في استعراض سريع للأعمال السينمائية العربية التي تضمنت مشاهد تعذيب لسجناء الرأي والسياسة أو حتى لسجناء عاديين في غرف التحقيق وأقبية السجون، يتبيّن لنا أنها ليست كثيرة، وذلك لأسباب متعدّدة.
نفتح نافذة على بعض الأفلام العربية الدرامية التي تضمّنت مشاهد تعذيب لسجناء ومحتجزين تعسفاً. علماً أنها تنتمي إلى حقبات سينمائية مختلفة لكنها تتشارك بتمحور فكرتها وخلفياتها حول مواضيع سياسية.جميلة (1958)
فيلم مصري من إخراج يوسف شاهين يروي قصة المقاومة الجزائرية جميلة بوحيرد في حقبة الاحتلال الفرنسي للجزائر. الفيلم يتضمن مشاهد تعذيب متنوعة في حق جميلة بوحيرد (ماجدة)، مارستها سلطات الاحتلال الفرنسي تحت إمرة الضابط الفرنسي بيجار (رشدي أباظة) وتعطي صورة عن مدى قسوة هذا الاحتلال.
زائر الفجر (1971)
فيلم مصري أخرجه ممدوح شكري، قصة وسيناريو وحوار رفيق الصبان، من بطولة عزت العلايلي وشكري سرحان وماجدة الخطيب، التي أنتجته بأموالها الخاصة. تناول الفيلم حقبة النكسة، وتدور قصته حول "ناديا" وهي ناشطة سياسية وصحافية تحقق في فساد الدولة وتجسسها على مواطنيها، لكنها تعتقل ثم تموت في ظروف غامضة. يحاول وكيل النيابة "حسن" التحقيق في الملف لكشف ملابساته، لكنه يضطر إلى إغلاقه بعد تلقيه أوامر عليا.
مواضيع أخرى:
حوارات المعذَّبين والجلادين في السجون السورية
أسباب قلّة الإنتاج السينمائي العربي الذي يتناول قضية التعذيب
تميّز سيناريو الفيلم بالنقد اللاذع والمباشر، ولاقى استحساناً من النقاد لكن تمّ سحبه من الصالات بعد عرضه لأسبوع واحد عام 1973 بأمر من وزارة الداخلية، وأوقف عرضه رغم كل التماسات ماجدة الخطيب لمقابلة الرئيس أنور السادات لمدة عامين. ولسخرية القدر، لم يُعرض الفيلم مجدداً إلا بعد حذف الكثير من اللقطات والعبارات، عام 1975، بعد موت مخرجه ممدوح شكري.
الكرنك (1975)
واحد من أبرز أفلام السبعينيات وعهد الانفتاح، مبني على انتقاد صريح وواضح لعهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وخصوصاً لسيطرة المخابرات ورجال الأمن على مفاصل الحياة العامة. تناول الفيلم قضية تلفيق التهم والاعتقالات والتعذيب داخل السجون، التي كان يمارسها رجال الأمن في حق الطلاب والجامعيين والمثقفين. ولعّل أبرز مشاهده مشهد إذلال واغتصاب زينب (سعاد حسني) من قبل رجال المخابرات في مكتب الضابط خالد صفوان (كمال الشناوي).
الفيلم من إخراج علي بدرخان ومأخوذ من رواية "الكرنك" لنجيب محفوظ. وقد شارك في البطولة مجموعة كبيرة من الممثلين أبرزهم سعاد حسني، محمد صبحي، كمال الشناوي، شويكار، فريد شوقي، صلاح ذو الفقار، ويونس شلبي.
الرسالة (1976)
فيلم مصطفى العقاد الشهير عن دعوة النبي محمد وبدايات الإسلام. الفيلم يتناول الدعوة منذ اللحظات الأولى في مدينة مكة فالهجرة إلى المدينة المنوّرة وينتهي مع وفاة الرسول في السنة العاشرة للهجرة. يتضمّن الفيلم مشاهد تعذيب عدّة يقدم عليها قادة قريش في حق المسلمين الأوائل في مكة، ومن أهمها مشهد تعذيب بلال بن رباح من قبل أمية بن خلف، ومشهد تعذيب عمار بن ياسر وأهله من قبل أبي جهل.
وقد شارك فيه جمع كبير من الممثلين العرب أبرزهم منى واصف، عبد الله غيث، حمدي غيث، سناء جميل، محمد العربي، أحمد مرعي، عبد الوارث عسر، محمد وفيق، محمود سعيد، الطيب الصديقي وغيرهم.
وراء الشمس (1978)
يشبه إلى حد كبير فيلم "الكرنك" وتدور أحداثه بعد نكسة 1967، ويوجه لوماً صريحاً لعهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، من ناحية سيطرة رجال المخابرات على الحياة في مصر، وزجهم الطلاب والمثقفين في السجون وتعذيبهم.
الفيلم يتضمن مشاهد تعذيب عدّة تحت إشراف قائد السجن الحربي الجعفري (رشدي أباظة)، أبرزها مشهد نزع أظافر أحد المعتقلين (محيي اسماعيل) بتهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي وتنظيم الإخوان المسلمين على السواء. الفيلم من إخراج محمد راضي وبطولة نادية لطفي، محمود المليجي، رشدي أباظة، شكري سرحان، أحمد زكي، ومحمد صبحي.
إحنا بتوع الأوتوبيس (1979)
فيلم آخر يوجه انتقاداً لاذعاً للمرحلة الناصرية. تدور أحداثه قبل نكسة 1967، إذ تؤدي مجموعة مصادفات إلى دخول مرزوق (عبدالمنعم مدبولي) وجابر (عادل إمام) إلى المعتقل عن طريق الخطأ، وهناك يتم تلفيق التهم لهما وتعذيبهما مع بقية المعتقلين بأمر من مدير السجن رمزي (سعيد عبد الغني).
من أبرز مشاهد الفيلم مشهد تعذيب محمود (وجدي العربي) وهو يصرخ مع كل ضربة سوط "ليَّ مين غيرِك يا بلدي؟ نحنا ياما أخدنا منِّك. فيها إيه لو اليوم نديكي؟". الفيلم من إخراج حسين كمال وبطولة عادل إمام، عبدالمنعم مدبولي، وجدي العربي، يونس شلبي، مشيرة إسماعيل، وجمال إسماعيل.
البريء (1986)
من أبرز الأفلام التي تنتقد عهد الرئيس الراحل أنور السادات من ناحية قمع الحريات والزج بالمواطنين في المعتقلات وتعذيبهم. الفيلم أيضاً يتطرّق إلى مواضيع أخرى أهمها مسألة الطاعة العسكرية، والخلط بين مصلحة الوطن والمصلحة الشخصية. يتناول الفيلم قصة أحمد سبع الليل (أحمد زكي)، الريفي الساذج والأمي الذي ينخرط في الجيش، ويتم فرزه ضمن قوات الحراسة لأحد المعتقلات السياسية في الصحراء تحت إمرة العقيد توفيق شركس (محمود عبدالعزيز)، وهناك ينفذ الأوامر بحذافيرها ظناً منه أنه يخدم الوطن ويحميه من الأعداء (المعتقلين)، إلى أن يصطدم في النهاية بالحقيقة المرة.
من أبرز مشاهد الفيلم مشهد الضرب الذي يتعرض له الطلاب فور وصولهم إلى المعتقل، ورفض أحمد سبع الليل تنفيذ الأوامر قائلاً للعقيد توفيق شركس: "ده حسين أفندي ابن الحاج وهدان، أنا عارفه، ده لا يمكن يكون من أعداء الوطن".
تعرّض الفيلم لحذف بعض مشاهده عندما عُرض للمرة الأولى وتمّ تغيير نهايته بناءً على توصية من وزراء الداخلية والثقافة والدفاع، إلّا أنه عُرض بالكامل ومن دون تغيير النهاية عام 2005، تكريماً للفنان أحمد زكي الذي كان قد توفي في السنة عينها. الفيلم من إخراج عاطف الطيب وبطولة أحمد زكي، محمود عبد العزيز، محمود عبد العليم، إلهام شاهين، صلاح قابيل، حسن حسني، جميل راتب، وأحمد راتب.
عمارة يعقوبيان (2006)
فيلم من إخراج مروان حامد عن قصة الكاتب علاء الأسواني التي نالت استحسان النقاد والقراء. الفيلم يتناول المجتمع المصري والتغييرات التي طرأت عليه في السنوات الخمسين الأخيرة. تتضمّن أحداث الفيلم مشهد اغتصاب للإسلامي طه الشاذلي (محمد إمام)، من قبل عناصر جهاز أمن الدولة بعد القبض عليه وزجه في سجون الجهاز. شارك في الفيلم عادل إمام، يسرا، نور الشريف، أحمد بدير، أحمد راتب، خالد الصاوي، خالد الصالح وغيرهم.
شارع أوفلان (2011)
فيلم لبناني يتناول نضال طلاب أحزاب المعارضة المسيحية مع الأجهزة الأمنية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وأوائل الألفية الثالثة، خلال فترة الاحتلال السوري للبنان.
عنوان الفيلم يرمز إلى الشارع الذي يقع فيه حرم كليات العلوم الإنسانية التابع للجامعة اليسوعية، معقل التحركات الطلابية الاعتراضية على الاحتلال السوري للبنان وممارسات الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية. يتضمن الفيلم مشاهد متنوعة لتعذيب الطلاب داخل سجون وأقبية الأجهزة الأمنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...