لا شيء سوى الكتابة ينير زنزانة الشاعر والروائي السكندري عمر حاذق (37 عاماً). فالكتابة هي العمل الوحيد الذي يساعد شاعراً آمَن بالثورة على احتمال قسوة الحياة خلف القضبان، أو بالأحرى أن يتحمل "الحياة داخل الموت"، بحسب تعبير الشاعر نفسه.
حالياً، يقضي حاذق عقوبة السجن مدة عامين، وذلك بتهمة خرق قانون التظاهر، بالإضافة إلى قائمة أخرى من الاتهامات الملفقة، منها: تهديد السلم العام، وتخريب المنشآت، واستعراض القوة.وقفة سلمية تلقي بحاذق خلف القضبان
كان الثاني من ديسمبر 2013 يوماً فارقاً وموجعاً في حياة حاذق. ففي ذلك اليوم ألقي القبض عليه إثر مشاركته في وقفة احتجاجية أمام محكمة جنايات الإسكندرية التي كانت تُحاكم المتهمين بقتل الشاب السكندري "خالد سعيد"، الذي كانت وفاته تحت التعذيب سبباً مباشراً لتأجيج الغضب الشعبي ضد أجهزة الأمن المصرية.
اشتبك حاذق مع أحد ضباط الشرطة بسبب ضرب الأخير لأحد الناشطين المشاركين في الوقفة السلمية، وهذا ما أدى إلى القبض عليه وإيداعه مديرية أمن الإسكندرية، وفقاً لرواية شقيقته زهراء عبد العزيز. وبعد ذلك، تم ترحيله إلى سجن الحضرة ثم إلى سجن العرب، لتبدأ مرحلة جديدة في حياته يسجل فيها انتصارات يومية على الزنزانة بكتابة الروايات والقصائد ورسائل يحث فيها على حب الحياة والاستمتاع بها، مردداً جملته الدائمة "الحياة جميلة يا أصدقائي".
كتابة الروايات قرب سلة القمامة
وروت شقيقته زهراء لرصيف22 أن الأيام الأولى التي قضاها عمر في سجن الحضرة كانت شديدة القسوة لأن الاجراءات المشددة منعت عنه الكتب والأوراق وبالتالي حرمته من الكتابة.
ولكن بعد صدور الحكم عليه بالسجن عامين وبغرامة قدرها 50 ألف جنيه، انتقل حاذق إلى سجن "برج العرب"، وهنالك تمسكت الأسرة بحق ابنها في القراءة والكتابة، فرضخت إدارة السجن وراح صاحب "روائي المدينة الأول" يكتب بجوار سلة قمامة الزنزانة، بحسب ما ذكر في رسالته التي جاءت بعنوان "أن تكتب رواية بجوار برميل زبالة لا يغسله أحد".
فقرب سلة القمامة، في زنزانة يتكدس فيها أكثر من 23 شخصاً يتزاحمون على حمام ضيق قذر، كتب حاذق روايته "قلب السمكة" وأهداها إلى ابن أخيه أحمد عصام حاذق الذي أصابته حالة نفسية سيئة حين رأى عمه عمر مقيداً كمجرم عتيد، في مقاطع فيديو من جلسة محاكمته.
وقال عمر: "من أجل أحمد الذي كان يطالع مع أسرته ألبوم صور عائلية، فحمل صورة منها، وانتحى بعيداً عن الأسرة، فذهبت إليه أمه، ووجدته يحدث الصورة هامساً: وحشتني وحشتني قوي، وإذا بي أنا في تلك الصورة".
كان عمر قد كتب المسودة الأولى للرواية المذكورة قبل اعتقاله، لكنه أعاد صياغتها في السجن ليجد أن النص قد اختلف اختلافاً جذرياً عن صياغته الأولى، وكما قال: "اندهشت حين طالعت الصياغة الأولية، من تغير رؤيتي للكتابة بعد شهور قليلة في عالم الزنازين المكتظة بالبشر والحرارة والحشرات والأمراض الجلدية".
الانتصار على الزنزانة بالفن
يتحدث "روائي المدينة الأول" عن الظروف التي يعايشها في السجن لحظة بلحظة، ويقول في روايته: "ما زلتُ في السجن ذاته، الزنزانة ذاتها، قريباً من إتمام الشهر التاسع من فترة الحكم (سنتين) في ليلة جهنمية من صيف أغسطس الرهيب، حيث أضيف إلينا اليوم سجين آخر، فأصبحنا 23 رجلاً في زنزانة، مساحتها (3 أمتار ونصف المتر عرضاً وخمسة أمتار ونصف المتر طولاً) شاملة حماماً صغيراً غاية في القذارة، مع زيادة وتيرة البطش والضرب وانتشار الجرب".
ويقول إن "حياة كهذه الحياة، تمنحني رصيداً إنسانياً هائلاً من كل ما هو إنساني، وتعرفني بناس يستحيل أن ألقاهم خارج جدران زنزانتي. بعض هؤلاء السجناء علّموني الكثير، بعضهم منحني دعماً عظيماً وأخوة صادقة، ساعدتني على أن أظل محباً للحياة والناس. كان حقاً علي أن أذكر هؤلاء وأهديهم روايتي هذه، غير أنني آثرت أن أصنع ذلك في إهداء روايتي الأحدث "الحياة باللون الأبيض" التي كتبتها كلها في السجن".
وروت شقيقته زهراء أن "عمر يُحاول الانتصار على السجن والحر الشديد في الزنزانة بالقراءة والكتابة وتعلم فن الأوريجامي (فن ياباني لطي الورق)"، مشيرة إلى أنه خاض تجربه رائعة في تعلمه وتصميمه ووصل إلى مرحلة ابتكار أشكال جديدة.
ضريبة فضح الفساد
وكأنّ الحكم بالسجن لم يكن كافٍ لمعاقبة الشاعر الذي لم يقذف يوماً منشأة بحجر. تابع نضاله وفضح فساد مكتبة الإسكندرية ومديرها بالوثائق والمستندات، ولذلك فُصل من عمله في المكتبة ليواجه المستقبل وهو مجرد من وظيفته. برغم كل ذلك، يرى أن اليأس خيانة ويؤكد في رسائله أنه سيظل يزعجهم من خلف القضبان.
وكان ديوان "كما أنت حلوة" لعمر حاذق قد فاز عام 2005 بجائزة عبد الله باشراحيل. وقد ترجمت قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والإيطالية. وفي مسابقة "أمير الشعراء" الإماراتية، عام 2007، تم تكريمه بدرع شاعر الرومانسية، وكرمته إدارة مهرجان عكاظية الجزائر للشعر العربي عام 2008، وفاز بالجائزة الأولى في مهرجان الحب والعدالة والسلام الذي أقامته أكاديمية بادر بيو الدولية للعلوم والفنون والآداب في إيطاليا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين