لا يمكن أن تتخيل وأنت تتجول في شوارع مدينة اسطنبول ليلاً، أنك في دولة إسلامية، دولة يحكمها رئيس ذو جذور دينية. في اسطنبول المدينة الليلية ستتهافت عليك بائعات الهوى، وكلما تمشيّت في شوارعها صادفتك واجهات زجاجية فيها نساء عاريات، ونوادي جنس.
أرقام خيالية
تحتضن تركيا أكثر من 100 ألف بائعة هوى، يتوزعن في 55 مدينة، بحسب ما نقلت صحيفة "الوحدة" التركية. بينما أعلنت منظمة "دير سفكات" المدنية المتخصصة في مساعدة الشرائح المهمشة في المجتمع التركي أن عددهن وصل إلى 300 ألف.
وتُمارس مهنة الدعارة منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 على يد مصطفى كمال آتاتورك، وفقاً للمادة 227 من القانون 5237 التركي، ولكن يتم معاقبة المشجع عليها والمسهل العمل بها، مدة تراوح بين سنتين و4 سنوات، كما يمنع هذا القانون العاملات في المهنة من الزواج والإنجاب.
يبلغ عدد النساء اللواتي يمتلكن تصريحات بمزاولة المهنة 15 ألفاً، بينهن 3 آلاف يعملن في 56 منزلاً مرخصاً، إذ هناك نحو 80% من العاملات في المهنة لا يمتلكن تصاريح. وتعدّ اسطنبول وأزمير وأنقرة، في مقدمة المدن المنتشرة فيها تجارة الجنس، خصوصاً اسطنبول وأحياؤها قاراقوي وبي أوغلو وأقصراي المعروف بحي المومسات، فضلاً عن ميدان تقسيم الشهير.
منظمة خاصة
الشمسية الحمراء هي منظمة غير حكومية تأسست أواخر عام 2013 للدفاع عن حقوق العاملين في مهنة الدعارة. تتلخص مهمات هذه المنظمة في التواصل مع العاملات في مجال الجنس، للوقوف على مشاكلهن، وما يواجهن من عمليات استبعاد اجتماعي، فضلاً عن تلبية حاجاتهن، ومتابعة صحتهن الجنسية.
وقد أكد رئيس المنظمة كمال أورداك لصحيفة "جمهورييت" التركية أن العاملين في مجال الدعارة في تركيا، يتعرضن لانتهاكات ومشاكل مستمرة، وباتت نهايتهن معروفة، إما القتل أو الانتحار. وأضاف أورداك أنه يتم مداهمة بيوت الدعارة القانونية، بينما لا تتعرض نظيرتها غير القانونية لأي مداهمات أمنية، مشيراً إلى ارتفاع عدد العاملات في هذا المجال 3 أضعاف، خلال السنوات الـ10 الماضية، ليصل إلى 300 ألف في تركيا، داعياً إلى ضرورة الالتفات بشكل أكثر إلى حقوقهن.
تتناول المصورة الصحفية البلغارية، ميمي تشاكروفا، في فيلمها القصير "The price of sex" تجارة الجنس في تركيا، وتحديداً في حي "اقصراي" باسطنبول، موضحة الحيل التي ينتهجها تجار مافيا الجنس، لجلب الفتيات الأجنبيات، بذريعة العمل، ومن ثم الزج بهم في مستنقع الدعارة.
تجارة تقع ضحيتها اللاجئات السوريات
في قرى تركية حدودية مع سوريا، تتربص مافيات الجنس، في انتظار فرائس جديدة من الهاربات من ويلات الحروب في بلادهن، ليقعن في "مستنقع الدعارة".
ينتشر تجار الجنس في المدن الحدودية مثل ديار بكر وغازي عنتاب وماردين ونصيبيين وهاطاي وشانلي أورفا، حتى أنه بات يقال إن كل شارع في مدينة غازي عنتاب أصبح "مركزاً للدعارة"، وقوامه صالونات التجميل خصوصاً.
وبحسب عضو لجنة حقوق المرأة في مدينة باتمان التركية، ستشيل أربولاط، "يتم استغلال الفتيات السوريات في مجال تجارة الجنس بشكل سيء، إذ يُدفع بهن إلى العمل في الدعارة مقابل 20 إلى 25 ليرة (بين 6.5 و8.5 دولار)، أو مساعدات مثل الطعام".
أعدت منظمة "مظلوم دار" الحقوقية التركية تقريراً ميدانياً، تناولت فيه مافيا تجارة الجنس واستغلال السوريات، خصوصاً الأرامل والفتيات اليتيمات في تركيا. يخدع تجار الجنس الأسر السورية بوعود وهمية بالزواج والسكن، ويدفعون مبالغ تراوح بين 2000 و5000 ليرة (يبين 650 و1650 دولار) لأسر الفتيات، ويقنعون الصغيرات بالزواج، ثم يتم إسكانهن في منازل بمدينة كيليكس جنوب تركيا، ويجبرونهن على مزاولة الدعارة، وفي حال الرفض، يتعرضن للعنف والتهديد.
كما أكد التقرير انخفاض سن السوريات العاملات في هذه المهنة إلى 12 عاماً، وبشكل عام يزداد الطلب على النساء السوريات اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و20 سنة. وتتقاضى السوريات بدل عملهن بالدعارة مبالغ زهيدة جداً مقارنة بمن يعملن في المهنة من بلدان أخرى، خصوصاً السوريات المتسللات إلى تركيا بشكل غير شرعي، فيتقاضين بين 20 أو 50 ليرة، وفي بعض الاحيان يأخذون طعاماً بدلاً من النقود.
يلديز
نساء شابات، بابتسامة صفراء مزيفة يطفن حول الطاولات، في انتظار أدوارهن، حين يخرج أحد الزبائن من الغرفة. وكعادة النساء العربيات يرسمن حواجبهن بشكل ملاءم وجذاب، هنا نساء أجبرن على ارتداء تنانير قصيرة، وملابس شبه عارية في وقت تتساقط الثلوج، وتشهد البلاد درجات برد قاسية. هنا بار أو كباريه أو كما يسميه الأتراك "بافيون".
تحكي نجمة أو "يلديز" إذا ترجم اسمها للتركية، حكايتها من داخل أحد البافيونات. تقول: "أتحدث التركية بطلاقة كوني أعيش هنا منذ عامين، أتجول حول الطاولات بابتسامة مريرة، لأجالس الضيوف وأقول لهم "في صحتك".
وأضافت: "أمي عراقية وأبي سوري، أبلغ من العمر 27 عاماً، أم لطفل في الثامنة، لم أره منذ عامين تقريباً، لأنني تركته في سوريا مع والده، كما أنني على دراية بالفارسية والتركية والكرمانجية"، أي لغة أكراد تركيا.
وعن عملها في البافيون، قالت إنها كغيرها، مثل النساء الفارات من ويلات الحروب في بلادهن، تم استدراجها، ثم توريطها لتضطر في النهاية للانصياع والعمل في الدعارة.
أما "عائشة" البالغة 31 عاماً، فلها قصة مختلفة. تقول: "أنا أم لـ5 أطفال، فررت من سوريا مع أطفالي وأختي التي لديها طفلان. في البداية كان عملنا في بيع المياه عند التقاطعات في المدن الجنوبية، ولكن النقود لا تكفينا لسدّ حاجتنا وأطفالنا، فقررنا أنا وشقيقتي البالغة 30 عاماً امتهان الدعارة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت