العمادية مدينة ملوك الآشوريين والميديين وسلاطين الأكراد، وهي لا تزال تتحدى تقلبات المنطقة، متربعةً على صخرة كبيرة. علماً أن علوّها عن الأراضي المحيطة بها، يمنح الطبيعة جمالية، وعاملاً لجذب الزوار والسياح، في وقت هجرها سكانها الأصليون إلى أماكن أخرى.
تقع العمادية في محافظة دهوك، وتبعد نحو 570 كم شمال بغداد. والمدينة مبنية على صخرة كبيرة، يعود بناؤها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وتعلو 1000 متر أكثر من الأراضي المحيطة بها، ما يجعل شكلها شبيهاً بقلعة كبيرة.
يتم الوصول إليها عبر طريق وعر، وأطلقت عليها تسميات عدة منها: "آمات، آماتي، آفاهي ميديا، آشب، والعمادية". كما يطلق الأكراد عليها اسم "آميدي"، إلا أن المصادر التاريخية تؤكد أن آمات أو آماتي هو أقدم اسم للمدينة، وقد عثر عليه في مدونة آشورية (823 ـ 810 قبل الميلاد)، محفوظة في المتحف البريطاني.
يقول مدير آثار محافظة دهوك حسن قاسم، إن "العمادية من المدن المهمة التي لا تزال تحتفظ بالآثار والشواهد التأريخية. إذ كان لهذه المدينة دور كبير في تاريخ المنطقة منذ العهد الآشوري، وتم ذكرها في القرن الثامن قبل الميلاد، حين كانت معقلاً للميديين والآشوريين. ثم شهدت ازدهاراً ملحوظاً في عهد إمارة بهدينان الكردية، وأصبحت عاصمة للإمارة حتى عام 1842 ميلادي. وقد خضعت بعد ذلك للحكم العثماني، ومع تأسيس الدولة العراقية أصبحت قضاءً تابعاً لولاية الموصل عام 1924".
ويضيف أن "أبرز الآثار فيها بوابتا المدينة، تسمى إحداها بوابة بادينان وتقع غرب المدينة، والبوابة الأخرى في الجانب الشرقي، وقد أزيلت بحجة توسيع الطريق إلى المدينة، وفيها شعار الإمارة والمقبرة السلطانية، والجامع القديم، وتؤكد هذه الآثار مدى تطور المدينة من الناحية العمرانية خصوصاً".
[caption id="attachment_44021" align="alignnone" width="350"] مدرسة قوبهان[/caption]
ويشير حسن إلى أن بعض المواقع الأثرية في المدينة تعرضت لتجاوزات، إلا أنه تم السيطرة عليها وإزالتها. ولفت إلى أنه خلال الأعوام السابقة رممت مديرية الآثار بضعة مواقع أثرية، منها المقبرة السلطانية وجسر عيسى وجزء من مدرسة قوبهان، ومواقع أخرى. لكن الأزمة المالية التي يعاني منها إقليم كردستان، تسبب بعدم مواصلة أعمال الصيانة في جميع المواقع الأثرية.
وكشف مدير دائرة الآثار عن مساعٍ حكومية لإدراج مدينة العمادية على قائمة التراث العالمي التابعة للأمم المتحدة، بهدف الحفاظ على طابعها التاريخي والحضاري. ويؤكد أنها في حاجة ماسة إلى اهتمام أكبر لجذب السياح خصوصاً من ناحية ترميم الآثار والمحافظة عليها، والبدء بالنشاط التسويقي لمعالم المدينة وتعريف العالم بها.
ورغم أنه لمدينة العمادية طابع أثري وسياحي، فهي تشهد هجرة مستمرة لسكانها الأصليين. ويعزو هؤلاء أسباب هجرتهم إلى عدم استيعاب مساحة المدينة لبناء مساكن جديدة كون موقعها لا يسمح بالتوسع. يقول سالار عمر، وهو من أهالي المدينة إن "العديد من أقربائنا اضطروا إلى الهجرة إلى مركز محافظة دهوك والعيش هناك، بسبب عدم توفر أراضٍ لبناء دور سكنية". ويضيف أن "معظم السكان يعانون من مشكلة السكن، كون مساحة المدينة محدودة وغير قابلة للتوسع". ويشير إلى أن أسعار المنازل ترتفع يوماً بعد آخر بسبب عدم توفر الأراضي.
ومعروف أن مساحة المدينة لا تتجاوز الـ420 ألف متراً مربعاً، شُيّد عليها أكثر من 1200 منزل، فضلاً عن المؤسسات الحكومية والخدماتية، ويبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة آلاف نسمة.
ويقول مدير بلدية العمادية رمضان آميدي: "يستحيل توسيع مساحة المدينة بسبب طبيعة موقعها الوعر"، ويضيف: "في الآونة الأخيرة تم اتخاذ خطوة لمعالجة مشكلة السكن من خلال توزيع نحو ألفي قطعة أرض خارج مركز المدينة"، مؤكداً أنه بإمكان هذه الخطوة معالجة أزمة السكن بشكل جيد، فضلاً عن أنها ستساهم في الحد من الهجرة.
لكن آميدي لفت إلى أنه تم اتخاذ قرار بمنع أعمال بناء المنازل وترميمها داخل المدينة، حفاظاً على الخصوصية العمرانية التي تتمتع بها. ويضيف:"نسعى إلى الحفاظ على التراث والثقافة المحلية للعمادية، خصوصاً في مجال الصناعات اليدوية والأكلات الشعبية التي تشتهر بها".
ويقول خزعل سالم، وهو من بغداد وكان يزور المدينة مع أسرته، إن "المدينة تتمتع بطبيعة خلابة ومواقع أثرية، ومن الضروري العمل على جذب السياح إليها، كون السياحة ستسهم في انتعاش الحركة الاقتصادية في المنطقة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين