يجمع الكثيرون على أن الثورات العربية فشلت برغم إرادة ما لا يقلّ عن 200 مليون مواطن في تغيير الأنظمة المهيمنة، ولكلّ من هؤلاء أسبابه، لكن أكثرها تدور حول معنى الديمقراطية وممارستها. فالربيع العربي بدا لنا كأنه خمس سنوات عاش فيها العرب اليأس وخيبة الأمل من جرّاء القتل والدمار وضياع الفرص، حتى سلّمنا أمورنا لله مقتنعين أن المؤامرة تحاك ضد مستقبلنا أو أن الحسم يأتي من السفارات فقط. أما نحن، فما علينا إلّا الالتفات إلى مشاكلنا اليومية وترك السياسة لغيرنا مترحمين على أيام صدّام حسين ومعمّر القذّافي وعلي عبدالله صالح.
ولكن من ينظر بتمعن، يلاحظ أن الثورات فشلت آلياً فقط. فإرادة التغيير لم تتغير. وأساليب التغيير، وإن بدت عفوية وعشوائية، بدأت تنضج تحت الضغط، الواحدة تلو الأخرى. المجتمعات العربية التي ثارت على طغاتها ستنجح حتماً بإنجاز التغيير.
قد يكون لبنان الذي بدأ ربيعه الخاص قبل غيره من الدول العربية قدوة أيضاً في تنظيم الحراك الشعبي، كما كان قدوة للعواصم العربية الأخرى في الحداثة والانفتاح في ستّينات وبداية سبعينات القرن الماضي.
ولادة "بيروت مدينتي"
من حيث لا ندري، خرج علينا في لبنان قبل بضعة اسابيع، رجل يدعى "أحمد قعبور" على فيسبوك، عرّفنا على حركة “بيروت مدينتي”، “حركة” لها أجندا وبرنامج انتخابي لا يختلف عليه اثنان في لبنان، مطبوع من دون أغلاط إملائية ونحوية كالمعتاد في هذه الأمور، وخالٍ من أي كلام تحريضي، من دون أي ذكر للطوائف او المراجع الدينية. مرجع البرنامج الوحيد هو المواطن. بكثير من الحذر استمعنا لأحمد، ومن ثم لزملائه الذين خاطبونا بكلام جديد. وجوههم كلّها معروفة، فهم أبناء بيروت الناجحون. وما المانع من أن يكون الناجحون ممثلين لنا في مجلس المدينة؟ من أهمّ أهداف “بيروت مدينتي” إشراك الناس بالقرار البلدي عن طريق آليات ديمقراطية تشاركية مبنية على علاقة مباشرة بين المواطن والبلدية. هذا تماماً ما يشغل بال السياسيين والإداريين اللبنانيين الحاليين لأن البلدية إن قامت على هذه الأسس، فستكون منافساً فعلياً لمجلس النواب والحكومة في اتخاذ قرارات مهمة للمواطن، كانا يستفردان بها تقليدياً. قد يكون هذا تغييراً حقيقياً لما اعتدناه، فيُعطى المواطن الكلمة الأخيرة في شؤونه! وسنرى بعد انتخابات البلدية، إن نجحت قائمة بيروت مدينتي، الأسلوب نفسه مطبقاً في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومن هنا سيأتي التغيير! بيروت مدينتي هي بالنتيجة حركة نابعة من حراك المواطن المسؤول الذي سئم الدوّامات السياسية والقرارات الاعتباطية التي تفرضها عليه إدارات حكومية تتبع أجندات سياسية تتجاوز مصلحة وإرادة المواطن، وتصادر السلطة رغماً عنه أو بسبب تقاعسه عن العمل، لأن المواطن البيروتي الذي ينتخب فقد الأمل في التغيير والمحاسبة. شأن بيروت في هذا شأن كل العواصم العربية من دون إستثناء. 24 مرشحاً على لائحة بيروت مدينتي يمثلون جميع اللبنانيين. كلّهم ناجحون في أعمالهم، ولكلّ منهم إنجازات كثيرة على الصعيد العملي. وكلّهم أبناء بيروت. وقد نعتوا بالنخبويين لكنهم قطعاً ليسوا نخبويين إلّا في إنجازاتهم. وما العيب في ذلك؟ وقد قامت المبادرة باستعراض فيديو مسجل لكلّ مرشح على اللائحة، وتبين الفيديوهات أن كلّ مرشح له اهتمامات مدنية حتماً، لكن غناهم يتمثل في خبراتهم المتراكمة في مجالات عدّة. ويبقى لكلّ منهم رؤياه لبيروت. وهذا مهم جداً، فالرؤية المستقبلية أهمّ مكوّن للسياسي اليوم. وجميع مرشحي بيروت مدينتي يتحلون بها، كما تحلّى بها كبار رجالات لبنان أصحاب الرؤى: فؤاد شهاب ورياض الصلح ورفيق الحريري. وسائل التواصل الاجتماعي تفور اليوم بالمشجعين، يجمعهم الأمل بمستقبل أفضل. لكن بيروت مدينة مبنية على الصلات العائلية التقليدية، وبعض الناخبين يخشى أن يصوت للائحة بيروت مدينتي لئلا يغضب عائلته أو أصدقاءه أو فريقاً سياسياً ما. الأمل هو أن يقوم هؤلاء المترددون بالإدلاء بأصواتهم للفريق الأنسب لمدينتهم من دون حسابات طائفية أو مناطقية أو عائلية. هكذا فقط سيتمكن لبنان من تخطي عقدته الإقطاعية ويمارس الديمقراطية التي تتأتى من المصلحة الحقيقية للمواطن وليس الحسابات السياسية لطائفته أو زعمائه التقليديين. ولمَ لا؟ سيكون لكلّ ناخب حجته لتأييد لائحة بيروت مدينتي، لكن الدافع الأول سيكون بالتأكيد الرغبة في التغيير، فالناخب أو الناخبة، بتصويته لبيروت مدينتي سيمارس حقه الديمقراطي بالقول للفريق الحالي كفى تلاعب بمصير مدينتنا. الانتخابات البلدية ستجري يوم الأحد 8 آيار. صوّتوا لمستقبل أفضل. كثيرون يسألون عن كيفية التصويت من دون اكتراث حتى لمعرفة صلاحيات أعضاء مجلس البلدية: المهم أنهم يريدون التغيير ويريدون دماء جديدة ورؤى جديدة لمستقبل مدينتا وعيشنا المشترك. رؤى تخرجنا من الأفق المسدود المرتبط بالتحرير، والجيران، والممانعة، والمصالح الشخصية والطائفية التي مللناها. للمساهمة في دعم الحملة، انقر هنا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...