لا تخلو ثقافة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من استخدام الأعشاب كعلاج لبعض الأمراض، ولا سيما العرضية والبسيطة، كآلام المعدة وتلبكها، وارتفاع ضغط الدم، وأوجاع الرأس وغيرها. لذا تطور الاعتماد على هذه الأعشاب وأصبحت تجارة مربحة، تصفّى وتعلّب وتقطّر في مصانع حرفية، وتصبح منتجات تحمل كل مواصفات المنتج التجاري بصبغة تقليدية.
في البحرين، اعتاد البحرينيون معالجة كل ما يتعلق بآلام البطن والإسهال وتلبك المعدة بشرب "المردقوش"، وهو ماء المردقوش المقطر من خلطة عشبية يتم غليها واستخدامها للصغار والكبار، وللأصحاء وللذين يعانون من أمراض مزمنة. كما يستخدم ماء اللقاح المقطر من أحد أجزاء النخلة، كنكهة مع ماء الشرب والشاي، وهو منشط للدورة الدموية والقلب، كما يقول العاملون في هذه الصناعة.مصنع "الجسر" في البحرين، هو من أوائل المصانع في هذا المجال لإنتاج المياة العشبية المقطرة، أسسه إبراهيم الجسر في منزله عام 1978، بشكل بدائي. كان يستخدم فيه قدراً صغيرة، وبعد نجاحه وزيادة الطلب على منتجاته، وسع العمل والإنتاج في المنزل. وحين زاد الطلب سعى الجسر بعد تسع سنوات إلى إقامة مصنع متحولاً من الأدوات اليدوية إلى آلات متطورة للحفاظ على الجودة والسلامة، بحسب ما يقول مدير عام المصنع ياسر الدقاق.
ويضيف: "كان الطب القديم يستخدم القدر لطبخ الأعشاب وشرب مائها للاستفادة، لكن الأجهزة والآلات المتطورة في المصنع، ساهمت في إنتاج هذه المياه بشكل حرفي بعد تصفية بخار العشبة، وتعبئتها في زجاجات. فنحن نقوم بتصنيع الماء المقطر من الأعشاب المعروفة منذ القدم، ولكن لا مانع لدينا من استخدام أعشاب ينصح بها الطبيب الشعبي (الحواج)، كالمرمية، التي بدأنا بتقطيرها".
وأشار الجسر إلى أن الخليجيين يقبلون على ماء اللقاح بكثرة، يليه ماء المردقوش، إذ يصدر المصنع منتجاته إلى دول الخليج والعراق، وهناك خطة للتصدير إلى بلدان أخرى قريباً. ولفت إلى أن المصنع يعمل بتقنية البخار، التي بدأت بتقطير مغلي الأعشاب في قدر صغيرة في المنزل وصولاً إلى هذا المصنع. بينما أوضح الدقاق أن مختبر المصنع يقوم بالتحقق من أن المنتجات خالية من البكتيريا قبل التعبئة، كما أنه يحافظ على ضمان الجودة. ويضيف: "هناك عدة شروط تفرضها وزارة الصحة، فهي تقوم دورياً بأخذ عينات لفحصها للتأكد من سلامة المنتج، بالإضافة لضرورة الالتزام بالمقاييس المحلية والخليجية للبطاقة الإعلامية للمنتج، وضرورة خلو المنتج من البكتيريا، وتصفيته بشكل ممتاز".ويرى الباحث في مجال الأغذية والتغذية والصحة الدكتور عبد الأمير الليث، أن مصانع تقطير النباتات العشبية في البحرين خاضعة للرقابة الرسمية الصحية، لذا هي سليمة وصالحة للاستهلاك البشري. أما في شأن تحقيقها للغرض الذي أنتجت من أجله فإن ذلك يتعلق بنوع المياه. يقول: "هناك عدد قليل من أنواع المياه المقطرة فوائدها ملموسة عند الناس، ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت مياة مقطرة غير تقليدية، نتيجة اكتساب معارف وخبرات جديدة، أو نتيجة ركوب موجة استخدام المنتجات الطبيعية".
ويشير الليث إلى أنه "ينقصنا القيام بدراسة علمية مختبرية سريرية لهذه المنتجات، نتأكد من خلالها أنها تؤدي الغرض الصحي المطلوب، باعتبار أن صناعة المياه المقطرة في البحرين صناعة وطنية مزدهرة، وذات سمعة خليجية ممتازة، وتؤدي دوراً مهماً ورافداً في الاقتصاد الوطني. فالاستثمار في الدراسات البحثية في هذا القطاع مبرر علمياً واقتصادياً". وعن سبب لجوء الناس لاستخدام المياه المقطرة والأعشاب الطبية، قال الليث: "خلصت الدراسة التي أعددناها إلى أن الأسباب مختلفة، منها أنها عادات تراثية، فلا يخلو بيت بحريني من نوع أو أكثر منها باستمرار. من ناحية أخرى فقد يلجأ الإنسان لاستخدام علاج المياه المقطرة أو الاعشاب الطبية، لأنه لم يحصل على نتيجة من العلاج الكلاسيكي، أي زيارة الأطباء، وتناول الأدوية الموصوفة، فلعل الشفاء يكون من خلال استخدام الأعشاب أو المياه المقطرة. من ناحية ثالثة بعض الناس يستخدمها كعلاج متمم للعلاج الكلاسيكي. ومن ناحية رابعة، هناك اتجاه عالمي الآن للتأكيد على استخدام الطب البديل، والعلاج بالأعشاب، وهي موجة عالمية بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود وهو أمر جيد". تختلف فوائد المياه المقطرة باختلاف نوع الأعشاب المستخدمة في التقطير، يضيف الليث: "بعضها فائدته الصحية مؤكدة، مثل المردقوش والزموته وهي تستخدم لعلاج الهضم وانتفاخ البطن والأرياح، ويؤكد نفعها استمرار الناس في استخدامها والعودة إليها كلما شعروا بالحاجة إلى ذلك، وهي نتاج خبرات متراكمة عبر الأجيال سبقت الطب الكلاسيكي. بعضها الآخر يحمل ادعاءات بأنه يفيد في علاج مرض ما، ولكن لم يثبت ذلك، قد يكون مفيداً ولكن قد يكون مجرد ادعاء يحتاج إلى التحقق. هناك بعض المياه لعلاج الضعف الجنسي، وأخرى لحرق الدهون وما شابه، لكننا لا نملك الدليل على ذلك، فهي بحاجة إلى دراسة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...