أعادت اتهامات رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران لإدارة نادي الوداد البيضاوي، القريبة من حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، بـ"البلطجة"، الحرارة إلى السجال الدائم حول علاقة الرياضة بالسياسة في المغرب.
ففي كلمة ألقاها أمام اللجنة المركزية للحزب في الرباط، بداية الشهر الجاري، ذكّر بنكيران، وهو أيضاً، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بواقعة هجوم ملثمين يمتشقون السيوف على مقر النادي، ملمحاً إلى أنه إذا كان فريق الوداد لجأ إلى بلطجية لحل مشكلة إدارية فكيف يمكن ائتمان حزب الأصالة والمعاصرة على بلد بأكمله؟لم يستسغ المسؤولون عن فريق الوداد هذا الكلام. وقال رئيس الفريق سعيد الناصري لرصيف22: "اقترف رئيس الحكومة جرماً كبيراً بهذا التصريح. وصراحة، كنت آمل ألا يقحم بنكيران نفسه في مثل هذه الأمور".
الناصري، وهو نائب في البرلمان عن حزب الأصالة والمعاصرة، أضاف: "استغربت كلام بنكيران كأنه كان ولا يزال يؤكد أنه لا يفقه شيئاً في الرياضة"، مشيراً إلى أن فريق الوداد هو فريق لكل المغاربة ولا علاقة له بالسياسة لا من بعيد ولا من قريب.
ما صرّح به رئيس الحكومة يدخل في إطار مسلسل حربه الباردة والساخنة مع أحزاب المعارضة، وفي مقدّمها حزب الأصالة والمعارضة الذي شبّهه بنكيران أخيراً بـ"الأصل التجاري الفاسد".
الرياضة وبرامج الأحزاب
بعد أسبوع على تصريحه، استغل بنكيران ترؤسه اجتماعاً ضمّ مستشاري حزبه ليوضح دوافع تصريحاته فقال إنّه لم يشتم "الوداد" بل تحدث عن واقعة الهجوم على الفريق، وأضاف أنه قصد بالبلطجية من يقف وراء هذه الأعمال ويقبلها، في إشارة ضمنية إلى رئيس الوداد. وكان الأخير قد تواصل مع الاتحاد المغربي لكرة القدم، طالباً منه التدخل لتفسير تصريحات رئيس الحكومة.
ولفت الإعلامي المغربي هشام رمرام إلى أن الحادث جزء من الصراع القائم بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة. وأوضح لرصيف22 أنّ ما يؤكّد أن الصراع حزبي، هو أنّ كلام بنكيران صدر عنه بصفته الحزبية لا الحكومية، مشيراً إلى أنّ تبادل مثل هذه الاتهامات يأتي في مناخ الاستعداد للانتخابات المقبلة إذ يبحث كل طرف، بطرقه الخاصة، عن كسب نقاط تساعده على توسيع قاعدته الشعبية.ويعتبر رمرام أن "النقطة الإيجابية التي تحسب لنادي الوداد هي عدم انسياق جمهوره إلى هذا الصراع، والدليل بيان "ألترا" النادي (رابطة مشجعيه)، الذي أكدوا فيه أنهم ينأون عن أي صراع سياسي. وكان هذا الموقف ذكياً وخدم مصالح الفريق أولاً والجمهور ثانياً. فلو انخرط الجمهور في الصراع المذكور، لصبّ ذلك في مصلحة بنكيران، إذ ستتجه الجماهير الرافضة للناصري إلى مساندته".
من جانبه، قال يوسف أبو العدل، الصحافي في جريدة الأخبار: "لا يهتم الجمهور الودادي بالانتماءات الحزبية ويصب اهتمامه على شيء واحد هو تحقيق الانتصارات والتتويج بلقب البطولة". وتابع أبو العدل: "لوحظ أخيراً تهافت بعض المتحزّبين على الإمسكاك بعجلات تسيير بعض الفرق الرياضية، وذلك لما للرياضة وخاصة كرة القدم من دور في تحقيق الشهرة التي قد تمكّنهم من تحقيق مآربهم السياسية". وضع سجال بنكيران وسعيد الناصري عدداً من الأندية الكروية المغربية تحت المجهر لقياس مدى انتمائها إلى الأحزاب.
وكشفت بعض التقارير الإعلامية أنّ بعض الفرق الكروية المغربية يقودها متحزبون. فيترأس سعيد الناصري فريق الوداد البيضاوي ويترأس شباب الريف الحسيمي عبد الصادق البوعزاوي، وهما من حزب الأصالة والمعاصرة. كما يقود محمد الفيلالي فريق اتحاد الزموري للخميسات وهو من حزب التجمع الوطني للأحرار (حزب مشارك في الحكومة). وأخيراً، ارتمى فريق المغرب التطواني في حضن حزب الاستقلال (معارض) عن طريق رئيسه المنتدب، أشرف أبرون. هذه باقة من الأسماء المعروفة الانتماءات إلا أنّ مصادر مطلعة تفيد بأنّ عدد الأندية التي تتعاطف مع لون سياسي معين، كبير.
وكان الدكتور منصف اليازغي قد كتب أطروحة حول "السياسات العمومية في المجال الرياضي"، وأكّد أن الرياضة لطالما كانت الغائب الأكبر في أجندة الأحزاب السياسية، منذ استقلال المغرب، مستنتجاً ذلك من عدم إدراج موضوع الرياضة في البرامج الانتخابية للأحزاب.
وكشف الباحث في دراسته المذكورة أن عقد التسعينيات من القرن الماضي شهد بدء اهتمام بعض الأحزاب بالشأن الرياضي. فعلى سبيل المثال، حضرت الرياضة ضمن برنامج حزب الاتحاد الدستوري (معارض) في مناسبة الانتخابات التشريعية لعام 1997، وذلك من خلال مطالبته بضرورة "إدراج التجهيزات الرياضية في تصاميم تهيئة المجال الجهوي والوطني بشراكة بين الدولة والجماعات الترابية".
وفي الألفية الثالثة، صارت الأحزاب تهتم بالشأن الرياضي، ليس في برامجها وحسب بل كذلك من خلال استقطاب وجوه رياضية والدفع بها للمشاركة في الانتخابات التشريعية. لكنها لم تنجح كثيراً في مسعاها. فقد شارك العداء المغربي الشهير سعيد عويطة في سباق الانتخابات عام 1997 عن حزب الاتحاد الاشتراكي، إلا أنّه رسب في الامتحان. وارتباطاً بموضوع الحضور الحزبي في الجامعات والفرق الرياضية، نجح محمد بلماحي، مستشار في الجماعة الحضرية لمدينة مكناس (حزب الاستقلال) ورئيس الاتحاد المغربي لسباق الدراجات، في تأسيس رابطة الرياضيين الاستقلاليين التي جمعت كلّ المنتمين إلى حزب الاستقلال من رياضيين سابقين وممن يشاركون في تسيير وإدارة الهيئات الرياضية.
الرياضة والسياسة على ملعب واحد
سبق أن قال الرئيس الأمريكي جيرالد فورد: "إنّ فوز رياضي بإمكانه خدمة أمّة أكثر من نصر عسكري". تأخذ الرياضة مكانة كبيرة في المجتمعات وقد ساهم التطوّر التكنولوجي في رفعها إلى مستوى القطاع الوحيد القادر على جمع أكبر عدد ممكن من الجماهير، سواء على المدرجات أو قبالة شاشات التلفزيون. وتشكّل الرياضة اليوم اقتصاداً قائماً في ذاته، من خلال "تهافت" مجموعة من المعلنين على الترويج لمنتوجاتهم عن طريق الرياضة.
ودفعت المكانة المتميزة للرياضة بعدد من السياسيين إلى الاهتمام بهذا المجال خدمةً لمصالحهم الخاصة. وبدأ بعض المغربيين ينظرون إليها كمجال قادر على استقطاب أشخاص إلى هذا الحزب أو ذاك، مما أدى إلى الصراع الدائر حالياً في الخفاء والعلن بين حزبي العدالة والتنمية (الأغلبية) والأصالة والمعاصرة (المعارضة).
ويرى محمد بن زهير العبدي، الرئيس السابق لكل من الكونفدرالية الإفريقية والاتحاد المغربي للمصارعة، أن "ما يوجد في المغرب هو الرياضة السياسية لا السياسة الرياضية". وهذا الكلام يزكيه الباحث الأكاديمي محمد مفتي الذي أكد أن "الرياضة كأداة سياسية تُستخدم لتحقيق وظائف متعددة في المجتمع"، وأضاف في بحثه المعنون "الدور السياسي للألعاب الرياضية" أن احتضان الدولة للألعاب الرياضية يهدف إلى خدمة أغراضها كمنح الشرعية للنظام السياسي، وتعميق الولاء الوطني، وتجذير السلوك السياسي المحافظ، وكأداة للتصريف السياسي.من جهته، يقول الباحث الأكاديمي، منصف اليازغي، إن الرياضة في المغرب "كانت دائماً محطّ تدخلات سواء من أعلى سلطة بالبلاد أو من بعض السياسيين وطنياً ومحلياً. فبالنسبة للحالة الأولى، يمارس الملك باعتباره رئيساً للدولة منذ الاستقلال صلاحيات تنفيذية. وكان يجسد حضوره الفعلي من خلال قرارات وزارة الشباب والرياضة الوصية مبدئياً على القطاع أو بتجاوزها في أغلب الأحيان ليمارس وصاية مباشرة على أبسط تفاصيل المنتخبات الوطنية".
أما بالنسبة للحالة الثانية، فأحياناً تلعب السلطة المحلية دوراً كبيراً من خلال مراقبة النشاط الرياضي، وأحياناً أخرى يسيطر بعض رجال السياسة على أندية الرياضية. ويؤكد الباحث أنه ليس من العيب استغلال السياسي وجوده في الجماعات المحلية من أجل تقوية النشاط الرياضي سواء بدفع المسؤولين إلى رصد أموال ووضع برامج رياضية، أو بالدفاع عن مصالح الرياضة داخل البرلمان.
هكذا نكون أمام ترييض السياسة وليس تسييس الرياضة. فلم يعد تدخل السياسيين في شؤون الرياضة أو خلط السياسة بالرياضة، بحسب الباحث اليازغي، أمراً ينظر إليه بسلبية، ذلك أن وضع سياسات هادفة إلى تنظيم الرياضة وتوفير السبل لتحقيق النتائج الجيّدة "لا يلتقي بتاتاً مع تسخير الرياضة لخدمة النظام السياسي من خلال بعض الرموز والإشارات التي تتعارض مع المبادئ الأساسية للألعاب الأولمبية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين