تواجه الطالبات المحجّبات تحدّيات عدّة منذ اللحظة التي يقرّرن فيها خوض غمار تجربة التمثيل المسرحي في معاهد الفنون الجميلة. الصعوبات تنجم عن طبيعة المواد التعليمية الأكاديمية وطبيعة الالتزام الديني بالحجاب وعمّا بين الطبيعتين من تعارض.
أصول المسرح تخالف قيود الدين؟
تمتنع الكثير من الفتيات المحجبات عن اختيار اختصاص المسرح لأن تعلّمه يفرض الاحتكاك بين جسد الشابات والشباب في الحصص التدريبية. وقال أستاذ التمثيل والإخراج في معهد الفنون الجميلة بطرس روحانا لرصيف22: "إن دراسة التمثيل لا تقتصر على التعبير الكلامي، بل تتضمّن الاختلاط في التعبير الجسماني بصورة فرديّة أو ثنائيّة أو أكثر، وهو أمر غير مقبول بالنسبة للطلاب الملتزمين دينياً بصرف النظر عن جنسهم".
وأضاف: "الفصل غير متاح بحسب الشروط الأكاديميّة المُلزِمة الهادفة إلى إتقان مهنة التمثيل، وهذا ما يجعل من الانخراط في التمارين التمثيليّة والتدريبات الجسمانية وارتداء الأزياء الخاصة بها وصولاً إلى الأداء أمام الجمهور أو التمثيل أمام الكاميرا شأناً مخالفاً للالتزام الصارم بقيود الدين".
مقالات أخرى
الرقص الشرقي، الفن المهدد بالانقراض
هل حرّر الإسلام المرأة أم وضعها قبله كان أفضل؟
في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق لا توجد محجبات في اختصاص المسرح. تختار المحجبات قسم الديكور أو الموسيقى أو قسم الدراسات المسرحية النظرية كالنقد الفني. وقال المخرج المسرحي السوري فرحان الخليل لرصيف22: "العلاقة بين المسرح والإنسان هي علاقة حرية بلا شك، وبرأيي، يُناقض الحجاب مفهوم الحريات في المسرح لأنه يساهم في عزل الأنثى ويبعدها إلى حدّ ما عن المسرح باستثناء أن تكون متلقية، قارئة أو مشاهدة، للأعمال الدرامية"، وأضاف: "كحالة احتراف في المسرح السوري، لم تكن هنالك إطلاقاً ممثلة محجبة. هنالك ممثلات كنّ يعملن بالمسرح وتحجبن، لكنهن اعتزلن بعد ذلك".
ورأى الخليل أن الحجاب لا يمنع أي أنثى من ممارسة فن التمثيل المسرحي "شرط أن تكون قادرة على الدفاع عن حبها للتمثيل وأن تقتنع بالحجاب والتمثيل معاً كي لا تقع في تضارب لأن المسرح يستوجب الجرأة والاحتكاك بين الجنسين والملامسة وربما القبل أيضاً إذا استدعت الضرورة الدرامية".
اخترن المسرح والحجاب معاً
فاطمة بزي قرّرت التوفيق بين المسرح والحجاب. وقالت الطالبة في السنة الثانية في قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة: "في ما يتعلق بالتمثيل، نلت أعلى علامة في الامتحان وأدّيت مشهد أم وابنها بمشاركة زميلي في الصف ولم يكن هناك أي احتكاك جسدي بل اعتمد المشهد على الصوت وتعابير الوجه والحضور الشخصي وغيرها من المعايير المسرحية". وأضافت: "لن أتخلى عن حجابي أبداً ولا عن دراستي للمسرح وأستطيع بطريقتي الخاصة أن أوفّق بين التزامي الديني بالحجاب والمسرح".
فاطمة لا تصافح باليد وتلبس لباساً شرعياً فضفافاً في أوقات التمارين. وقالت إن بإمكانها تأدية أدوار بطريقة مميزة تدفع المتلقي إلى الاقتناع بما تؤديه مع احترام الحدود التي وضعها لها حجابها، وذلك من خلال سدّ الثغرات بأساليب عدّة. وأكّدت فاطمة أن الأساتذة في المعهد يحترمون حجابها ويقدّرون التزامها بحدود معينة وأضافت: "أضع لنفسي حدوداً لا أسمح لأحد بتخطيها، وأثق بموهبتي في التمثيل وهذا يجعل أساتذتي يؤمنون بي". واعتبرت أن "الحجاب ليس عائقاً أمام النجاح في اختصاص المسرح"، لكنها نصحت المحجبات بالاقتناع بما يفعلن، وبأن لا يسمحن للمجتمع بالضغط عليهنّ وألا يسمحن للبيئة الجديدة التي سيدخلن إليها بالتأثير على التزامهنّ الديني بالحجاب.
في المقابل، لم تستطع فاطمة شاهين الالتحاق بدراسة المسرح أكاديمياً في معهد الفنون برغم أنها من عاشقات المسرح. لكنها شاركت في بعض التدريبات والأعمال المسرحية الخاصة. وقالت: "وجدت من أهلي الكثير من التشجيع، ووجدت من الجمهور تعليقات تشجعني على الخوض في عالم المسرح"، وأضافت: "كوني اخترت أن يكون الحجاب جزءاً من كياني الشخصي، فهنالك اعتبارات أتقيد بها لأجل الحجاب وأستطيع القول إن حجابي لم يمثل مشكلة بالنسبة إليّ، بل أرى أن المسرح ساحة من ساحات حياتي".
قيود الحجاب تستمر بعد التخرّج
سارة قصير هي أول فتاة محجبة تخرجت من اختصاص المسرح في معهد الفنون الجميلة في لبنان، عام 2004. حالياً تعمل في حقل التمثيل والإخراج. وقالت: "كنت أتابع خطوة بخطوة مع المرجع الديني لأخذ الأحكام والفتاوى كي لا أتجاوز الحدود الشرعية لالتزامي الديني الأصيل".
وأضافت: "كنت أؤدي بعض المشاهد الفنية أثناء دراستي بالشراكة مع فتيات أخريات أو بمفردي، ودائماً كنت أجد حلولاً إخراجية مناسبة للصعوبات التي تواجهني. فكنت أقوم بخياطة ثياب خاصة فضفاضة لا تظهر تفاصيل جسدية وتسمح لي بحرية الحركة. وأحياناً كنت أنتظر خروج جميع الشباب من القاعة لأقدم عملي الفني. وكنت أفضّل تسجيل المواد بإشراف أساتذة نساء لأن بعض المواد كانت تسبّب لي موقفاً حرجاً كبعض المشاهد التمثيلية التي تتطلب احتكاكاً جسدياً والرقص والتايكواندو والجمباز".
سارة تعرّف عن نفسها بأنها متدينة إلى أقصى الحدود ومنفتحة إلى أقصى الحدود، ولا يمكن أن تتنازل عن مبادئها الدينية. ولذلك رفضت الكثير من العروض الفنية في لبنان والخارج لأنها لم تقبل شروط العمل الفني مع بعض المخرجين، ولأنها لا تستطيع فرض رأيها على المنتجين واختيار الأدوار بما يتناسب مع مبادئها. وقالت سارة إنها دخلت المسرح "من أجل خدمة بيئتي ومجتمعي والمحيط الذي أعيش فيه لأنه بحاجة إلى المسرح، فأنا أكرس كل سنة شهراً كاملاً لكتابة وإخراج مسرحية عن الحجاب في الاحتفالات التي تقام لتكليف الفتيات بالحجاب، إضافة إلى مشاركتي في المناسبات الدينية الأخرى كالمولد النبوي وواقعة كربلاء والأعياد الدينية، وبالتأكيد لدي أهداف اجتماعية وسياسية أطرحها، وطبعاً من خلال رؤية إخراجية خاصة".
لا حدود أمام الرقص
كما بالنسبة للتمثيل المسرحي، كذلك بالنسبة للرقص. وبرأي مؤسس مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر، الكوريوغرافي عمر راجح، "بمجرد البدء بوضع الحدود على الرقص فإننا نبدأ بكسر فكرة أساسية وهي الحرية، فالحجاب يضع قيوداً أمام العمل الفني وأمامي كمصمم للرقص وأمام الراقصة لأنه يجب عليها الالتزام بحدود معينة والانتباه إلى كيفية التعامل مع جسدها على المسرح، وهذا يؤدي إلى تحديد عملية الخلق والإبداع للعرض الراقص".
وقال راجح إن "النقطة الأساسية هي كيفية التوفيق بين فكرة الرقص وفكرة الإيمان الديني. فالدين إيديولوجيا والرقص نظرة تمرّدية للحياة، والبحث هو عن مدى توافق هاتين الفكرتين أو تعارضهما". وأكّد أن "الراقص يميل إلى التمرّد وكسر الحواجز المفروضة عليه لجهة الحركة والفكرة والموضوع والقضية التي يود إيصالها". مع ذلك، لا يمانع راجح في انخراط الراقصات المحجبات في أعمال فنية راقصة "لكن يجب التفكير بهذه الحدود من قبل الراقصات كي لا يتحول الرقص إلى سجن بدل أن يكون مساحة للتعبير والحرية".
صعوبات في سوق العمل الفنّي
هنالك صعوبات أمام انخراط المحجبات في سوق العمل الفني. وقال مصمم الرقص الفولكلوري ومدير فرقة البيارق بسام أبو دياب: "لا يمكن أن تعمل الفتيات المحجبات في فرقتي، ولم ألاحظ وجود محجبات في الفرق الأخرى. أما مشاركة المحجبات فتكون في المدارس والجمعيات والأندية وبعض القرى وهي فرق للهواة وغير محترفة".
وأضاف: "الأزياء الراقصة تكون عارية عند الكتفين واليدين والبطن أحياناً، والماكياج أساسي لجمالية الرقصة واللمس، وتشابك الأيدي ضروري بين الراقصين، وغالبية عملنا في الأعراس ليلي ونبقى إلى ما بعد منتصف الليل". وتابع: "حتى الزبائن الذين يطلبوننا للرقص في أعراسهم وحفلاتهم يرفضون الفكرة، أو على الأقل يرونها غريبة، لأنهم يعتقدون أن جمالية العرض الراقص أولوية".
الصورة الرئيسية: هبة عوض، راقصة باليه محجبة من تكساس
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 17 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت