قبل يومين، تداولت وسائل الإعلام الكردية مضمون مرسوم أقرته "الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة" وينص على مساواة الرجل بالمرأة في جميع المجالات، وعلى منع تعدّد الزوجات وتجريم جرائم الشرف والسماح للمرأة بتطليق الرجل. هي خطوة من مجموعة خطوات يمكن إدراجها ضمن إستراتيجية تنتهجها القوى السياسية الكردية السورية وبموجبها تحارب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من خلال المساواة بين الجنسين.
قد لا يبدو اسم "الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة" مألوفاً لدى البعض. في نهاية العام الماضي، ترأست القوى الكردية المقرّبة من حزب "الإتحاد الديمقراطي" (هو حزب يمثل أغلبية أكراد سوريا وتعارضه قوى كردية مقربة من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني ومن الائتلاف الوطني السوري) اجتماعاً ضم ممثلّين عن القوميّات الأخرى الموجودة في مناطق انتشار الأكراد السوريين. تمّ إقرار خطّة لإنشاء إدارات ذاتية في كلّ من مقاطعات "روج آفا" (غرب كردستان أي مناطق وجود الأكراد السوريين) الثلاث وهي: الجزيرة وكوباني وعفرين. هذه الإدارات الذاتية تم الإعلان عنها في 21 ديسمبر 2013 بناءً على "ميثاق العقد الاجتماعي".
معارضو الإدارة الذاتية اتهموا مؤسسيها بالتعاون مع النظام السوري. أما أنصارها فيعتبرون أنها خطوة تهدف إلى تنظيم شؤون الحياة ولا تخفي أيّة نيّات انفصالية. المهمّ أن ميثاق العقد الاجتماعي الذي أصدره المجلس التشريعي المؤقّت للإدارة الذاتية الديمقراطية اهتمّ منذ البداية بمسألة المساواة بين الجنسين. فنصت المادة 27 منه على أن "للمرأة الحق في ممارسة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وجميع مجالات الحياة"، ونصت المادة 28 منه على أن "للمرأة الحق في تنظيم نفسها، وإزالة كل أشكال التفرقة على أساس الجنس".
في ما بعد، اتخذت "الإدارة الذاتية لمقاطعة الجزيرة" التي تدير شؤون ما يقارب المليونين ونصف المليون سوري موزّعين على قوميات وديانات عدّة قرارات تنظيمية كثيرة لعلّ أبرزها إصدارها في نهاية الشهر الماضي قراراً حول التجنيد الاجباري يدعو الشباب إلى الانضمام إلى وحدات حماية الشعب الكردية (ما يعادل البيشمركة في كردستان العراق). ولكن هذا القرار نظر إيجاباً إلى النساء كونه اعتبر أن تجنيد المرأة اختياري وليس إلزامياً.
بالعودة إلى مضمون المرسوم، والذي شاع الحديث عنه قبل يومين، فهو ينص على أن "محاربة الذهنية السلطوية الرجعية في المجتمع واجب على كل فرد في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية" وعلى أن "للمرأة الحق في الترشح والترشيح وتولي كافة المناصب".
المرسوم الذي أقرّ تنظيم صكوك الزواج مدنياً والمساواة بين الرجل والمرأة في جميع المسائل الإرثية، منع تعدد الزوجات، تزويج الفتاة بدون رضاها، تزويج الفتاة قبل إتمامها الثامنة عشر من عمرها، الطلاق بالإرادة المنفردة مانحاً الطرفين حق طلب التفريق، ومانحاً المرأة الحق فـي حضانـة أطفالهـا حتى إتمامهم الـ15 سنة ويكون بعدهـا حق الاختيـار للأولاد. كذلك ألغى المهر "باعتباره قيمـة ماديـة هدفـه استملاك المـرأة ويحـل محلـه مشاركـة الطـرفين في تـأمين الحيـاة التشـاركيـة". وساوى بين المرأة والرجل في العقوبة المفروضة على مـرتكب الخيانـة الـزوجيـة وأعطى المـرأة والـرجل حقـوقـاً متساويـة فيمـا يخص قـانـون الجنسيـة.
يختلف أكراد سوريا عن محيطهم بسبب تأثرهم بالأفكار اليسارية وفي الوقت عينه يستخدمون مسألة المساواة بين الجنسين لمحاربة خصومهم وخاصة الإسلاميين المتشددين منهم أيديولوجياً. يقول أكراد سوريا إن المرأة تشكل 30% من المقاتلين الأكراد. ويتعمّدون الحديث عن بطولات النساء في ميادين القتال مثلهنّ مثل الرجال. البارحة، قالت القيادية في "وحدات حماية المرأة" هبون ديريك أن حوالى 1000 مقاتلة يشاركن في القتال ضد داعش على الجبهات في مدينة كوباني السورية الحدودية مع تركيا.
يبالغ الأكراد كثيراً في هذا المجال ولكن هذا لا يعني أن المرأة الكردية السورية لا تشارك في المعارك. فأثناء التصدّي لهجوم داعش على كوباني نفذت المقاتلة الكردية أرين ميركان أول عملية انتحارية ضد مسلحي التنظيم المتطرّف كما اشتهرت قصة المقاتلة جيلان أوزاب، ابنة التسع عشرة سنة، والتي قاتلت حتى نفاد ذخيرة سلاحها ثم انتحرت بآخر طلقة مفضلة الموت على الوقوع في أيدي الأعداء.
بالحديث عن "وحدات حماية المرأة" وهي وحدات نسائية تقاتل إلى جانب "وحدات حماية الشعب"، فمن المهم التذكير بأن هذه الوحدات أولت اهتماماً كبيراً بالمساواة بين الجنسين في بيانها التأسيسي. فبعد المؤتمر الأول الذي عقدته في بداية أبريل 2013، أصدرت بياناً ختامياً شددت فيه على أن من بين أهداف تأسيسها "توعية المرأة لقوتها الفكرية والجسدية والثقافية ودورها في بناء المجتمعات المتقدمة والمتطورة" و"لتُعبر المرأة الكردية عن كيانها بلونها وبطابعها". كذلك كان لافتاً في البيان حديثها عن "السلطة الرجولية المتمثلة في سلطة الدولة القومية"، واعتبارها أنه "عند النظر إلى منطق التاريخ من منظار القوة نجد بأن الجيوش تشكلت من الرجال فقط، وهذا دليل على مستوى تبعية المرأة وخضوعها عامة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...