على الطريق بين دبي وأبوظبي وفي قلب منطقة قاحلة، تقع مزارع الإمارات المائية للخضار التي كانت رائدة في تطوير الزراعة المائية في الإمارات العربية المتحدة. بحسب رودي أزاتو، المتخصص بالزراعة المائية والمدير التسويقي لمزارع الإمارات المائية، بدأت هذه الزراعة قبل 25 عاماً تقريباً في الإمارات العربية المتحدة، إلا أنّها لم تكن متطوّرة كما هي اليوم ولم تكن تعتمد بشكل كلّي على الماء.
خلال تجوّلنا في المزرعة، أخبرنا أزاتو عن تأسيسها في العام 2005: "بدأنا مع 1000 متر مربع، حيث كنّا نتحكّم بالمناخ والتغييرات الهوائية والرطوبة، وحيث تمكّنا من زراعة المنتجات على مدار السنة، وبعد إطلاق أول دفيئة، أجرينا العديد من البحث والتطوير وتوسّعنا إلى 20000 متر مربع".
تستخدم المزرعة، وفق رودي أزاتو، نظام "أن ف تي" NFT Nutrient Film Technique الذي هو عبارة عن نظام من المواسير سهل الاستخدام لا يحتاج سوى إلى خزان ماء وأنابيب صغيرة وأنبوب للتغذية ومضخّة توصل الماء إلى النبات. يتمّ تحليل مياه الخزان في مختبر معتمد لتحديد محتويات ومستوى المعادن والعناصر المتوفرة فيه، ثم تضاف إليها المواد الغذائية الناقصة الضرورية، كأن تتمّ تحلية المياه بفضل الحديد أو معادن أخرى، بالإضافة إلى العمل على تحقيق توازن في معدّل المغنيسيوم والنيتروجين الضروريين لانتاج الكلوروفيل. ويتوفر هذا النظام داخل دفيئات زراعية يُعتمد فيها نظام تدوير لتحظى كل النباتات بالكمية المناسبة من أشعة الشمس بالإضافة إلى بضع لمبات توفّر ضوءاً اصطناعياً وتقلّد ضوء الشمس.
يشرح لنا أزاتو كيفية زراعة الأعشاب المتنوّعة على طاولات كبيرة مغطاة بمادة البولي بروبلين Polypropylene الصديقة للبيئة، ومطمورة بماء تمتصّه الأعشاب لتنمو وتأخذ حاجتها من المواد الغذائية. تستخدم المزرعة بدائل طبيعية للتربة توفّر عوامل مناسبة لنموّ النباتات على غرار "الصوف الصخري" Rock Wool الذي يحفظ المياه ويزوّد جذور النبتة بالأكسيجين أو "مزيج الأصص الخزفية العضوية" Organic Potting Mix التي تستخدم كثيراً في الزراعة المائية للأعشاب.
تتخصص “مزارع الإمارات المائية للخضار” اليوم بالخس والأعشاب وتقدّم نحو 20 نوعاً مختلفاً. اختارت البدء بزراعة الخس لأنها كانت سوقاً متخصصة ولكن "مع مرور السنوات، توسّعت المزرعة بفضل الطلب وأضافت زراعة الأعشاب" يوضح أزاتو. غالبية زبائن المزارع اليوم من التجار بالجملة، وتركيزها يصب على السوق المتخصصة التي تشتري كميات كبيرة كالمطاعم والسوبر ماركت. يضيف أزاتو “سوقنا محلية جداً، إلا أنّ بعض زبائننا قد يصدّرون منتجاتنا إلى دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي". أما في ما يتعلق بالأسعار، فثمن "الخسة المائية" هو نصف ثمن الخسة المستوردة. "ليست رخيصة مثل المنتجات المحلية ولكنها ليست باهظة الثمن مثل المنتجات المستوردة، التي تصل بعد أيام من انتاجها وهي ليست طازجة على عكس منتجاتنا".
حسنات الزراعة المائية وسيئاتها
قد تكون إحدى أبرز العقبات أمام الزراعة المائية تكلفتها الباهظة مقارنة بالزراعة التقليدية. يقول أزاتو "التكلفة الأولية باهظة جداً. كثيرون ممن لا يملكون المعرفة الكاملة بالزراعة المائية يعتقدون أنهم بمجرد زرع البذور وإضافة المعادن سيكسبون المال. إلا أن الواقع مختلف، لا بد من التركيز على الناحية العلمية لنوعية النباتات والمعادن التي تحتاج اليها" ويضيف "عندما قررنا زراعة الأعشاب ظننا أننا نستطيع استخدام المعادن ذاتها التي نستخدمها للخس، إلا أننا كنّا مخطئين. فعلى الرغم من أن المواد الغذائية ودرجة الحموضة هما ذاتهما، فإن المعدلات مختلفة".
بحسب سيف الشرع، وكيل وزارة البيئة والمياه المساعد لقطاع الشؤون الزراعية والحيوانية، إنّ تقنية الزراعة بدون تربة أعلى كلفة اقتصادياً على المدى القصير مقارنة مع الزراعة التقليدية، إلا أنّها تعمل على رفع الإنتاجية إلى أربعة أضعاف مقارنة بالزراعة العادية بفضل استغلال مساحة أقل وعدد نباتات أكثر.
لكن تبقى أهمّ ميزة للزراعة المائية في عالمنا اليوم أنّها تقتصد استهلاك الماء بشكل كبير. ويعطي أزاتو مثالاً عن ذلك قائلاً "تحتاج إلى ثلاث زجاجات كبيرة من الماء يومياً لابقاء نبتة على قيد الحياة في الزراعة التقليدية أو العضوية في حين لا تحتاج إلا إلى زجاجة صغيرة للزراعة المائية" مضيفاً أن هذه الأخيرة قد توفّر حتى 90% تقريباً من استهلاك الماء الذي تتمّ إعادة استخدامه: "نملك أنابيب ري تعود إلى خزان الماء حيث تتم تنقية الماء من الجذور الميتة والبكتيريا وإعادة استخدامها مجدداً".
مبادرات دعم حكومية
نظراً لتعدّد مزايا الزراعة المائية، لم تتردّد الجهات الحكومية في الإمارات العربية المتحدة، بدءاً من عام 2009، في دعمها وتمويلها. في إطار جهود وزارة البيئة والمياه في تعزيز الإدارة المتكاملة لاستدامة الموارد المائية وتعزيز سلامة الغذاء واستدامة الانتاج المحلي، وانطلاقاً من الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021، عمدت الوزارة إلى تنفيذ مبادرات وبرامج لاستدامة الانتاج الزراعي، من بينها مبادرة "إنتاجنا" لتأهيل المزارعين وحثّهم على فهم واستخدام التقنيات الحديثة للزراعة المائية.
يلفت الشرع إلى أنّ فريق المبادرة المؤلف من المهندسين والمرشدين الزراعيين قام بـ592 زيارة إرشادية حتى نهاية نوفمبر 2014، بهدف تقييم الوضع الحالي. ويضيف "أسفرت هذه الزيارات عن وجود بعض الآفات الزراعية وأخطاء في عملية إدارة صالات الزراعة بدون تربة في عدد من المزارع مما يؤدي إلى تقليل العائد المادي. وقد تولى فريق عمل الوزارة إرشاد العاملين والمزارعين بالإجراءات التصحيحية وتدريبهم على تنفيذها في مزارعهم، على غرار طرق التحكم بالصالات الزراعية المبردة، وإدارة صالات الزراعة بدون تربة بأنماطها المختلفة، وكيفية خلط الأسمدة وتقليل استخدام المبيدات بواسطة الممارسات الزراعية الحديثة والتركيز على مواضيع الوقاية النباتية".
وأضاف الشرع أن مساعي الحكومة لا تتوقّف عند هذا الحدّ إذ إن الوزارة تقوم بتنفيذ مشروع لتوظيف التقنيات الحديثة في الزراعة المائية لانتاج الأعلاف الخضراء مثل الرودس والليبد. وبفضل نتائج التجارب المشجعة، تخطط الوزارة إلى إرشاد المزارعين لإنشاء بيوت محمية وتدريبهم على التقنية الجديدة لإنتاج الأعلاف بالزراعة المائية لاسيما أن الطرق التقليدية تعجز عن تلبية حاجة السوق بسبب النقص الشديد في الموارد المائية ونقص الأراضي الصالحة للزراعة، والتكلفة العالية للإنتاج في الزراعة التقليدية وتقلبات المناخ ذات الأثر السلبي على إنتاج المحاصيل.
لا بدّ من الاشارة إلى أن الزراعة المائية ليست نزعة معاصرة بل رأت النور عام 1937 مع د. جيريكيه Dr. W.F. Gericke في الولايات المتحدة، وهو كان صاحب مصطلح "هايدروبونيك" Hydroponic (من الكلمات اليونانية "الماء" و"العمل"). يعتقد كذلك أنها تعود إلى ما قبل ذلك إذ يرجح أن تكون حدائق بابل المعلّقة أول تجربة لهذه الطريقة الزراعية وحتى حدائق الأزتيك العائمة في أمريكا. وعلى الرغم من الاهتمام الضئيل بهذه الزراعة، فهي تطوّرت وشهدت طفرة في الولايات المتحدة مع ازدياد عدد الدفيئات الزراعية التجارية، ويزداد الاهتمام بها اليوم في منطقة الشرق الأوسط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...