لا تخفي سامية الساحلي سعادتها، وهي تستعد وشقيقتها لزيارة كنيسة "بيت لحم"، للصلاة والاحتفال بعيد الميلاد المجيد. تستمد سامية تفاؤلها من أن عمرها الخمسيني يشفع لها عند الإسرائيليين للدخول إلى أراضي "الضفة الغربية"، عبر معبر بيت حانون " إيريز"، الذي يتحكم الإسرائيليون فيه.
تقول الساحلي: "سعيدة جداً أنني سأصلي في كنيسة المهد، فهي مكان حج المسيحيين، ومكان ميلاد المسيح، ويأتي إليها السياح من كل بقاع الأرض". لكنها لا تنكر تخوفها بسبب اشتعال الانتفاضة منذ أكتوبر الماضي، في مدن الضفة.
وأكد غبطة بطريرك القدس اللاتيني فؤاد الطوال لرصيف22 أن "العام 2015 حمل اعتراف دولة الفاتيكان بالدولة الفلسطينية كإنجاز نحتفل به". وأضاف: "أملنا في السنة الجديدة أن تكون سنة الرحمة والمحبة والتعاون، وأن نتشارك المحبة والوحدة الوطنية والشعور بمن تألموا وتهجروا، وهدمت بيوتهم".
يضع الاحتلال الإسرائيلي شروطاً تمنع المسيحيين من سن 16 حتى 35 عاماً، من مغادرة القطاع إلى مدن الضفة الغربية للصلاة أو الاحتفال بالأعياد أو زيارة الأقارب.
ساندرين صلّيبا (29 عاماً)، لم تستطع الخروج من غزة إلى الضفة لقضاء الأعياد في كنيسة المهد ببيت لحم. وعن استعداداتها لاستقبال الأعياد في غزة، قالت: "الطقوس منذ سنوات محدودة جداً، وتقتصر على تزيين شجرة الميلاد، والصلاة في الكنيسة، وتبادل التهانئ والزيارات بين الأقارب والأهل". وتشير إلى أنها زارت كنيسة المهد للمرة الأخيرة عام 2007.
يقول جبر الجلدة مدير العلاقات الدينية في كنيسة الروم الأرثوذكس في قطاع غزة، إن "إسرائيل سمحت هذا العام لنحو 660 مسيحياً ومسيحية من أصل 700 تقدموا للحصول على تصاريح للدخول إلى الضفة للصلاة، ويتوقع خروجهم في 23 ديسمبر عبر معبر بيت حانون إيرز".
لقد قلّت أعداد المسيحيين في قطاع غزة كثيراً، خلال السنوات العشرة الأخيرة، ويوجد في القطاع نحو 1200 مسيحي ومسيحية، ينتمي غالبيتهم لطائفة الروم الأرثوذكس، ونحو 20 شخصاً للطائفة المعمدانية، والبقية للبطريركية اللاتينية. بينما كانت أعدادهم في منتصف التسعينات تزيد عن 5 آلاف. وبسبب تدهور أوضاع القطاع الأمنية والسياسة والاقتصادية، غادر الكثير منهم غزة، واستقروا في مدن (بيت لحم، وبيت ساحور، ورام الله )، وعدد في الدول الأوروبية.
ولا تخفي ساندرين، المتزوجة ولها طفل، أنها تفكر وعائلتها في الهجرة من القطاع، إلا أن إغلاق المعبر يقف عائقاً كبيراً أمام تحقيق حلمها.
سراج عزّام شاب مسيحي من غزة، درس الهندسة المدنية في مصر، وعاد إلى القطاع منذ عام، إلا أن حصوله على فرصة عمل دائمة شبه مستحيلة. فهو يعتمد على العمل القصير الأمد المعروف بـ"نظام البطالة" في غزة، ما يجعل مستقبله غير مستقر، بل يضطره حتى إلى تأجيل فكرة الارتباط. كما أفصح عزام عن سبب آخر لتأخير الزواج وهو أن الشباب المسيحيين في سنه يعانون من قلة عدد الشابات في سن الزواج، ما يجعل خياراتهم محدودة جداً. يقول إن "الارتباط بفتاة مسيحية هنا صعب لقلتهن، فمن غير المعقول أن ارتبط بفتاة في عمر 14 سنة". وهو يرسم مستقبله أيضاً خارج غزة، ويفكر في الهجرة إلى الخارج والارتباط بفتاة من ديانته هناك.
التعايش الإسلامي المسيحي
في التسعينات، الفترة التي تولّت فيها السلطة الفلسطينية في غزة بموجب اتفاق أوسلو، كان للمسيحيين احتفالات خارج حدود الكنائس. فكانت شجرة الميلاد تُزين وتضاء في ساحة الجندي المجهول وسط قطاع غزة، بحضور مسلمين وشخصيات رسمية فلسطينية. إلا أنه منذ سيطرة حماس على القطاع، أصبحت هذه الطقوس طي النسيان. واكتفوا بالصلاة في الكنيسة وفي حدود مغلقة، كما يقول سراج.
وفي المدرسة المسيحيّة التي تعمل فيها ساندرين، غالبية الطلاب من المسلمين، وعدد المسيحيين قليل. تقول إحدى المدرسات، وهي مسلمة ترتدي الجلباب، رفضت الكشف عن اسمها: "لا أجد فرقاً في التعامل بيننا، منذ 20 عاماً أعمل هنا، وأحتفظ بعلاقات جيدة مع زميلاتي المسيحيات وأزورهن في الأعياد، وأبارك لهن، وهن أيضاً يباركن لي في أعيادنا".
ساندرين لا تعاني أيضاً من أي مشاكل في التكيف والتعايش مع المسلمين. تقول: "جيراني مسلمون، وأكثر صديقاتي من المسلمات، نتبادل التهانئ بالأعياد الخاصة بالمسيحية والمسلمين".
ويلفت الجلدة، الذي يعمل مدرساً لمادة التربية الدينية المسيحية في مدرسة "الروم الأرثوذكس"، التي تقدم خدماتها للطلاب المسيحيين والمسلمين، إلى أن في المدرسة "600 طالب وطالبة من بينهم فقط 60 مسيحياً ومسيحية، والبقية مسلمون". وأشار إلى أن كثيراً من المسلمين يشاركونهم احتفالاتهم ويبادرون بالزيارات، وأنهم أخذوا بعض عادات المسلمين في أعيادهم كصنع الكعك والمعمول.
ينفي الجلدة وسراج أن يكون هناك تمييز في معاملة المسيحيين الأقلية في مجتمع الغالبية المسلمة في غزة. ويعللان غياب الاحتفال خارج الكنيسة في أعياد الميلاد، بأن الحكومات تغيرت، ولا يوجد مبادرات لإعادة هذه الطقوس، وأن ذلك لن يحوز اهتمام الحكومة، إذ هناك مشاكل وقضايا ذات أولوية بالنسبة إليها أهم من إضاءة شجرة الميلاد أو المسيرة الكشفية.
فراس الغول شاب مسلم من غزة، ليس لديه أصدقاء مسيحيون، لكنه يحرص هو وأسرته على شراء وتزيين شجرة الميلاد، من أجل الزينة وإدخال البهجة إلى البيت. ويشير إلى أن سلوكه هدا يقابل بالرفض من بعض أصدقائه من تيارات دينية أخرى. ويقول:"كل عام أنشر صورة شجرة الميلاد في أحد أركان البيت على صفحتي على Facebook فيستنكر أصدقائي، ولكنني لا أهتم لما يقولونه".
تتزين في هذه الأيام المحال التجارية في القطاع، وتنتشر أشجار عيد الميلاد، وزي "سانتاكلوز" وبعض الزينة. إلا أن هذه الاحتفالات تبقى محدودة في ظل مجتمع مسلم محافظ، تسيطر عليه حكومة هي امتداد لإحدى الحركات الإسلامية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...