"لم أشعر يوماً بالغربة خلافاً لمَن يتركون أوطانهم ليبدأوا حياةً جديدة بعيداً عنها. والسبب ما عانيناه من نزوح وبحثنا الدائم عن مكان نستقر فيه". هذه الكلمات قالها لرصيف22 خليل إبراهيم (23 سنة). هو مهاجر كردي إيراني ولد في العراق، في مخيّم الطاش وأمضى فيه طفولته.
قصة اللاجئين الأكراد الإيرانيين
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فرّت مجموعة من الأكراد الإيرانيين إلى العراق. أجبرتهم الظروف على التوجه إلى العراق لطلب اللجوء خوفاً من قمع الحكومة الإيرانية بسبب نشاطهم السياسي وانتمائهم الحزبي. ومنذ عام 1979 حتى الآن، كان عنوان حياتهم التشرّد والفشل في إيجاد حياة جديدة مستقرة.
عدد هؤلاء غير معروف بدقة، وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كان مخيّم الطاش في محافظة الأنبار في العراق (يبعد 60 كلم عن مدينة الفلوجة، و12 كلم عن مدينة الرمادي) يضمّ نحو 4200 لاجئ منهم. وفي التسعينيات من القرن الماضي، بدأت الامم المتحدة بإعادة توطين هذه الأسر الكردية في دول غربية، منها السويد وألمانيا وكندا.
بعد الاحتلال الأميركي للعراق وما نتج عنه من فوضى أمنية، فرّ 1400 لاجئ من مخيم الطاش إلى مخيم أقيم في إقليم كردستان العراق، بالقرب من مدينة السليمانية. إذ صار المكان يشهد عمليات شبة يومية للقوات الأمريكية.
وعام 2005، اشتهرت قصة محاولة بعضهم الوصول إلى الأردن أملاً في التواصل مع منظمات تعيد توطينهم في الغرب، وقد علقوا بعض الوقت بالقرب من الحدود بين العراق والأردن، قبل انتقالهم إلى مخيم الرويشد داخل الأردن، وذلك بعد سلسلة تظاهرات وضغوط من الأمم المتحدة.
خليل إبراهيم كان من الفارين إلى مخيّم باريكة في إقليم كردستان قبل نجاحه في الوصول إلى الدانمرك عام 2014، بعد رحلة بحرية غير شرعية بدأت بعبور البحر بين تركيا واليونان.
البحث عن وطن
وقال إبراهيم إن "سياسة القمع التي مارستها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحق أكراد إيران بسبب انتمائهم الحزبي اضطر أفراد عائلتي إلى الهرب نحو العراق. نُقلوا إلى مخيم الطاش، في منطقة صحراوية خالية من السكان، تنعدم فيها أبسط شروط الحياة، بلا ماء وكهرباء أو رعاية صحية أو خدمات".
وأضاف أن "الخيام التي حصل عليها والداي في البداية لم تكن أسوأ بكثير من البيت الطيني الذي بناه أبي ليقينا برد الشتاء وحر الصيف، حتى موعد ولادتي سنة 1993".
نجم الدين أحمد، وصل منتصف عام 2015، ومسيرته قبل ذلك تشبه سيرة خليل إبراهيم. روى أحمد لرصيف22 أن "غالبية اللاجئين الأكراد عانوا في العراق من الظروف القاسية التي فُرضت عليهم، سواء مَن عاشوا تجربة الهجرة وطلب اللجوء، أو من ولدوا داخل المخيمات العراقية".
وتحدث عن صعوبة التنقل بين المحافظات، وعدم معرفتهم باللهجة المحلية، وعدم قدرتهم على الحصول على الجنسية العراقية برغم مطالبتهم بها، بسبب رفض نظام صدام حسين ذلك لأسباب سياسية، "وبالتالي ضاع مني ومن باقي إخوتي حق الحصول على الجنسية العراقية بحسب القانون العراقي لسنة 1963"، قال أحمد.
وروى إبراهيم أن "مدارسنا كانت غرفاً مظلمة في الشتاء، ندرس فيها الأبجديات بلا مبالاة"، وتذكر كيف كان يرافق والده "محمّلاً بأكياس من القماش والملابس التي كانت تخيطها والدتي، لنبيعها في القرى المجاورة، لكسب بعض الدنانير لتأمين لقمة العيش بكرامة".
مرحلة 2003 الصعبة
حفظت مخيلة إبراهيم مشاهد "تناثر أشلاء الجثث وتقطع أوصالها"، بحسب وصفه. وقال إنه "في ظل توتر الأحداث الأمنية في المنطقة والعراق بعد الغزو الأميركي سنة 2003، اضطررنا إلى النزوح إلى إقليم كردستان العراق لأنه كان ينعم بالأمن. تم تجهيز نحو 450 منزلاً لإيواء الأسر النازحة، على مقربة من مدينة السليمانية، في مخيم باريكة. وهكذا بدأت المرحلة الثانية من مسيرة لجوئنا".
في تلك المرحلة، تابع إبراهيم، "أجبرتني الظروف على العمل الشاق، بعد انتقالنا إلى مدينة كلار وحاجتنا إلى المال لتأمين بدل إيجار المنزل والفواتير. مارست العمل كدهّان وحمال وأجير بناء وكنت أعمل ساعات كثيرة بأجرٍ متدنٍّ".
وكانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قد أكدت أنها سعت لإيجاد حل نهائي لهؤلاء الاجئين الأكراد، بعد وصول أكثر من عشرة آلاف لاجئ إيراني كردي مسجلين لديها إلى شمال العراق، وقد سعت إلى دمجهم في المجتمع المحلي هنالك.
[caption id="attachment_44890" align="alignnone" width="700"] غرفة البلياردو في مبنى النشاطات المقابل لمركز اللجوء حيث يسكن إبراهيم في الدانمارك[/caption]مهاجرون بلا جواز
سبّب انعدام الجنسية مشاكل كبيرة للاجئين الذين ولدوا في العراق، وحرمهم ذلك من مزاولة حياتهم اليومية بشكل عادي اسوه بغيرهم، كما حال عدم حصولهم على بطاقات هوية شخصية دون التمتع بحقوقهم الإنسانية.
قانع محمد، هو آخر الأكراد الإيرانيين الذين التقاهم موقع رصيف22 في الدانمرك. وصل إلى هنالك منتصف عام 2013 بطريقة غير شرعية كصديقيه. وقال: "مع حلول فصل الصيف كان أصدقائي في السليمانية يذهبون في جولات سياحية إلى تركيا أو لبنان، ولكنّي كنت محروماً من التفكير بمرافقتهم لأن عدم امتلاكي الجنسية يعني استحالة الحصول على جواز سفر.
وتابع: "لم أكن أعرف شيئاً عن عمل نظام المطارات أو إجراءات السفر. ولم تتسن لي الفرصة لأختبر شعور الأصدقاء بالخوف من الطائرة. كانت تلك الأفكار تشبه الأحلام بالنسبة إليّ".
فقدان الشرعية
الهجرة إلى أوروبا كانت حلم معظم الإيرانيين الأكراد. البعض حقق حلمه ونجح في تأسيس حياة جديدة والتخلّص من لعنة عدم امتلاك جنسية. ولكن رحلة آخرين مع التشرّد لم تنته بعد.
قانع محمد هو ممن تستمر مسيرة تشردهم. قال: "أمضيت عامين ونصف العام متنقلاً بين مخيمات في الدانمرك دون جدوى. ربع قرن من حياتي ضاع بين المخيمات في دول مختلفة. لكن يبدو أن القدر حكم عليّ بالبقاء متنقلاً بين أماكن مختلفة لأسباب مختلفة".
فقد رفضت دائرة الهجرة الدانمركية طلب لجوئه مرات عدّة، قال مضيفاً أن "المحكمة المعنية بطالبي اللجوء أصدرت أخيراً قراراً بترحيلي. لن يسمح لي العراق بدخول أراضيه لأنني لست من مواطنيه، ولا إيران التي غادرتها عائلتي بسبب الملاحقة السياسية، فإلى أي وطن سيكون الترحيل؟".
وأضاف: "جواب الشرطة الدانمركية هو أنني سأرحّل إلى ايران التي لا أمتلك أي أوراق تثبت أنني من مواطنيها ولا أعرف حتى لغتها خاصة أن أسرتي هاربة بسبب نشاطها السياسي، وإرسالي إلى هنالك قد يعني اختفائي القسري".
"ولدنا دون ذنب في مكان وزمان خاطئين، ولكنّي سأصارع الموت وأهزمه لتحقيق هدفي وحلمي"، ختم محمد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.