بعد أكثر من 3 سنوات من نزوحهم عن بلدتهم، عاد نحو 800 من أبناء عشيرة العموش إلى بيوتهم في مايو الماضي، ليسدلوا الستار بذلك على أطول وأكبر جلوة عشائرية في الأردن.
بالرغم من إلغاء القانون العشائري في الأردن عام 1976، فإن التقاضي العشائري لا يزال يُطبّق في البلاد، بما في ذلك بنوده المتعلقة بـالجلوة العشائرية، التي تعني إبعاد أهل الجاني في قضايا القتل المتعمد وهتك العرض من منطقة سكنه إلى منطقة أخرى في المحافظة نفسها، أو اللواء وأحياناً إلى خارجهما، وهي عُرف بدوي الجذور. وغالباً ما يتمّ إجلاء أقارب الجاني وفق التفاهمات العشائرية، ويجري تطبيقها وفقاً للقانون من خلال الحاكم الإداري والجهات الأمنية.
تُطبّق الجلوة في الجرائم الواقعة على الحياة والعرض، وغالباً ما تطال أقارب الجاني حتى الجد الثاني Second cousin، ولكن في قضية عشيرة العموش، تم إجلاء الأقارب حتى الجد الثامن Eight cousin بناءً على إصرار عائلة الضحية، وهذا ما جعل من هذه الجلوة الأكبر في العقد الأخير. تعود جلوة العموش إلى العام 2012، حين وقعت مشاجرة جماعية قُتل على إثرها شخصان في منطقة الهاشمية في الزرقاء. وبعد تدخلات عشائرية وأمنية، حصل الاتفاق على أن تجلو عشيرة الجاني من المنطقة، خصوصاً أن عائلتي الجاني والمجني عليهما تقطنان في المنطقة نفسها.
مقالات أخرى
10 اعتقادات شعبية سائدة وحقيقتها
حين يكون الاسم سبيل الأقليات للحفاظ على هويّتها
يقول خالد العموش، أحد المتضررين من الجلوة، لـرصيف22: "غالباً ما يتمّ الحكم في الجلوة العشائرية على جلاء أقارب الجاني حتى الجد الثاني أو الثالث. وفي بعض الأحيان، يجري الاكتفاء بإجلاء الأقارب من الدرجة الأولى. لكن ما حصل معنا أنّه جرى إجلاء جميع أفراد العشيرة من المنطقة، فتضرّرت نحو 120 عائلة. تخيّل أن تجد نفسك يوماً مضطراً لمغادرة منزلك قسراً، ومن دون سابق إنذار، لأنّ شخصاً لا تعرفه، لكنك ترتبط به باسم العائلة، اقترف جريمة ما، أي منطق هذا؟". ويضيف: "اضطررنا إلى مغادرة منازلنا واستئجار بيوت في مناطق أخرى. ووقعت فترة الجلوة في ذروة اللجوء السوري إلى الأردن. فكان من الصعب الحصول على منزل ببدل إيجار معتدل، فضلاً عن اضطرار بعضنا إلى الانقطاع عن العمل، لا سيما من كان مكان عمله داخل منطقة الجلوة. وعملت القوى الأمنية أيضاً على استدعاء أطفالنا من صفوفهم المدرسية، ونقلهم إلى مدارس أخرى بعيدة حفاظاً على حياتهم".
وقال: "في البداية، اعتقدنا أنّ الجلوة ستدوم أسابيع عدّة أو بضعة أشهر كحدّ أقصى، لكنّها امتدت سنوات. ورغم صدور قرار قضائي قطعي بانتهاء الجلوة، لم يدخل القرار حيز التنفيذ من قبل الجهات الرسمية في الدولة. ونتيجة المماطلة قرّرنا جميعاً العودة إلى منازلنا في منتصف الليل، وهكذا حلّت المشكلة التي بقيت عالقة 3 سنوات".
بحسب الصحفي حسين العموش، يبلغ متوسط الجلوات العشائرية السنوية في الأردن من 10 إلى 15 جلوة سنوياً. ويقول: "ليس من المقبول أن ينظر إلى الأردن كبلد حضاري متقدم، وما زالت الجلوة العشائرية هي الحل السائد للكثير من الجرائم التي يرتكبها أشخاص". ويضيف: "<a الجلوة العشائرية ليست سوى عقاب جماعي، يطال أشخاصاً ليس لهم ناقة ولا جمل، وذنبهم الوحيد أنهم من أقارب المتهم". وتابع: "يتم الاحتكام في الجلوات العشائرية إلى وثيقة وقّعتها العشائر عام 1986 تحدد الجلوة بالأقارب للجد الثاني، لكن من الممكن أن تمتدّ لتشمل الأقارب من الدرجات الثالثة والرابعة أو حتى الأكثر بعداً". ويلفت إلى أن "هذه الجلوات تجري بمباركة رسمية، وتحت إشراف الجهات الأمنية. وبرغم السعي نحو تحقيق الدولة المدنية ومبدأ دولة القانون، تسعى السلطات كذلك إلى كسب رضا العشائر، عبر الاستمرار في تطبيق القانون العشائري الملغى".
في هذا السياق، يوضح القاضي العشائري بركات الزهير أنه "حين كانت تطبّق الجلوة في الماضي، كان شكل الدولة مختلفاً عن اليوم، إذ كان الترحال والانتقال من منطقة إلى أخرى نمط حياة طبيعي للناس، تحديداً البدو. ولم يكن الأشخاص مرتبطين بأماكن عمل محددة أو مدارس معينة لأطفالهم. اليوم باتت الحياة مختلفة، وببساطة لا نستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء". ويشير الزهير إلى أنه "مع ذلك استمر العرف العشائري المتعلق بمسألة الجلوة التي تُشكل، برغم سيئاتها، صمّام أمان لتفادي أي تبعات في العلاقة بين الطرفين المتخاصمين".
وحول أسباب استمرار العمل بهذا العرف العشائري القديم، يقول الزهير إن "طول إجراءات التقاضي وبقاء القضايا في المحاكم لسنوات تدفع بالناس إلى البحث عن إجراء فوري، وهنا تكون الجلوة الخيار الأنسب". ويتابع: "للأسف، نتيجة لضعف بعض الحكام الإداريين، يتم إساءة استخدام مفهوم الجلوة، كأن يمتد لسنوات طويلة كما حدث في جلوة العموش".
ويرى الزهير أنه "باتت هناك حاجة ماسة إلى التعامل مع الجلوة العشائرية بطريقة لا تسبّب الأذى أو تلحق الضرر بالأبرياء". ويؤكد أن "المطلوب اليوم أن تقتصر الجلوة على الشخص المعني أو أقاربه من الدرجة الأولى، وأن تحدد فترة الجلوة بفترة التحقيق في القضية، على أن يعود هؤلاء الأشخاص إلى مكان سكنهم الأصلي فور صدور حكم قضائي في القضية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...