بعد أن تتوّهك شوارع منطقة المصفّح الصناعية في أبوظبي، تستقبلك مزرعة "الإمارات أكواتيك" Emirates AquaTech على مساحة 56 ألف متر مكعب. هي مزرعة لا تشبه المباني المحيطة بها، إذ تربي سمك الحفش Sturgeon لإنتاج "يازا كافيار" Yasa caviar. لا يرد إسم إمارة أبوظبي في الأذهان عندما نتكلّم عن الكافيار، إلا أنها باتت حقيقة مع الافتتاح الرسمي للمزرعة شهر نوفمبر الماضي.
يخبرنا المؤسس الشريك والمدير العام، أحمد الظاهري، أن الفكرة ولدت عام 2007 عندما أراد شقيقه الأكبر معرفة المزيد عن الكافيار، وبعد دراسات حول السوق، اكتشف أن كل المقوّمات متوفرة لإنتاجه في أبوظبي.
خلال عملية البناء، اشترت الشركة سمكاً صغيراً وبدأت بتربيته في ألمانيا (22 من إناث سمك الحفش) ليتمّ نقل أول دفعة جواً إلى المزرعة التي يميزها عن غيرها من المزارع العالمية، بحسب الظاهري، أنها "الأكبر حجماً من حيث التقنية والمساحة والأجهزة المستخدمة". أجهزة عالية التقنية نكتشفها خلال جولة في أروقة المزرعة برفقة مدير الانتاج، مهند أبوعوض. يأخذنا في "رحلة" داخل ما يصفه بـ"أكبر موقع للحفاظ الاصطناعي على الحيوانات المهددة بالانقراض".
نستهل الرحلة مع المفرخات حيث تعيش الأسماك حتى يبلغ وزنها 200 غرام، وحيث يتمّ إطعامها القريدس الصغير كلّ عشر دقائق. بعد قضاء ثمانية أشهر في المفرخات، تصبح الأسماك "مستعدّة" للانتقال إلى أحواض أخرى في "الحاضنات" حيث تتمّ العناية بها ليزداد وزنها من 200 غرام إلى 1 كيلوغرام. حينها، تنقل إلى "أحواض النمو" حتى تبلغ العامين من العمر. طوال هذه الفترة، تطعم من خلال "روبوتات تغذية آلية"، ثم تُنقل لاحقاً إلى "أحواض التطهير".
خلال هذه الفترة، لا يتمّ إطعام الأسماك من أجل التخلّص من كل ترسبات الطعام ومن أجل ضمان جودة الكافيار. تمتد هذه المرحلة على مدار 6 أسابيع للإناث و4 أسابيع للذكور. كما أن الأسماك تخضع لفحوصات واختبارات للتأكد من استجابة الحجم واللون لمتطلبات النوعية. لا بد من الإشارة إلى أنه غالباً ما يحتاج سمك الحفش لـ 8 إلى 10 سنوات "لانتاج الكافيار" إلا أن الظروف المتوفرة في المزرعة تقلص هذه المدة إلى أربع سنوات تقريباً.
ننتقل لجزء آخر مخصص للإناث فقط. هنا يتم "تطهير" إناث السمك لاعدادها للعملية القيصرية على حد قول أبو عوض واستخراج الكافيار الذي يشبه، في تلك المرحلة، "الرمّان". يتم فصل اللحم، من ناحية والكافيار من ناحية أخرى، وتبدأ عملية إعداد الكافيار (10% من وزن السمكة) التي تدوم قرابة الشهر: فصل الأنسجة المرتبطة، غسل الكافيار مرات عدة، إضافة الملح فقط والتخلّص من البيض السيء ليتمّ بعدها تعليبها… "يازا كافيار" باتت جاهزة لغزو الأسواق! أسواق محلية وعالمية تريد "الإمارات أكواتيك" أن تدخلها.
لهذه الغاية، أسست شركة "جارموند" Garamond. تخبرنا مديرتها، سارا موراليس، أن حيازة "يازا كافيار" على 5 شهادات جودة دولية ستريح المستهلك وتعتبر أن "'طريقة بناء المزرعة تضمن السلامة والكمال في عملية الاهتمام بسمك الحفش وفي انتاج الكافيار، لأن السعي للكمال من سمات الثقافة الإماراتية".
بحسب موراليس، لم تبلغ المزرعة قدرتها الانتاجية الكاملة (35 طناً) التي من المتوقع أن تصل إليها بحلول عام 2017.
بانتظار ذلك، بدأت بالترويج لمنتجاتها في الأسواق المحلية بفضل بيع الكافيار للمطاعم وفنادق خمسة نجوم وحتى شركات الطيران (الاتحاد للطيران)، وقد بدأت بمفاوضات مع زبائن محتملين في السويد واليابان والولايات المتحدة وروسيا. تشدد موراليس على أن الهدف يبقى تغيير عقلية الناس وجعل "يازا كافيار" طعاماً يتلذذ به الجميع، لا حكراً على الأغنياء: "الكافيار باهظ الثمن إذا أردنا شراء كيلوغرام منه. ولكن، 50 غراماً تكفي أربعة إلى ستة أشخاص، وبالتالي، علبة صغيرة كافية وبمتناول الكثيرين".
يركّز المشروع على ألا يُهدر أي جزء من السمكة: إضافة الى الكافيار، يتم استخدام اللحم كفيليه مدخّن وجلد السمك لصناعة المنتجات الجلدية وأحشاء السمك لصناعة الأسمدة. في حين يتمّ استخدام مياه الأحواض الغنية بالمواد الغذائية في ريّ الأراضي الزراعية. عام 2008، فُرض حظر على صيد سمك الحفش في بحر قزوين وأدرج الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة الحفش السيبيري على لائحة الأنواع المهددة بالانقراض.
وبالتالي، يقول الظاهري، "نساهم في الحفاظ على هذا النوع من السمك". لا شك أن الطلب على الكافيار عالمياً لم ينخفض، ومع حظر صيد سمك الحفش البريّ، تساهم المزرعة في تربيته والحفاظ على الأسماك الأخرى في مكانها الطبيعي."تتوفّر كل المواصفات المطلوبة في سمك المزارع، لا بل على العكس قد تكون أفضل. فنحن نؤمّن فيها كل الظروف المواتية في حين أن السمك في محيطه الطبيعي معرّض للتقلبات البيئية (الطقس، التلوث، الطعام…)، يؤكد الظاهري، مضيفاً أن "الإمارات أكواتيك" تأمل بالتعاون مع الأمم المتحدة بغية نقل عدد من أسماك المزرعة إلى البحر مساهمة منها بالحفاظ على الحفش المهدد بالانقراض.
بضعة أشهر مرت فقط على إطلاق "يازا كافيار"، إلا أن أحلام المؤسسين لا تعرف حدوداً. حتى ولو كانت المسؤولية الاجتماعية والتوعية البيئية تندرج على أجندتهم، تبقى الإنتاجية هي الهدف. في حال استطاعت المزرعة إنتاج 35 طناً من الكافيار، ستتمكن من تلبية 10% من الطلب العالمي وحدها. نشر هذا الموضوع على الموقع في تاريخ 13.02.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...