عرف المصريون القدماء تعدد الزوجات ومارسوا هذا الحق الذي كفله لهم القانون لأسباب مختلفة بعضها سياسية وبعضها الآخر اجتماعية.
مصاهرة سياسية
مارس المصريون القدماء تعدد الزوجات في كل عصور الدولة القديمة، ولكن في حدود ضيقة، قال الدكتور عبد الحليم نور الدين عالم المصريات وأستاذ الآثار المصرية في جامعة القاهرة لرصيف22. وشرح أن المألوف كان زواج الرجل بامرأة واحدة فقط لا سيما أن المصري القديم كان يحترم زوجته ويعاملها معاملة كريمة ولم يسعَ إلى الزواج بأخرى إلا لأسباب خاصة مثل الإنجاب، وإذا اضطر إلى ذلك فكان عليه أن يعوّض زوجته الأولى عما أصابها من أضرار. وبرغم أن تعدد الزوجات كان مباحاً لكل المصريين القدماء، فإن الظروف الاقتصادية قد حدّت منه، فأضحى مقصوراً على الأسرة الملكية وطبقة النبلاء والأثرياء القادرين على تحمّل تبعات هذا الأمر مادياً، وإن كان هذا لا يمنع من القول إن التعدد كان معروفاً في الطبقات الوسطى والفقيرة كذلك، حسبما أوضح نور الدين. وأشار أستاذ الآثار المصرية إلى أن تعدد الزوجات بالنسبة للملوك، سواء من داخل القصر الملكي أو من دول أخرى، وقفت وراءه أسباب سياسية كتوطيد أواصر الحكم وتحسين علاقة مصر بالدول المجاورة، من خلال اتخاذ الملك بجانب زوجته الشرعية (الملكة) زوجات أخريات. لكن لم يكن يحق لهؤلاء وراثة العرش. ومن هنا ظهرت علاقات مصاهرة ونسب بين ملوك الدولة القديمة وبين كبار رجال الدولة وحكام الأقاليم. وأبرز الأمثلة على ذلك زوجات الملك "ببي الأول" ووالدات كل من "مرن رع" و"ببي الثاني"، فقد كانت تلك الزواجات جزءاً من المصاهرة السياسية لضمان ولاء هؤلاء الحكام وعدم حدوث ثورات. وفي هذا السياق أيضاً، تابع نور الدين، تزوّج الملك "خوفو" بأكثر من واحدة، كما أن الملك "تتي" مؤسس الأسرة السادسة كانت له زوجتان، وهنالك الملك أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة الذي تزوج من "بابل" و"ميتاني" و"آشور" إضافة الى زوجته "تي" المصرية، وهنالك "رمسيس الثاني" الذي تزوج كلاً من "نفرتاري" و"ايزة - نفرت" من مصر ثم ابنة "خاتوسيل" ملك الحيثيين". وكان التعدد مباحاً للأمراء أيضاً. فمن الأسرة السادسة هنالك الأمير "مروى - كا - رع" الذي تصوره النقوش محاطاً بست زوجات. وأوضح عالم المصريات أنه لم يرد في النقوش أو الحفريات الأثرية ما يشير إلى وجود ضوابط قانونية تحكم تعدد الزوجات، لكن شواهد أثرية تؤكد أن المصري القديم كان عادلاً بين زوجاته ولم يحتج إلى ضوابط أو قوانين تحكم ذلك.استحسان الشاميات
من جانب آخر، قال مدير إدارة التوثيق الأثري في وزارة الآثار المصرية نور عبد الصمد لرصيف22 إن تعدد الزوجات كان سائداً في كل عصور الدولة القديمة، وإن كان قد شاع أكثر في بعضها مقارنة بأخرى. وأشار إلى أن النصوص والنقوش والحفريات لا تبرز بوضوح أسباب الزواج الثاني أو الثالث عند عامة المصريين لأنهم كانوا بسطاء ولم يدوّنوا حياتهم في مقابرهم مثلما كان يفعل الملوك والنبلاء. وشاع تعدد الزوجات في الأسرة الثامنة عشرة إذ انتشر زواج المصريين من الشاميات. فقد أوضح عبد الصمد أنه في عصر هذه الأسرة امتدت حدود مصر إلى جبال الأناضول وضمت بلاد الشام، واستحسن الفراعنة الشاميات واستقدموهن إلى مصر، وتزوج الملوك والأمراء بهن، وانسحب الأمر على رجال الدولة ومنهم إلى باقي طوائف الشعب وهذا ما تبرزه النقوش في عدد من المقابر التي تتحدث عن حُسن نساء الشام.زوجات شرعيات
في دراسة بعنوان "القانون والأحوال الشخصية في كل من العراق ومصر 2050 - 332 ق. م. - دراسة تاريخية مقارنة"، قال الباحث الأثري الجزائري سعيدى سليم إن نظام تعدد الزوجات شاع في أواخر الدولة المصرية القديمة نتيجة لاختفاء المساواة بين الجنسين. وأضاف في دراسته أن النساء كنّ يشترطن في عقود الزواج العديد من الشروط التي تجعل من الطلاق شبه مستحيل من الناحية الواقعية كدفع مبلغ مالي ضخم لهنّ. وفي حالة التعدد، كانت جميع الزوجات شرعيات وأولادهن اعتُبروا أولاداً شرعيين، ويُنسبون إلى أبيهم، غير أن واحدة منهنّ كانت تتمتع بمركز يميّزها عن باقي الزوجات، ويطلق عليها لقب "ربة البيت" أو "الزوجة العظيمة"، حسبما أفادت الدراسة. وبجانب الزوجات الشرعيات، انتشر نظام التسري (التمتع بالجواري) إلى درجة أن الرجل كان يفاخر بعدد محظياته. والأولاد في هذه الحالة يعتبرون أولاداً غير شرعيين ويُنسبون إلى أمهم، وليس لهم نصيب في تركة أبيهم. وقد توخى بعض الأزواج إظهار العدل والمساواة بين زوجاتهم. وأوضح سليم أن ذلك ظهر في نقوش مقابرهم، حيث صوّر أحدهم زوجتيه من حوله تجالسانه معاً فوق مقعد واحد، وربما يعني هذا أنهما كانتا تعيشان معاً في مسكن واحد. كما ساد الود والتآلف بين زوجات الرجل الواحد، ودلت الدراسة على ذلك بـ"أميني" أحد نبلاء الدولة الوسطى الذي أنجبت له زوجته الأولى ثلاث بنات وولداً واحداً، أما الثانية فكان لها ولدان وخمس بنات. وقد أسمت زوجته "حنوت" جميع بناتها باسم الزوجة الثانية، وسمت الأخيرة بناتها باسم "حنوت"، وهذا يدل على مقدار الودّ الذي جمعهما. وأوضح سليم أن تعدد الزوجات ترك آثاراً سلبية على أهلية المرأة المصرية التي كانت تتمتع بمكانة متميزة في المجتمع، فكانت قادرة على إجراء جميع التصرفات القانونية دون إذن من والدها أو زوجها، وكان بإمكانها أن تملك ما تشاء وتتعاقد باسمها. إلا انه في عصر الانتقال الأول الذي شهد شيوع نظام تعدد الزوجات والمحظيات تناقصت هذه الحقوق، فأصبحت النقوش والتماثيل تصوّر لنا الزوجة في حجم أصغر بكثير من حجم زوجها كما تظهر أحياناً راكعة تحت قدميه في إشارة إلى خضوعها لسلطته. وكانت سلطة الرجل تنتقل بعد وفاته إلى الابن الأكبر أو إلى الوصي الذي اختاره الأب. وهكذا، اندرجت المرأة في عداد ناقصي الأهلية لا يحق لها أن تقوم بأي تصرف قانوني إلا بإذن من زوجها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...