في زمن ليس بعيداً، كانت الموسيقى اليهودية حاضرة بشكل قوي في حفلات الإذاعة والتلفزيون، والمناسبات الاجتماعية والوطنية والأعياد الدينية اليهودية. وتعريف الموسيقى اليهودية هنا نسبة إلى المطربين اليهود، الذين انتموا وعاشوا في المغرب. الاختلاف يكمن ربما في جرأة الأغاني التي طرحها هؤلاء المطربون في الساحة، والتي ما زالت تغنى إلى اليوم في حفلات الزفاف مثلاً.
كان اليهود المغاربة نجوماً في الغناء الشعبي، خصوصاً في الأربعينات والخمسينات، قبل أن يهاجر غالبيتهم إلى بلدان عدة بعد الصراع في فلسطين وما نشب عنه. وهذا ما أدّى إلى اختفاء هذه الموسيقى تدريجياً من الساحة الفنية المغربية، إلى أن ظهر مؤخرا فنانون مغاربة يهود، حاولوا إحياء هذا التراث خصوصاً عبر الموسيقى الأندلسية، التي تعود إلى القرون الوسطى، والتي يشترك فيها المسلمون واليهود، الذين طردوا آنذاك من الأندلس وذهبوا إلى المغرب.
هذه الموسيقى كانت رمزاً للتعايش والسلام بينهم، وكانوا يغنون بالعربية والأمازيغية والعبرية السفاردية، التي يستخدمها اليهود القادمون من إسبانيا وإيطاليا، وهي عبارة عن قصائد غزل وغرام، وقصائد دينية ذات طابع طربي أصيل، ولها مناسبتها الخاصة حتى يومنا هذا.
إحياء التراث اليهودي والتذكير بالتاريخ
فانيسا بالوما الباز تعمل جاهدة على إحياء هذا التراث وتقديمه إلى الجيل الجديد الذي لا يعرف عنه شيئاً. هي باحثة ومطربة يهودية مغربية، كولومبية وأمريكية مقيمة اليوم في المغرب، وبدأت سنة 2007 في إنشاء أرشيف صوتي يحتوي على مئات التسجيلات الموسيقية، والنتيجة كانت مشروع اسمه "خويا"، ويعني بالعامية المغربية "أخي"، كرمز للأخوة بين اليهود والمسلمين المغاربة، كما يعني "جوهرة" باللغة الإسبانية كدلالة على قيمة هذا التراث.
موسيقياً، تحيي فانيسا بالوما حفلات موسيقية في المغرب ودول أخرى، حيث تغني وتعزف على آلات مثل الهارب. وهي متخصصة في الموسيقى الأندلسية والأغاني اليهودية الإسبانية، وهذا راجع إلى أصولها الأندلسية وانتمائها إلى شمال المغرب، إذ يبدو ذلك أيضاً على الزي الذي ترتديه، والذي يعد رمزاً من رموز هذه المنطقة.
ماكسيم كاروتشي
أو حامل مشعل التراث اليهودي، كما يصفه بعض الصحافيين في المغرب، وهو كذلك فعلاً. ينتمي إلى أسرة موسيقية لها بصمتها الخاصة في الغناء اليهودي والموسيقى الأندلسية، وهو اليوم يعتبر امتداداً لوالده "كاروتشي المغربي"، وبقية كبار الموسيقى اليهودية، وآخر العنقود ربما. من مواليد الستينات في مدينة الدار البيضاء، سطع نجم ماكسيم سريعاً في حفلات في المغرب أو خارجها، هو معروف لدى الطائفتين المسلمة واليهودية، وله حضور قوي في حفلات وأماكن كثيرة في المغرب. ويكاد يكون الفنان اليهودي المغربي الوحيد، الذي يدعى في البرامج الموسيقية الخاصة بالطرب الأندلسي.
فرنسواز اطلان
هي فرنسية من أصول جزائرية وأندلسية، تمت دعوتها إلى مهرجان فاس للموسيقى الروحية سنة 1996 وغنت فيه إلى جانب عائشة رضوان، والأخت ماري كيروز على المسرح نفسه. والتقت في الوقت عينه بمحمد بريول، أحد كبار الموسيقيين الأندلسيين، وقررت أن تتلمذ على يده وتتعلم أصول الموسيقى واستقرت حينذاك في المغرب، حيث اجتمعت بفنانين مسلمين آخرين كبهاء روندا، وهي مطربة وعازفة، وسجلت ألبوماً كاملاً مع عازف العود الفلسطيني منعم عدوان، وأصبحت أيضاً المديرة الفنية لمهرجان الأندلسيات الأطلسية الذي يقام في مدينة الصويرة.
الموسيقى الشعبية المنسية
هؤلاء النجوم الشعبيون اختفوا تماماً في القرن الماضي، وذهب غالبيتهم في طي النسيان. ولا شك أنهم أنعشوا الساحة المغربية آنذاك، إذ كانت تلك الفترة ذهبية، وربما عاشت بعض أغانيهم إلى اليوم كأغنية "سيدي حبيبي". أيضاً هناك محاولات من مغنين شباب لتجديد بعض الأغاني كفيصل العزيزي، الذي غنى "هاك ا ماما" بتوزيع جديد، إلا أن غالبيتها أصبحت من الماضي، وأصحابها أيضاً، قد يكون آخرهم هو "حاييم بوطبول"، الذي أحيا حفلة عام 2014, بعد غياب طويل جداً، وكان هذا إنجازاً ومجازفة من القائمين على هذا الحفل.
"زهرة الفاسية" إحدى نجوم الأغنية الشعبية اليهودية، من مواليد صفرو (مدينة تقع في سفح جبال الأطلس المتوسط) عام 1905. بدأت بالملحون، أحد أنواع الموسيقى الأندلسية، لكنها انتقلت شيئاً فشيئاً إلى الأغنية الشعبية وحققت انتشاراً واسعاً عبر الراديو، وذاع صيتها وأصبحت نجمة في الجزائر أيضاً، وكانت أول مغنية امرأة تسجل أسطوانات في المغرب. أشهر أغانيها "سيدي حبيبي" و"وردة" و"الغربة والفراق"، وقد تعاونت مع مغنين آخرين كسامي المغربي.
برع سامي المغربي في أنماط موسيقية عديدة كالأندلسية والكلاسيكية والعصرية، درس في المعهد الموسيقي في الدار البيضاء. وفي الأربعينات بدأ مسيرته الغنائية التي امتدت إلى أواخر الستينات، وتخصص في الأغاني الدينية، وأصبح حاخام الكنيسة الإسبانية البرتغالية. لكنه عاد عام 2003 بألبوم جمع فيه نجاحاته السابقة، وظهر عام 2005 في برنامج تلفزيوني، وربما كان هذا آخر ظهور له قبل وفاته في 2008 في كندا.
عرفت الموسيقى اليهودية في المغرب نجوماً آخرين لمعوا في هذه الفترة كألبير سويسا، الأخوين بوطبول، سامي الهلالي، ريموندا البيضاوية وغيرهم، وقد اشتركوا مع المغنين المسلمين في أنواع موسيقية كثيرة وشاركوا معاً في حفلات وطنية، وكان لكل منهم لمسته الخاصة، وهم بالتأكيد جزء مهم من ذاكرة المغرب الموسيقية، وتراث قيم لهذا البلد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...