شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل يفرغ الشرق من مسيحيّيه؟

هل يفرغ الشرق من مسيحيّيه؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 11 أغسطس 201602:38 م

خبية أمل كبيرة عاشها مسيحيو الموصل المهجّرون من بلادهم بعد لقائهم برئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس. كانوا يأملون من هذا اللقاء، الذي تمّ منتصف الشهر الجاري في الأردن، الحصول على وعد فرنسي بإعادة توطينهم في فرنسا، لكن تصريحات المسؤول الفرنسي جاءت عكس ذلك تماماً.

وقد حثّ فالس هؤلاء المهجرين إلى التمسك بالمنطقة، وقال لهم: "المسيحيون في الشرق الأوسط جزء أساسي من المنطقة، ويجب أن لا يغادروها تحت أي ظرف. فهذه المنطقة مباركة وهي منبع الأديان". تصريحات أثارت استغراب المهجّرين، فكيف يمكن أن يتمسكوا بمكان وثقافة يرفضانهم، وهل بقيَ لهم في الشرق وطن؟

ليس فالس أول من تحدّث عن أهمية الوجود المسيحي في الشرق، وخطر هجرة المسيحيين. فطالما حذّرت الزعامات الكنسية من إفراغ الشرق من مسيحييه، وتمسّكت بضرورة إيجاد الآليات للحفاظ عليهم وعلى وجودهم. لكن ما الذي يدفع المسيحيين إلى الهجرة، وهل فعلاً باتت المنطقة أقل تسامحاً وتقبلاً للتنوّع؟ وهل ارتبطت هجرة المسيحيين بالربيع العربي أو هي تعود لعقود مضت؟

في هذا السياق، يقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي إن "أسباب هجرة المسيحيين والأقليات بشكل عام، تعود إلى عجز الدول العربية الحديثة عن إقامة الدولة المدنية الديمقراطية لجميع أبنائها ومكوّناتها". وأضاف: "عانى المسيحيون والأقليات من التسلط والتمييز. مقابل ذلك، وخلال الأعوام الأربعين الماضية، امتدت موجة سلفية متطرفة في المنطقة، وبدل أن تتصدى لها الأنظمة، عملت على منافستها في الترويج لشرعية دينية، من خلال أسلمة المناهج المدرسية والتشريعات والقوانين التي تحكم الدول، ما مسّ الحقوق المدنية للأقليات".

مقالات أخرى

لا تقلها للاجئ!

في الكويت: "كيف نكون مواطنين ونحن محرومون من كافة حقوقنا؟"

وأشار إلى أن "هذا التدهور في الحقيقة سابق لظهور الربيع العربي، وبدأ مع الحرب الأمريكية على العراق عام 2003، فبدأنا نشهد موجات هجرة العراقيين المسيحيين، ليبلغ عددهم أكثر من مليون مسيحي اليوم. وفي سوريا، فشلت المعارضة في تقديم خطاب مطمئن للأقليات، وتحوّلت غالبية المعارضة إلى الأسلمة المتشددة". وتابع الرنتانوي: "حتى في الدول الأخرى كالأردن ولبنان ومصر والأراضي الفلسطينية، هناك خطر وجود المسيحيين الذين يتوجهون إلى الغرب. نحن اليوم أقل تسامحاً. نعم هناك تهديد بأنّ الشرق سيخلو من مسيحييه". وقال: "يجادل البعض أنّ الكنائس والكهنة سيبقون، لكن ما نريده هو أن يكون المسيحيون مكوّناً حقيقياً في المجتمع، كما كانوا على مدار التاريخ، وليس مجرد عناصر في متحف يتحدث عن تاريخ المنطقة".

وأكد الكاتب الأردني باسل رفايعة مع الرنتاوي أن "الدول العربية لا تحترم حقوق المواطنة، ولا تتبنى قوانين تحدّ من التمييز بين المواطنين، ما يجعل الأقليات المسيحية متضرّرة بشدة. والتحالف التاريخي بين الأنظمة العربية وجماعات الإسلام السياسي، أدى حكماً إلى هضم حقوق المسيحيين". وأوضح أن "الوضع أشد سوءاً في العراق. مع تأسيس نظام إرهابي هو دولة الخلافة الإسلامية، يتعرّض المسيحيون لكارثة إنسانية، يُقتلون ويجبرون على دفع الجزية، ويهجّرون من بيوتهم. من حق مسيحيي الموصل أن لا يثقوا بالغرب عموماً، فالقول إنّ عليهم التمسك ببلادهم من دون الضغط على الحكومات لتواجه التمييز ضدهم، كلام فيه الكثير من الجهل بظروف المنطقة".

ورأى أن "الوضع في لبنان أفضل قليلاً تبعاً لمبدأ تقاسم السلطة، في حين يتعرّض الأقباط في مصر لازدراء ثقافي واجتماعي، ويُتهمون بالارتباط بالغرب. أما في سوريا، فيتناقص عدد المسيحيين منذ الستينيات بسبب الاستبداد السياسي، والمخاوف من سيطرة الحركات الإسلامية على الحكم، تعبيراً عن القمع السياسي، وهم أكثر مسيحيي الشرق الأوسط هجرة، بينما يبقى الوضع في الاْردن أفضل نسبياً". 

الحريات الدينية في العالم العربي

يكشف تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في العالم العربي، واقع الحريات الدينية في 200 بلد. ويقول سفير الولايات المتحدة لشؤون الحريات الدينية حول العالم، ديفيد سابرستين: "توجد حاجة ملحة لسماع صوت المضطهدين دينياً في كل بقاع الأرض، أولئك الذين يخشون الحديث عن معتقداتهم خوفاً من الموت، أو يمارسون عبادتهم في السر في الكنائس، أو في المساجد أو في المعابد، أولئك الذين يشعرون بالإحباط لأنهم اضطروا لترك منازلهم ليمارسوا عقيدتهم".

العراق

بحسب التقرير، استهدف تنظيم داعش الناس على أساس الهوية الدينية، كالمسيحيين والصائبة المندائيين واليزيديين. وقام بعمليات قتل واغتصاب وخطف واستعباد، وسرقة وتدمير المواقع الدينية والاستعباد الجنسي، والإجبار على تغيير الديانة، وطلب الفدية، والاستيلاء على الممتلكات، كما عمل على استهداف المسلمين الشيعة، والسعي لإبادتهم في المناطق التي سيطر عليها، واستهداف أماكنهم الدينية.

وعن تعامل الحكومة العراقية مع الحريات الدينية، قال التقرير إن الدستور العراقي يكفل حرية العقيدة والممارسة الدينية، والحكومة لم تتدخل بالاحتفالات الدينية، بل وفرت حماية كبيرة للأماكن الدينية، لكن هذه الحماية لم تمنع استمرار العنف، وتخريب دور العبادة.

في المقابل، يعتبر العديد من المسلمين السنة أنّهم مستهدفون من قبل الحكومة، وقوات الأمن العراقية، وأنّهم يتعرضون لمضايقات من الميليشيات الكردية والقوات الشيعية في المناطق المحررة من داعش، إلى جانب استخدام التنميط الطائفي في عمليات الاعتقال والاحتجاز، أو في استخدام الدين باعتباره عاملاً حاسماً في قرارات التوظيف. 

المسيح في الشرق - سورياMAIN_Religious-Freedoms2_AFP

سوريا

استمرت الحريات الدينية في سوريا بالتراجع خلال العام الماضي على الرغم من أنّ الدستور يعبّر عن احترام الحكومة حرية جميع الأديان. ورأى التقرير أنه رغم محاولة الرئيس السوري بشار الأسد الترويج لنفسه على أنه حامي الأقليات في البلاد، لكن واقع الحال أنّه سمح للتنظيم في التقدم في أجزاء من البلاد، واستهداف سوريين من خلفيات دينية وسياسية مختلفة، من دون وجود إجراءات كافية لوقف التنظيم أو الجماعات المتطرفة الأخرى.

ووفق الخارجية الأمريكية، زاد قمع الحكومة للمسلمين السنة، كما استهدفت قوات النظام والميليشيات الشيعية المتحالفة، السنة والأقليات الدينية بالقتل، والتعذيب، والاعتقالات. مثلاً قتل حزب الله اللبناني 200 مدني في فبراير بالقرب من رسم النفل.

في المقابل، استهدفت جماعات المتطرفين الشيعة والعلويين والأقليات الدينية بالقتل والخطف والتعذيب والاعتقالات، في مناطق البلاد الواقعة تحت سيطرتها. وعمل تنظيم الدولة الإسلامية على حرمان المسيحيين من ممارسة شعائرهم الدينية، وإجبار الخاضعين لسيطرتها على اعتناق الإسلام، أو التهجير أو دفع الضريبة الخاصة (الجزية) أو القتل. أما الكنائس، فتمّ تدميرها بشكل منهجي كذلك دُمرت أضرحة الشيعة والمواقع الدينية الأخرى. لم يقتصر العنف الطائفي على داعش، إذ تم تسجيل عدد من عمليات الخطف والقتل لأفراد من أقليات دينية من قبل جبهة النصرة الإسلامية، منها قتل 20 مسيحياً من قرية واحدة وكاهنين و15 رجل دين درزياً.

لبنان

ينص الدستور اللبناني على ضرورة احترام جميع الفئات الدينية، والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين. كما ينصّ على ضرورة أن يكون هناك توازن للسلطة السياسية بين الجماعات الدينية الرئيسية. وتتمثلّ 18 مجموعة دينية معترف بها رسمياً في  البرلمان ومجلس الوزراء.

وبحسب تقرير الخارجية الأمريكية، ساهم امتداد تنظيم داعش في العراق وسوريا وجبهة النصرة إلى الأراضي اللبنانية، في توتر العلاقات الطائفية بين المجموعات الدينية في البلاد، إلى جانب مشاركة حزب الله في سوريا. 

ويلفت التقرير إلى زيادة الهجمات المرتكبة من داعش والنصرة والجماعات المتطرفة في لبنان خلال العام الماضي، تحديداً في منطقة طرابلس، كما ارتكاب عدد من ممثلي المجموعات الدينية أعمالاً لتخويف المسيحيين. رغم ذلك بقيت أماكن العبادة بسلام، وكانت العلاقات بين أفراد من الجماعات الدينية المختلفة ودية عموماً، مع بعض الاستثناءات.

مصر

يصف الدستور المصري حرية المعتقد بأنّها "المطلق"، ويوفر لأتباع الإسلام والمسيحية واليهودية الحق في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. ومع ذلك، لا تعترف الحكومة بالتحول من الإسلام إلى أي دين آخر. وينص الدستور على أن الإسلام هو دين الدولة ويعبتر مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع. كذلك ينص على إنشاء لجنة لمكافحة التمييز كما عرض أمام البرلمان قانون جديد لتسهيل بناء وترميم الكنائس المسيحية. 

ورغم انخفاض أعمال العنف ضد المسيحيين خلال عام 2014، تم تسجيل حالات فشلت فيها قوات الأمن والشرطة في التعامل مع حالات اختطاف وابتزاز، تعرّض لها المسيحيون في صعيد مصر، إلى جانب صعوبة ترميم الكنائس في ظل نقص التشريعات المتعلقة بذلك. حتى أن بعض عمليات الترميم لم يتم استكمالها نتيجة رفض المسلمين، فضلاً عن تحول هذا الرفض إلى أعمال عنف أحياناً.

الأردن

 في أغسطس الماضي، استقبل الأردن نحو 8000 آلاف مسيحي عراقي ممن هجروا قسراً، في خطوة رحبت بها المرجعيات المسيحية، وأكّدت أنّها دليل على أصالة التسامح بين المسيحيين والمسلمين في الأردن. وخلافاً لدول الجوار، توصف العلاقات بين المسيحيين والمسلمين بأنّها "حسنة" بشكل عام.

ويحظر الدستور الأردني التمييز على أساس الدين. وعلى الرغم من أن الإسلام هو "دين الدولة"، لكنه ينصّ على حرية ممارسة شعائر الدين طبقاً للعادات، ما لم يكن ذلك يخالف النظام العام أو الآداب العامة.

يحظر القانون التحول من الإسلام إلى المسيحية أو إلى أي ديانة أخرى، ولا يتم الاعتراف بزواج المسلمة من غير المسلم أو المسيحي، بينما تبيح التشريعات عكس ذلك. يضطر غالبية المتحولين عن الإسلام إلى ديانات أخرى إلى إخفاء تخليهم عن الإسلام خوفاً من الوصمة الاجتماعية. مثلاً، شهد العام الماضي مقتل فتاة على يد والدها في مدينة عجلون، بعدما علم الأب المسيحي باعتناق ابنته الإسلام، ما تسببّ بأعمال عنف محدودة في المحافظة، شمال الأردن. 

تبقى العلاقات بين المسلمين والمسيحيين سلمية عادة، إلا أن خيار الهجرة يبقى متاحاً لدى نسبة كبيرة من المسيحيين في الأردن، لا سيما بسبب الخوف من دائرة العنف في دول الجوار. فبحسب دراسة للكنيسة الكاثوليكية، تراجعت نسبة المسيحيين في الأردن من 12% عام 1956، إلى 3% عام 2012 وتعدّ الهجرة سبباً رئيساً لهذا الانخفاض.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image