تختلف أشكال الرقص باختلاف ثقافات الشعوب. فالرقص وسيلة لكل مجموعة للتعريف عن ذاتها وثقافتها. وكان الرقص الإيراني التقليدي في عداد العلامات الثقافية لإيران، لكن ذلك كان قبل الثورة الإسلامية.
لم تعانِ الموسيقى وحدها من قيود السلطات الإيرانية، ففنون الرقص المختلفة عانت كذلك. كان فن الرقص الإيراني، ولم يزل مجهولاً تماماً، بالنسبة إلى العالم الخارجي بسبب الوضع السياسي الذي تعيشه إيران.
وعلى الرغم من تاريخ فن الرقص الفارسي الذي يرجع إلى نحو ألفي عامٍ مضت، والذي يعد تراثاً عالمياً، حُظرت غالبية أنواع الفنون منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 نتيجة قيود وأحكام المحافظين، وأصبح الوضع أشبه بحرب ثقافية بين الحكومة الإيرانية وشبابها.
أصل تاريخي
كانت الأمبراطورية الفارسية إحدى الأمبراطوريات التي وضعت شكلاً منهجياً وأسساً فعالة لتطوير فن الرقص. كان هذا الفن ظاهرة اجتماعية، ويستخدم في العديد من الطقوس الدينية أيضاً.
وبحسب موقع الغرفة الثقافية الإيراني، بدأ ظهور فن الرقص الفارسي مع بداية العقيدة "الميثرائية"، وهي إحدى عقائد الامبراطورية الفارسية التي يحتفل فيها الفرس بانتصار إله النور "ميثرا"، حليف إله الخير أهورا مازدا، على إله الظلام "أهيرمن" وفقاً للأساطير القديمة. وكان احتفالات تلك العقيدة تتم بشكل أقرب إلى الرقص الإيراني الذي يقوم به الرجال فقط، وأطلق عليه اسم "Danes Presque Sacre".
وبُني العديد من المعابد لممارسة طقوس هذه الديانة، واكتشف أحدها في لندن عام 1954، وأطلق على هذا الاحتفال "شب يلدا". كما كان الرقص من طقوس العقيدة الزرادشتية، التي لم تزل تمارس في بعض الدول، منها إيران.
ومن أكثر ما يميّز الأمبراطورية الفارسية هو التبادل الثقافي مع الحضارات القديمة خصوصاً مصر واليونان. فوفقاً للموقع الإيراني المذكور، كان هناك تبادل بين الحضارتين اليونانية والفارسية، فتقوم الأمبراطورية الفارسية بإرسال مدربين لفن الرقص أطلق عليهم المؤرخون اليونانيون اسم "سادة الرقص الفارسي" إلى اليونان، بينما ترسل اليونان الرياضيين والشعراء إلى بلاد فارس.
كسر القيود
منعت السلطات الإيرانية بعض أشكال الاختلاط بين الجنسين في المجتمع الإيراني، وصار من الصعب بل من المستحيل ممارسة الرقص أو تخصيص أماكن لتعليمه في إيران، خصوصاً بعد تعريف المتشددين للرقص بأنه "عادة شيطانية" تقضي على الهوية الإيرانية، وأنه لا بد من القضاء على هذه "العادة" وعلى ممارسيها. واعتبرت السلطات الإيرانية "الرقص" من الجرائم التي يعاقب عليها بالسجن أو الجلد.
لكن الشباب الإيرانيين لم يستسلموا للقيود المفروضة عليهم وكسروها. كانت البداية في مايو 2014، حين قام سبعة شباب وفتيات إيرانيين بالرقص وتصوير مقطع فيديو ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي وعرف باسم "Happy in Tehran"، وهو النسخة المطابقة لأغنية "Happy" لفيريل ويليامز.
لكن سرعان ما قامت السلطات الإيرانية باعتقالهم والحكم عليهم بالسجن ستة أشهر و91 جلدة، وهذا ما أثار غضب الرأي العام العالمي، فأوقف تنفيذ الحكم مقابل ظهورهم على شاشة التلفزيون الوطني الإيراني لتقديم اعتذار إلى الحكومة الإيرانية.
وبعد أشهر عدّة، رقصت إحدى الفتيات الإيرانيات على متن قطار في العاصمة طهران، على لحن أغنية لفرقة البوب البريطانية "ليتل ميكس"، فكسرت القانون الذي يحظر الرقص في الأماكن العامة. وقام العديد من الركاب بتصويرها ونشر الفيديو على إحدى الصفحات الإيرانية على فيسبوك، لكن السلطات لم تعثر عليها حتى الآن لعدم ظهور ملامح وجهها في الفيديو.
أصبحت مواقع فيسبوك وتويتر وسيلة الإعلام التي تظهر الوجه الخفي لإيران، وتسمح للشعب بأن يكون له صوت وفرصة للتحدث عن مشاكله.
للأغنياء فقط
نظراً للأوضاع السياسية التي تعيشها إيران، كان من الصعب الإعلان عن أماكن لتعلم الرقص، كلصق صور على الجدران في الشارع أو محطات الحافلات، أو تصوير إعلانات خاصة ونشرها على شاشات التلفزيون، حتى لا تتعرض تلك المدارس للمساءلة القانونية.
وبحسب موقع "إيران واير"، فإن فن الرقص اقتصر على فتيات الطبقات الوسطى والأثرياء، إذ تهتم فتيات هذه الطبقات بتعلم أشهر الرقصات العالمية، مثل السالسا والسامبا والتانغو. وتختلف أسعار تلك الدروس بحسب الحي، وفي الغالب يكون متوسط كلفتها 150 دولاراً لكل عشر جلسات.
روحاني والرقص
يمكن وصف إستراتيجية سياسة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وإستراتيجيات الشباب الإيرانيين الذين يتلقون دروس الرقص بسرية، بأن "الجميع يتخذ خطوتين إلى الأمام ثم خطوة إلى الخلف".
فعلى الرغم من جهود روحاني لتوفير المزيد من الحريات لشعبه، فإن وعوده لم تتحقق حتى الآن. تقاوم السياسات الرسمية الفكر الغربي بينما يحارب بعض الشباب الأفكار المتشددة من وجهه نظرهم، ليواكبوا العصر الحديث.
الرقص "الخفي"
ليست كل مدارس الرقص قائمة تحت الأرض، بل يتم عقد بعض الدروس في المنازل، إذ يقوم المدربون بتخصيص إحدى الغرف، ووضع العديد من المرايا على جدرانها لبدء الدروس، أو يستخدمون الصالات الرياضية لتعليم الرقص تحت اسم "التمارين الرياضية"، شرط ألا يختلط الرجال بالنساء، وذلك حتى تغض السلطات الإيرانية بصرها عن تلك الصالات. ويجري تداول مواعيد الدروس بين المتدربين، لكن بسرية تامة، ويتم الاتصال بالمهتمين بشكل مباشر.
وعلى الرغم من التعقيدات، ففي بعض الأحيان تأتي فتيات مع شركائهم لتعلم بعض الرقصات قبل حفل زفافهم، أهمها التانغو والسالسا ورقصة "السكين" التي تقوم بها الفتيات في حفلات الزفاف الكبيرة، وهي رقصة مشهورة في إيران تجري بين صديقات العروس وأخواتها قبل قطع كعكة الزفاف. وخلالها، ترفض الفتاة إعطاء السكين للعريس إلا إذا أعطاها مالاً وفيراً، وترتدي الفتيات فساتين قصيرة أو فساتين ذات فتحات طويلة لتسهيل حركتهن لدى أداء الرقصة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...