بطل رواية مجدي بن عيسى الجديدة، يستيقظ فجأة ذات يوم ليكتشف أنه تحوّل إلى كائن لا مرئي. شبح يستطيع اختراق ما يعترض سبيله من أشخاص وجدران وأشياء. بعد اكتشافه أنه يستطيع الإمساك بالقلم وجعله يسير على الورق، قرر كتابة رسائل يحكي فيها ما حصل له. "في الأيام الأولى، وفي غمرة لهفي على إثبات وجودي، تحمست لكتابة رسائل أشرح فيها المأزق الذي وقعت فيه، والذي قادني إلى هذا الوجود اللامرئي منعدم الوزن والكثافة، وقدّرت أنه يوجد من سيسعده العلم بوجودي، والتعامل معي بحقيقتي الجديدة".
هكذا يبدأ اللامرئي بكتابة رسائل لأصدقائه، فيكتب رسالة لحسان، وهو الشخص الذي تركه بلا جسد، وانفصل عنه، والثانية لألفة عشيقته، والثالثة لصديقه الشاعر. ومن خلال هذه الرسائل يسرد الكاتب حكايات الشخصيات الثلاث ومن يحيط بهم، فيروي بدايةً قصة تعرّف حسان بألفة، وليلتهما الأولى حين لم يجد ما يشير إلى عذريتها، وبدأت الشكوك تحوم في رأسه، وسرعان ما فهمت هي الموضوع فجلبت له شهادات طبية مختومة وموثّقة تفيد أنها ولدت من دون غشاء بكارة.يبرز الكاتب سيطرة عادات المجتمع وتقاليده على الناس، وكيف أنهم ما زالوا يربطون شرف الفتاة بممارسة الجنس، حتى لو كانوا مثقفين. فالموروث البيئي لا بدّ أن يفرض حضوره فيستوي في هذا المثقف الواعي حسان، الذي ارتبك حين لم ير دم بكارة صديقته على الفراش، والرجل البسيط والدها، الذي أحس بالرعب حين اكتشف ذلك، وأصرّ على ختم الشهادات الطبية بالختم الحكومي، فهذه الشهادات "شاهده الوحيد على شرف ابنته".
تحضر أيضاً في الرواية شخصية الشاعر الذي يحضّر لديوانه الثاني، ويصاب بوعكة صحية فتلتقي العائلة حوله، تتطور علاقته مع ألفة رغم أنها عشيقة صديقه، لكنه يجد نفسه مهزوماً أمامها، فاقداً لقدراته السابقة على إيقاع أي فتاة في شباكه. هذا الحدث، إضافة إلى مرضه، يثير مشاعر سلبية في داخله، "لقد أعاده لقاؤه الأخير بألفة إلى الهوة التي أوقعته فيها حادثة مرضه، هناك حيث تراءت له أشباح العجز والموت جليةً مرعبة. بعد اعتلال قلبه استطاع الشاعر بعزم وإرادة أن يجد لنفسه حبل نجاة صاغه عبر الكتابة، وقد احتاج لخروجه النهائي إلى يدٍ تمدّ إليه في ظلمة نفسه، ولكن ألفة كانت يداً من سراب أعادته إلى الهوة من جديد".
كما تحكي الرواية عن الشاعر وزوجته، وكيف تزوجا وأنجبا سارة، التي كبرت وصارت هي من تهتم بطباعة ديوان والدها، وصديقها الفنان التشكيلي الذي يصمم الغلاف، بإشراف الشاعر الذي يتابع كل شيء من دون حماسة بعد أن شعر بالهزيمة المرّة.
في ظل هذه الحكايات التي تصف تفاصيل حياة ثلاثة من المثقفين، وغيرهم من الشخصيات الثانوية، تنمو الحكاية الأساسية ببطء، فبعد أن يتيقن مجموعة من المثقفين أن المؤسسات الثقافية في تونس معطلة وغير قادرة على الفعل وعلى النهوض بالمجتمع لكثير من الأسباب، التي يتم نقاشها في حواراتهم ضمن الرواية، يقررون تأسيس جمعية خاصة بهم، ويصيغون بيانهم. لكن كيف يمكن ذلك في بلد محكومة بالاستبداد؟ كيف سيتمكن حسان أن يواجه جهاز المخابرات الذي يقمع الحريات؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه الرواية وتحاول إثارة النقاش حوله، باحثة في آثار الاستبداد على الشأن الثقافي، وكيف أنه يخلق حالة من انعزال المثقف ويوسّع الهوة بينه وبين المجتمع.
رغم حجم الرواية الصغير، فهي تمثّل وثيقة فنية لمرحلة مهمة في تاريخ تونس، هي فترة ما قبل الثورة التونسية، مسلّطةً الضوء على الدور المدمر للاستبداد السياسي، وكيفية تعامله مع الشأن الثقافي. ولا يبدو صعباً فهم رمزية تحوّل المثقف إلى كائن لا مرئي في الرواية التي انبنت على هذه الفكرة الفانتازية.
مجدي بن عيسى كاتب تونسي من مواليد 1970. حاصل على ماجستير في اللغة والآداب العربية. له في الشعر: "احتراق الشذا"، "تقريظ الشهوة"، "مراثي القرن". وفي الرواية: "الدوار"، "خيالات نورا المدهشة"، "اللامرئي يكتب الرسائل".
حاز بضع جوائز من بينها: الجائزة الوطنية لأدب الشباب، وزارة الثقافة في تونس 1993، جائزة الدكتورة سعاد الصباح للإبداع الفكري والأدبي - فرع الشعر 1995، وجائزة الشارقة للإبداع العربي - فرع الرواية عن "الدوار" عام 2005.
الناشر: دار سؤال/ بيروت
عدد الصفحات: 112
الطبعة الأولى: 2015
يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع