من مجد غابر إلى "حلم لا بّد سيتحقق". هم أبناء سام بن نوح من آشور "صنع يدي الله"، كما ورد في سفر أشعيا، وأحفاد الملوك الآشوريين. يقولون إنهم أرباب المسيحية الأوائل، وأرباب الحرف والحرب والشرائع والوقت أو التوقيت.
يبلغ عدد الآشوريين في العالم بضعة مئات آلاف الأشخاص، يتوزعون على مناطق مختلفة بين سوريا والعراق وإيران، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، ناهيك بالمشتتين في مختلف دول العالم بأعداد متفاوتة، كما ذكر الخور-أسقف في كنيسة المشرق للآشوريين في لبنان يترون كوليانا، لرصيف22. وتختلف المصادر الآشورية المختلفة حول الأعداد الدقيقة، نظراً لهجرة الكثيرين.
شتات توحّده "السورث"
ما شتت الآشوريين في مختلف أصقاع الأرض لم يشتت لسانهم. فهم ما زالوا يتخاطبون بالآشورية في ما بينهم. "السورث" لغتهم منذ آشور بانيبال وسرجون وسنحريب ملوك المجد الغابر. هي لغتهم قبل أن تكتب أو يرمز إلى أصواتها ومفرداتها بالحرف المسماري ثم بالحرف الآرامي الذي به تكتب إلى اليوم.
ولكن هل الآشورية هي السريانية؟ يوضح كوليانا أن الآشورية هي نطق آشوري بحروف آرامية، بينما السريانية حروف آرامية ونطق آرامي. والفرق؟ يضرب الخبز مثلاً: فهو في الآشورية أو "السورث" لخما، بينما في السريانية الشرقية (لغة الكتب الآشورية) لحما، أما في السريانية الغربية فهو لحمو. إذن هي لغة واحدة بلهجات مختلفة.
حفظ الآشوريين لغتهم، فحفظتهم وحفظوا معها تراثاً عريقاً من الفكر الإنساني. ولا يخفى دور اللغويين والعلماء الآشوريين في نهضة العرب من خلال مساهمتهم الأساسية في حركة الترجمة والنقل، إذ نقلوا فكر الإغريق وكتبهم إلى العربية عبر لغتهم، كما نقلوا إليهم الكثير من العلوم، وتلمع هنا أسماء كثيرة منها حنين بن اسحق وجبريل بن بختيشوع وابنه بختيشوع وحفيده يوحنا.
أسامينا ما تعبوا أهالينا
للآشوريين أسماؤهم التي يتميزون بها أنّى حلّوا على سطح الأرض. هي المنطلق والتاريخ والمجد والحاضر والمنتهى. الذكور يُسمّون: سرجون، شرفون، يترون، سنحريب، بانيبال، آشور، أسرحتون، بابل وأخيقار. هي أسماء وزراء وفلاسفة وملوك يعيشون في كتب التاريخ، وكأن عقارب الساعة تشير إليهم لا إلى مرور الزمن. من عندهم ينطلق الزمن وإليهم يعود.
كيف لا والآشوريون هم أسياد الوقت والتوقيت، اذ يشير الخور-أسقف كوليانا إلى أن أول توقيت عرفته البشرية هو توقيت آشوري قمري يختلف عن توقيتنا القمري بإتمام شهرهم الثلاثين يوماً لا تزيد ولا تنقص.
أما الإناث فأسماؤهن على اسم أول ملكة على الأرض وكانت آشورية. وهنا يذكر كوليانا أن الآشوريين هم أول من ساوى بين المرأة والرجل، ومن هذه المساواة حكمت شميرام (سميراميس) حوالى عام ألف قبل الميلاد. ومنذ ذلك الحين انتشر الاسم. أيضاً يطلق الآشوريون على بناتهم أسماء جدّاتهم: اشباكيني وآتور ونينوى.
أمّا أسماء العائلات، فلم تتغيّر منذ المملكة العشرونية التي أسسها في الرّها أو أورفا التركية عشرة من قادة الجيش الآشوري الذي هُزم أمام الفرس فرفضوا الاستسلام وآثروا تأسيس دولة قوميّة هنالك. وأبرز أسماء العائلات معنو وأبجر التي منها أبجر اوكاما الخامس الذي كان ملكاً على الرها في عهد السيد المسيح وكان أسود البشرة وبه داء البرص فأرسل إلى المسيح ثلاثة موفدين كي يأتي إليه ويشفيه مقابل نصف مملكته.
أول معبد وأول كنيسة على الأرض
آمن الآشوريون بالمسيح وهو بعد في المهد. وقبل أن يصعد إلى السماء أنشأوا أول معبد على الأرض باسم معبد العذراء مريم. هنا يستطرد كوليانا شارحاً: المجوس أو الفرس الذين اتبعوا النجم إلى مهد المسيح حيث سجدوا وقدموا له الهدايا، هم في الواقع آشوريون. دليله على ذلك ازدهار علوم الفلك في بلاد ما بين النهرين وتحديداً في آور كلدو التي تعني في الآشورية واضعة الوقت أو محددة الوقت.
واسم أحد هؤلاء كما ورد في مختلف الكتب "شلمنصر" وهو اسم آشوري. وذاع في كتب التاريخ أنهم فرس أو مجوس لأن الفرس كانوا هم الحاكمين عهداك.
أكثر من ذلك يقول كوليانا: حين عادوا إلى ما بين النهرين قاموا بتشييد معبد العذراء مريم في جنوب شرق العراق غير بعيد عن الحدود الإيرانية في طيسفون، معبد لا كنيسة، إذ كان المسيح بعد في نعومة أظافره.
لا يكتفي الآشوريون بهذا السبق. يضيف كوليانا: أول كنيسة في العالم وهي الكنيسة الجامعة التي بناها بطرس الرسول، بُنيت في بابل. دليله على ذلك ما ختم بطرس به رسالته وما زالوا يرددونه إلى اليوم: "لكم مني سلامي ومن كنيستي المختارة في بابل وابني مرقس".
المفسرون واللاهوتيون والمؤرخون ذهبوا إلى القول إن كنيسة بطرس شُيّدت في روما وما قول بطرس الرسول إلا تشبيهاً لروما ببابل، وهو ما يتحفظ عليه الآشوريون ويردّونه. برأيهم كانت تلك الكنيسة هي الكنيسة الجامعة في البدء ثم الكنيسة المشرقية ثم اختلف أهل اللاهوت والتفاسير والفلسفة وبدأت الانشقاقات.
"لسنا النسطورية"
آمن الآشوريون منذ البدء بلاهوتية المسيح التي من الله وناسوتيته التي من السيدة العذراء. وهم على إيمانهم ومعتقدهم هذا منذ البدء إلى يومنا، بحسب كوليانا.
وقال: "أما النسطورية فتهمة الصقت بنا. لم نعرف نسطوريوس ولم نؤمن به ولا اسمه يرد في تاريخ كنيستنا. لم ندنه ولم نحاكمه فنعتونا بالنساطرة، ثم نعتْنا الناعتين باليعاقبة وهكذا. اتهمونا فاتهمناهم، وفي الحقيقة لا هم يعاقبة ولا نحن نساطرة".
حمل الآشوريون المسيحية إلى أقاصي الشرق. بشرّوا بها في إيران وأفغانستان ومنغوليا والصين، ووصلوا بها إلى اليابان، وذلك قبل المبشرين بقرون.
وقد اعتلى من تلك الدول عديدون سدة البطريركية، فتلمع في تاريخ كنيسة المشرق للآشوريين أسماء بطاركة من الصين ومنغوليا وأفغانستان وغيرها.
نينوى، الوطن الحلم
من آشور كان المنطلق وإليها المنتهى. وآشور في الآشورية القديمة معناها البداية. هي عاصمة الآشوريين الدينية والثقافية وتقع قرب نينوى عاصمتهم السياسية التي منها حكموا سوريا الطبيعية ذات يوم وربما من اسمهم أتى اسمها، ووصلوا إلى مصر غرباً وهضبة الأناضول شرقاً.
أسس الآشوريون أكثر من مملكة في بلاد ما بين النهرين وصولاً إلى اورفا التركية أو الرّها. تتداخل الحوادث التاريخية تداخلاً يصعب معه تحديد فترات زمنية تاريخية محددة. لذا يطلق الخور-أسقف كوليانا اسم الرافديين على كل أهل حضارة ما بين النهرين. فسومر وآشور وبابل وأوركلدو مكان واحد، بمعنى ما وحضارة واحدة. توارثوا الشرائع والقوانين والآلهة والعادات عينها. والممالك والإمبراطوريات التي قامت في تلك الحقبة آمنت بالآلهة ذاتها وتكلمت اللغة نفسها وأضاف إليها كل بحسب اجتهاده أو تطوره.
إلا أن كوليانا يغلّب عليها اسم الآشوريين لان حقبتهم كانت الأطول بما لا يقاس، إذ لم تتجاوز الحقبات الأخرى الخمسة قرون بينما امتدت الحقبة الآشورية طوال ألفي عام تقريباً.
عُرف الآشوريون بالشدة والبأس وهم شعب محارب على مرّ العصور. طوّروا في شريعة حمورابي وحددوا وفصّلوا فيها. اجتهدوا في علوم الفلك والزمن وبرعوا فيهما وابتكروا أول توقيت قمري قبل الميلاد. وكان من آلهتهم الشمس والقمر.
كذلك برع الآشوريون في الطب والترجمة إبان الخلافات الإسلامية المتعاقبة. ويحتفل الآشوريون إلى الآن برأس السنة الآشورية في الأول من نيسان من كل عام ويعرفونه بعيد الـ"أكيتو".
كذلك يحتفلون بعيد الشهيد الآشوري في السابع من آب، وهو عيد انبثق من دماء الشهداء الآشوريين الذين سقطوا بضربات الحكومة العراقية مدعومة بسلطات الانتداب البريطاني في ذلك اليوم من عام 1933، يوم خرجوا مطالبين بإقليم مستقل أو بحكم ذاتي في نينوى، الوطن الحلم حيث الجذور، والذي يؤمن كوليانا كما كل الآشوريين بأنه سيكون حقيقة ذات يوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.