تعود بدايات "أدب السجون" في الأدب المكتوب بالعربية إلى مرحلة الاستعمار، وربما تكون أول رواية تحدثت عن هذا الموضوع هي "وراء القضبان" للمصري "أحمد حسين"، التي صدرت عام 1949، إذ روى الكاتب فيها سيرته الذاتية وتجربته بعد أن كان أحد الناشطين السياسيين ضد الاحتلال الإنكليزي لمصر.
وقد صدر عدد من الروايات التي كان موضوعها الاعتقال في سجون الاحتلال بعد تلك الرواية، من أبرزها: "العين ذات الجفن المعدنية" للمصري "شريف حتاتة"، و"القطار" للمصري "صلاح حافظ". إذاً، كانت مصر هي السباقة لهذا النوع من الأدب. وما زالت حتى اليوم تصدر روايات عن "سجون الاحتلال" في فلسطين، منها مثلاً: رواية "العسف" للكاتب "جميل السلحوت"، كتاب "أيام الرمادة، حكايات خلف القضبان" للكاتب "نواف العامر"، وبضع روايات كتبها الأسير "عبد الله البرغوثي".
وما زالت الروايات تصدر حتى اللحظة عن هذا الموضوع الذي يندى له جبين الإنسانية في مختلف البلدان العربية، نذكر منها في العقدين الأخيرين: "القوقعة" للسوري "مصطفى خليفة"، "أحباب الله" للتونسي "كمال الشارني"، "يا صاحبي السجن" للأردني "أيمن العتوم"، "الكراديب" للسعودي "تركي الحمد"، ورواية السيرة المزدوجة للزوجين العراقيين "رفعت الجادرجي" و"بلقيس شرارة" بعنوان: "جدار بين ظلمتين". بعض هذه الشهادات الأدبية وثّقت أساليب التعذيب ووسائله، كما فعل المعتقل السياسي السابق "فرج بيرقدار" في كتابه "خيانات اللغة والصمت"، إذ خصص فصلاً كاملاً عدد فيه جميع وسائل التعذيب التي نسمع بها مثل "الدولاب" و"الكرسي الألماني"، شارحاً كيف يتم التعذيب في كل واحدة منها.
ولأن السجن السياسي هو إحدى أبرز الوسائل التي تستخدمها السلطة في بلادنا لقمعنا وتدجيننا، ولأنه من الضروري أن نستمر في رفع أصواتنا لإلغائه، ندعوكم لتدخلوا قليلاً إلى هذا العالم وتتعرفوا إليه عبر 5 روايات اخترناها لكم.
أنشودة البرد والحرية، سمير قنوع
يقارب الكاتب السوري "سمير قنوع" في روايته عالم السجن، رغم أن تجربته فيه لا تتعدى الأيام الثلاثة. اخترنا هذه الرواية لسببين، الأول أنها تصوّر مراحل السجن الأولى: الحجز في قسم الشرطة، التحقيق الأولي، الاقتياد إلى المحكمة، وعمليات التفتيش الدقيقة التي تجري للمتهمين ... أما السبب الثاني، فهو أنها تقدّم صورة عن الفساد المستشري في ذلك المكان المعتم، صورة مصغّرة عن واقع أكبر يقع خارج القضبان في بلاد يحكمها قانون "الرشوة". مراجعة للرواية.
تزممارت – الزنزانة رقم 10، أحمد المرزوقي
حصلت في المغرب محاولتا انقلاب على نظام الحكم، في عهد الملك الحسن الثاني، وبعد فشل المحاولتين قام نظام الحكم بسجن جميع من شارك في هاتين العمليتين في المعتقلات، وتم إنشاء معتقل خاص حمل اسم "تزممارت" لإخفائهم فيه. صدرت الكثير من الروايات عن هذا السجن الرهيب الذي أصرّ النظام المغربي على إنكار وجوده فترة طويلة قبل أن يعترف به أخيراً ويطلق سراح المساجين الباقين فيه. أشهر الكتب التي صدرت عن هذه الفترة، هي كتب عائلة الجنرال "محمد أوفقير" (زوجته وأولاده). وبما أن هذه الكتب انتشرت على نطاق واسع، سعينا إلى أن نضيء على جانب آخر من المأساة، فاخترنا السيرة الروائية للسجين "أحمد المرزوقي" الذي كان عسكرياً مشاركاً - من دون علمه - في الانقلاب الأول وقضى ثمانية عشر عاماً في سجن "تزممارت".
هذه السيرة، إضافة إلى غيرها من الكتب التي كتبت عن هذا السجن كسيرة "محمد الرايس" مثلاً، كانت محفزاً للكثير من الروائيين فاستلهموا منها أحداث رواياتهم، كما فعل "الطاهر بن جلون" في روايته "تلك العتمة الباهرة"، وكما فعل "يوسف فاضل" في روايته "طائر أزرق نادر يحلق معي". مراجعة للرواية.
مذكراتي في سجن النساء، نوال السعداوي
رغم أن السجون لم تكن حكراً على الرجال فقط، فإن عدد التجارب التي كتبتها نساء عن المعتقلات أقل من عدد تلك التي كتبها رجال، نذكر منها: "الشرنقة" للسورية "حسيبة عبد الرحمن"، "حملة تفتيش - أوراق شخصية" للمصرية "لطيفة الزيات"، "نيغاتيف" للسورية "روزا ياسين حسن"، و"الجدران القاسية" للسوادنية "ملكة الفاضل". اختيارنا لكتاب "نوال السعداوي" نابع من أنها كاتبة ناضلت طويلاً، وسجنت، وعذبت، ومع ذلك لم تفقد إيمانها بالحرية، فبقيت حتى الآن وهي في الثمانين من عمرها تدافع عن حرية كل فرد في الرأي والتعبير. إضافة إلى ذلك، تتطرق "السعداوي" في كتابها لذكر جميع المعتقلات السياسيات اللواتي سجنّ معها في تلك الفترة، كما تحكي بعض قصص النساء من عنبر "غير السياسيات"، وظروفهن الاجتماعية التي قادتهن إلى السجن. مراجعة للرواية.
حز القيد، محمد عيد العريمي
يتخيّل الكاتب وجود وطن اسمه "قحطان" تقوم فيه ما تشبه ثورة على الحكم، فيتم القبض على الثائرين ورميهم في المعتقلات. اليوم، بعد ثورات "الربيع العربي" صدرت بضعة كتب وشهادات عدة توثق تجربة الاعتقال السياسي على خلفية هذه الانتفاضات، كان أكثرها في سورية، منها مثلاً "إلى ابنتي" للسورية "هنادي زحلوط"، و"كمن يشهد موته" للسوري "محمد ديبو". لكننا اخترنا هذه الرواية، لأنها - رغم أنها صدرت قبل أعوام من انطلاق شرارة الثورات العربية - رسمت أجواءً شبيهة بها، وتنبأت بما حدث لاحقاً من رغبة الشعوب في التحرر، وما تلاها من اعتقالات وظلم. مراجعة للرواية.
شرق المتوسط، عبد الرحمن منيف
تحكي الرواية عن رجب الشاب الثلاثيني، الذي سجن بسبب نشاطه السياسي في الجامعة، والضغوط التي مورست عليه ليوقّع تعهّداً بعدم ممارسة أي نشاط سياسي بعد خروجه. اخترنا هذه الرواية لنضجها الفني، واشتغال "منيف" على اللغة وجمالها، إضافة لاستخدامه تقنية تعدد الرواة، ما يتيح للقارئ التعرف على الحدث من وجهتي نظر: السجين وعائلة السجين. ثانياً لأنها تعتبر من الروايات التي أسست لهذا النوع الأدبي، وثالثاً لأنها ترصد آثار ما بعد الاعتقال على السجين وعلى عائلته، وهي تشترك في ذلك مع روايات أخرى، مثل "أخاديد الأسوار" للمغربية "الزهرة رميج" التي كتبت تجربتها مع زوجها المعتقل والآثار التي تركها السجن عليه وعلى علاقتهما. مراجعة للرواية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...