تمتاز اللغة العربية بأوصافها الشاعرية الغنية منذ عصور الجاهلية، وبخط فني يُكتب كأنه يُرسم. وعلى الرغم من أن هذه اللغة تواكب العصر ببطء، فإن شكلها وأسلوب كتابتها كفيلان لإدراجها في عداد اللغات الأكثر استعمالاً لشكلها الجميل. استعمال حروفها ضمن إطار تصميميّ مبتكر يجعلها محطّ أنظار العديد من المصممين الذين استعانوا بأحرفها في التصاميم الداخلية، وفي مختلف أشكال نقوش الأثاث. كما ظهر الخط العربي في الكثير من الأزياء والمجوهرات، أولاً في دور الأزياء العالمية، ثم تبعها المصممون الناشئون في العالم العربي.
تجذب الحضارة العربية انتباه الكثيرين خصوصاً المصممين. فاستعملوا الخطّ العربي ضمن نقوش مجموعاتهم منذ حقبة التسعينيات قبل شيوعها بشكلٍ كبير في مختلف التصاميم التي نراها اليوم في المتاجر. بغريزتهم الفطرية، أدرك المبدعون من مصممي الأزياء العالميين جمال الخطّ العربي فقدروه لتاريخه العريق وأسلوبه البديع.
أول المصممين العالميين الذين اختاروا الخط العربي ضمن نقشات أزيائهم هو التونسي عزّ الدين عليا، المقيم في باريس. فكرّس مجموعته لخريف 1990 لأنواع من التصاميم المختلفة بالطابع المشترك للأحرف العربية بالخطّ الكوفيّ. مشت العارضة العالمية نايومي كامبل في تصاميم الدار، وجذبت المجموعة اهتماماً عالمياً، في وقتٍ كانت سبل توثيق مجموعات الموضة محدودة. واختار عليا أن يُكمل في هذا الخط بتجسيد فكرة تصميم لفريدا خلفا من أصولٍ جزائرية، التي كانت مصدر الوحي لعدد من المصممين العالميين كـJean Paul Gaultier ، فأنجز تصميماً شبيهاً بالعباءة تلتف حول جسمها، وفي إطار الصورة التي التقطت مختلف الكلمات والأحرف العربية. كما صمّم لها فستاناً باللون الأسود تتوسطه كتابة بالخط العربي باللون الأصفر البارز.
وفي خريف 1993، قام المصمم العالمي كارل لاغرفلد بتنفيذ مجموعة لدار Chanel تتضمن الخطوط العربية. فارتدت التصاميم العارضتان العالميتان Claudia Schiffer وKaren Mulder. لكن الدار استردت هذه التصاميم من الأسواق، بعد أن رأى البعض أن الأحرف التي كتبت تعود إلى آيات من القرآن الكريم.
وبرزت في الفترة الأخيرة نزعة استعمال الخط العربي ضمن دائرة المصممين الناشئين العرب، خصوصاً الذين تعلموا التصميم خارج المنطقة العربية، كجامعات أوروبا التي تشدّد على الرجوع إلى الحضارات الأصيلة، وكل ما هو عريق لأخذ الوحي منه. وبرزت أسماء وتصاميم جديدة يدخل فيها الخط العربي كعنصر أساسي ينتشر عالمياً:
Sarah’s Bag
هي الماركة التي أسّستها ساره بيضون، وأصبحت عالمية بفضل شعبيتها وانتشارها في مختلف المتاجر. جمعت الماركة اللبنانية الكثير من الأفكار الجديدة من خلال مجموعاتها، فكانت الفكرة الأولية وما زالت حتى الآن، توظيف النساء المسجونات في صناعة الحقائب يدوياً خلال فترة وجودهن في السجن، كمبادرة فعّالة تخلق فرصة عمل لنساء فقدن الأمل من الحياة. ولم توفّر فرصة تأكيد أصولها، فكانت رائدة في إدخال عناصر من معالم الوجوه اللبنانية وتقاليدها في التصاميم، كالحرف العربي بالعبارات المخطوطة على الشاحنات وباصات النقل في لبنان. وفي مجموعتها الأخيرة أدخلت إلى تصاميم حقائب الـClutches الكتابة العربية بتعابير مختلفة.
"بالعربي" Bil Arabi
هي ماركة المجوهرات التي أسّستها المصممة اللبنانية نادين قانصو، المقيمة في الإمارات المتحدة، والتي جمعت من خلالها حبها للحرف العربي وشغفها بالتصميم والتصوير للحصول على مجوهرات مميزة بكتابة وأحرف عربية متناغمة. وقد استقطبت مجموعتها نجوماً عالميين أحبّوا الحرف العربي، كالعارضة كيندل جينير. كذلك تعاونت مع ماركات عالمية لإبراز الحرف العربي مثل الماركة الإيطالية للمجوهرات Cruciani.
"لا روز دو سيم" La Rose de Sim
هي ماركة اطلقتها عام 2013 مصممة الحقائب رجاء حبشي، التي تتمتع بشغفٍ للتصميم، والتعلق بجذورها من خلال الهندسة المعمارية التقليدية، ورسم الحرف العربي على حقائبها.
تطور الخط العربي باختصار
من أوائل الخطوط العربية التي بدأت تتوضح ملامحها لتشبه الخط الذي يستعمل اليوم، هو خط "الجزم"، الذي استخدمته قبائل شمال شبه الجزيرة العربية. وتأثرت أيضاً اللغة في محيطها الفارسيّ والكتابة السريانية، فتفرع منها العديد من الخطوط الجديدة، مثل الخط "العنبري" والخط "المدني". ثم تطوّر الخط العربي عبر العصور من "الكوفي" إلى "الثلث" و"النسخ"، وصولاً إلى الحقبة العثمانية. فتبلور الخط تدريجياً وصولاً إلى خط الكتابة الذي يستعمل اليوم. أكثر الخطوط استعمالاً في تصميم الأزياء والمجوهرات، هو خطّ "الريقاء"، الذي يتميز ببساطته. أما التصاميم الأخرى، التي تقوم على أشكال أحرفٍ متمازجة ومتناسقة، فتتفرع من الخطّ "الديواني"، الذي يتميز بطابعه البديع على الحلى والمجوهرات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...