شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مراجعة لرواية

مراجعة لرواية "الشراع المقدس"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 28 مايو 201605:35 م

يؤرّخ الكاتب القطري عبد العزيز آل محمود في روايته الثانية "الشراع المقدس" حقبة تاريخية مهمة في منطقة الخليج العربي، هي أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر. وهي فترة مجهولة نسبياً لنا، إذ لا توجد الكثير من المصادر التاريخية العربية التي اهتمت بالتأريخ لها.

هكذا يستعير الكاتب قلم المؤرخ وخيال الروائي، ليصنع رواية تاريخية عن المد البرتغالي في منطقة الخليج العربي، إذ أتت الأساطيل البرتغالية بأشرعتها المقدسة محاولةً السيطرة على طرق تجارة البهارات، فخاضت الممالك التي كانت في هذه المنطقة آنذاك، حروباً دموية للحفاظ على بقائها في وجه هذا المدّ الاستعماري.

تبدأ الرواية في مدينة "لزبن" Lisbon البرتغالية، الغارقة في الجوع والفقر، بسبب احتكار الأتراك العثمانيين للطرق التجارية وحرمان الآخرين مشاركتهم إياها. "أنتم تعلمون أن أوروبا انقطعت عن العالم بعد أن احتل العثمانيون القسطنطينية عام 1453، فلم نعد نستطيع معرفة ما يدور خلف تلك الأرض، وتعلمون أيضاً أن البنادقة قد عقدوا اتفاقيات مع العثمانيين تسمح لهم بالسيطرة على التجارة من الموانئ الإسلامية إلى أوروبا، (...) وإن لم نستطع كسر هذا الاحتكار فسنموت ببطء، فأنتم تشاهدون كيف أن خزائننا فرغت والناس في بؤس شديد".

يستدعي النبيل مانويل يهوديين اثنين لهما معرفة باللغة العربية، ويكلفهما مهمة جلب تقارير عن الساحل الشرقي لإفريقيا، وعن خط التجارة البحري الواصل بين الهند والخليج العربي. يغادر الرجلان البرتغال في رحلة شاقة، فيصحبنا المؤلف في ما يشبه أدب الرحلات إلى أكثر من منطقة، مضيئاً على جوانب من الأوضاع السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية في تلك الفترة البعيدة من الزمن.

مقالات أخرى

سلسلة #أدب_السجون في العالم العربي

ما تيسر من سيرة كُتّاب وكتب الرعب في مصر

تدين الرواية الحروب التي تتلطى تحت رداء "الدين"، بينما تكون أهدافها مختلفة كلياً. فبعد وصول المعلومات عن الشرق تبحر السفن البرتغالية رافعةً أشرعتها المقدسة التي يعتليها صليب، ويقنع رجال الدولة الكبار العساكر أنهم ذاهبون في مهمة مقدسة للتبشير بالمسيحية، في حين أن الحقيقة هي أنه لا مناص من استعمار المناطق التي يمر بها طريق التجارة، كي يتمكنوا من السيطرة عليه، وإنقاذ المملكة البرتغالية من الفقر والجوع اللذين ينتشران فيها. هكذا يبدأ التدمير لأجمل مدن الساحل الإفريقي والخليج العربي، ويحلّ الخراب فيها بسبب الأطماع الدنيوية، وينتشر الظلم والفساد. "يصرخ وزير هرمز في وجه البوكيرك البرتغالي: منذ أن وصلتم إلى ديارنا ونحن نعيش في بؤس دائم، لقد أفسدتم علينا حياتنا، ودمرتم مملكتنا، وصادرتم أموالنا، لقد أصبحت هرمز خراباً بعد أن كانت مركز الدنيا، لقد دمرتم أخلاق البشر قبل أن تدمروا حياتهم، إنكم وحوش أرسلكم الشيطان إلينا، لقد شاهدنا الموت في أشرعتكم التي ساقتكم إلى شواطئنا!".

لا شك أن أبرز ما يميّز هذه الرواية هو الجهد البحثي المبذول للإحاطة بجميع جوانب تلك الفترة التاريخية الشائكة، خصوصاً أن البقعة الجغرافية التي تجري الرواية فيها كبيرة نسبياً، إذ تؤرخ أيضاً إلى الأيام الأخيرة في الدولة المملوكية، من خلال قصة صديقين يعيشان في معسكرات المماليك في مدينة الإسكندرية، تفرّقهما الأيام فيقود سليمان أسطولاً بحرياً للتصدي للبرتغاليين، قبل أن ينضم إلى العثمانيين ويصبح جندياً من جنودهم، في حين يشارك حسين في المعارك الدائرة بين المماليك والعثمانيين. ومن أجمل اللحظات في الرواية هي لحظة المواجهة بين الصديقين في مدينة جدة بعد هزيمة المماليك.

يستفيد الكاتب من التاريخ الشفوي أيضاً، فيضمّن روايته حكاية تراثية مشهورة تناقلتها الألسن، ثم دوّنت في المخطوطات، فيحبكها بمهارة مع بقية عناصر الرواية، وينشئ الخطوط الدرامية لها كي تتقاطع مع بقية الأحداث. وهي قصة ابن رحّال وزوجته حليمة مع الأمير الجبري، عبر حكاية خنجر قادم من الهند، يتمكن خادم الأمير الجبري من سرقته من غرفة حليمة، نقرأ فصولاً آسرة عن الحب والخيانة والانتقام. "إن هذا الخنجر لأحد ملوك الهند، صنعه من جواهر والدته وزوجته ليكون هدية للخليفة في القاهرة، وقد أحضره رسوله إلى السلطان مقرن حتى يوصله إليه، وقد تركه السلطان أمانة لدى ابن رحال، لأنه كان ذاهباً لإخماد الثورة في نجد، وأتوقع أنه سيطلبه منه في أي وقت. (...) لقد استطاعت فرح بحكم علاقتها بحليمة أن تسرقه وتسلمه لي، وطلبت مني عدم إخبار أحد عنه".

تُظهر الرواية أيضاً كيف استطاعت الحملات الاستعمارية، التي أتت إلى منطقة جانبي المتوسط، أن تخترق المدن الوديعة المسالمة التي يتعايش فيها الجميع، فتجعلها مدناً مسكونة بالخوف من الآخر.

عبد العزيز آل محمود هو كاتب قطري. حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة من جامعة "كلاركسون" في نيويورك، وعلى دبلوم في هندسة الطيران من بريطانيا. عمل رئيساً لتحرير صحف ومواقع إلكترونية عدة. وله روايتان: القرصان والشراع المقدس.

الناشر: دار بلومزبري - مؤسسة قطر للنشر/ الدوحة

عدد الصفحات: 510 

الطبعة الأولى: 2014

يمكن شراء الرواية على موقع أمازون Amazon.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image