يشجع فنانة ويصفق لها، يرفض أن تكون ابنته أو أخته فنانة".
الباحث في الشأن الإعلامي عماد محسن يقول: "جرت العادة أن يرتبط غطاء الرأس بالالتزام الديني، وبالتالي تقبل المجتمع، من دون ترتيبات مسبقة، فكرة غناء الفتاة بشعرها مكشوفاً، ورفض فكرة الغناء مع وجود الحجاب، تماماً كما ربطوا بين انكشاف الشعر وعدم الالتزام الديني، حتى أنهم يستغربون أن تقوم فتاة بلا حجاب بأداء فريضة الصلاة يومياً".
تصوير: محمد أبو يوسف
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.