لا تأمن الراقصات في مصر من هجمات لمنعهن من أداء فنهن أو حبسهن. ومع تكرار الأمر لم يعد أحد يصدق أن ذلك يتم لحماية الأخلاق، إنما يبدو الأمر مثل لعبة مستمرة لضبط الرقص الشرقي، إما عن طريق التحكم فيه بوصفه فناً لا بد من تقييده، وفرض وصاية عليه عبر جهاز الرقابة التابع لوزارة الثقافة، أو لأنه خطر يهدد أخلاق المجتمع، فيتم كبحه عن طريق مباحث الآداب التابعة لوزارة الداخلية.
أخيراً تمّ القبض على الراقصتين المصريتين "شاكيرا" و"بارديس"، لتصويرهما فيديوهات غنائية. وهو ما يذكر بميراث معقد من التعامل المقيد مع الفنون، عبر النصوص القانونية واللوائح الإدارية، منذ صدور "لائحة التياترات" في العام 1911.
ضمت هذه اللائحة مجموعة من البنود، التي تُقيد العروض المسرحية، وفي حالة مخالفتها يتم إغلاق المسرح. ثم صدرت قرارات مكملة لها ليمتد أثرها إلى الأفلام، كما صدرت مجموعة من القوانين السارية حتى الآن، تقيد أي عمل مُصوّر وتفرض شكلاً معيناً على المحتوى الإبداعي، بحسب ما يؤكد المحامي في مؤسسة حرية الفكر والتعبير محمود عثمان.
كتب شاكيرا
"تحتوي القوانين المصرية على ألفاظ مطاطة، مثل "حرمة الآداب" أو "حسن الخلق"، يقول عثمان. إذ ورد ذكر اللفظين في المادة 178 من قانون العقوبات، الذي تُحاكم شاكيرا على أساسه. وفي هذه الحالة يكون "ما استقرت عليه الأعراف والتقاليد"، هو المسوغ الوحيد لإدانتها.
برغم أن أحد أهم تطلعات أي فنان هو تغيير الأعراف والتقاليد الاجتماعية، والقوانين التي تُمثل انتهاكاً لحرية التعبير كذلك. يدافع عثمان عن الفنانة المصرية الشابة، ويؤكد أنها تعرف دورها في إحداث هذا التغيير، خصوصاً أنها تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة الألمانية، ولا تطلب في محبسها إلا الكتب.
بدلة لا تخدش الحياء
تتمتع شرطة الآداب مثلاً بصلاحيات واسعة، إذ لم يحدد القانون مواصفات محددة لبدلة الرقص أو أسلوبه، إلا ما يتصل بعدم خدش الحياء، وهو أمر نسبي، كما لا يحدد أي الأفعال المادية مقبول وأيها ليس مقبولاً وما هو الحياء وحدوده؟ وكيف يمكن خدشه، وبأي أداة!؟ وكيف يتم نشر العري والتحريض على الفسق والفجور؟ لكن هذه الطلاسم توّظف لإدانة مؤديات الفن العربي الأكثر شهرة عالمياً من جانب جهات التحقيق.
تحافظ الراقصة في مصر على معايير محددة في تصميم البدلة، أبرزها ألا يكون البطن مكشوفاً، مع ضرورة حجب السرة. من هنا يأتي دور النجمة الذهبية المميزة لراقصات مثل تحية كاريوكا. كما يجب تغطية الثلث الأسفل من الصدر، وأن ترتدي بنطلوناً قصيراً أسفل تنورة البدلة. لكن "الآداب" عند تفتيشها الدائم على الصالات، تتأكد كذلك من عدم كشف الأجزاء المفتوحة من بدلات الرقص للجسد، في حالة وقوف الراقصة في وضع ثابت.
كما تلزم كل فنانة بإصدار ترخيص من إدارة التراخيص في وزارة الثقافة، مع تحديد أماكن الرقص في هذا الترخيص، أما في حالة سفر الفنانة لخارج البلاد فلا ينبغي أن تزيد المدة عن شهر، ولا يسري العمل به إلا بالنسبة إلى الدول المبينة فيه.
بينما يشترط على الأجنبية، مثلاً، الحصول على موافقة من القوى العاملة، والرقابة على المصنفات الفنية، وأن تكون متمتعة بإقامة دائمة في البلاد، كما تلزم بتقديم استمارات لعدة جهات منها الآداب وأمن الدولة.
ممنوع على الأجنبيات!
في يوليو 2003 أصدرت وزارة العمل المصرية القرار الرقم 136 لسنة 2003، في شأن شروط وإجراءات الترخيص بالعمل للأجانب، وبناءً عليه تمّ حظر عمل الأجنبيات في الرقص الشرقي.
وقد استمر هذا الوضع مدة عام، إذ لم يكن سوى استجابة من جانب الوزارة لشكاوى بعض الراقصات المصريات من أن زميلاتهن الأجنبيات، وبالتحديد الروسيات، يكسبن أكثر منهن، فتم التراجع عن هذا القرار من دون مبرر كما كان اتخاذه، لتتمكن الأجنبيات من الرقص مرة أخرى.
لكن الراقصة الأرمينية صافيناز، صدر في حقها حكم بالسجن ستة أشهر، ليس لكونها أجنبية، إنما بسبب ألوان بدلتها. ففي مايو 2014 رقصت على أنغام أغنية "بشرة خير" للفنان الإماراتي حسين الجسمي. وهي ترتدي فستاناً يتكون من ثلاثة ألوان، هي ألوان العلم المصري الأحمر، والأبيض، والأسود، من دون أن تهمل النسر في بدلتها، وقد فسرت المحكمة هذه الرقصة بأنها تمثل إهانة للعلم، ومن المقرر أن تستأنف هذه القضية في جلسة 27 سبتمبر.
هاني شاكر يحرس الأخلاق
في يوليو الماضي ظهرت بارديس في سرايا النيابة ببدلة الرقص الخاصة بها، بينما كانت شاكيرا في فستان من دون أكمام. لم يكن لذلك علاقة برقصهما أو بمواصفات بدلتهما، وإنما كان بسبب ظهورهما في أغنيات مصورة.
في ديسمبر 2014 قدمت شاكيرا فيديو "الكمون" من الفلكلور، وتمّ بثه بكثافة على القنوات الفضائية وعبر موقع YouTube، وحقق رواجاً لافتاً، وهو ما حدث مع عمل بارديس "يا واد يا تقيل".
يمكن لمشاهد العملين أن يجد سعياً لإبراز فنون الاستعراض الخاصة بالراقصتين، مع تقديم حركات وإيماءات مميزة لكل واحدة منهما. لكن ذلك لم يمنع صدور حكم قضائي ضدهما بالسجن ستة أشهر مع الشغل الشاق، وذلك لتحريضهما على "الفسق" و"الفجور".
وقبل شهرين، طلبت مباحث الآداب رأي المطرب هاني شاكر، المرشح لمنصب نقيب المهن الموسيقية وقتذاك، لينفي عن أداء الفنانة صفة الفن. وبرغم صعوبة تحديد ما هو الفن، فإن شاكر أكد أن ما تقدمه كل من الراقصتين لا يعد فناً، وسيتصدى لهذه النوعية في حال فوزه.
وهذا ما كان، أصدر مجلس النقابة برئاسة شاكر، أواخر أغسطس الماضي، قراراً يحظر ارتداء المطربات للملابس العارية، ويهدد بشطب عضوية المقيدات، ومنع إصدار تراخيص بالغناء لغير المقيدات!
من ناحية أخرى، يعتبر عثمان أن "القضية تعد انتهاكاً لحرية التعبير". ويقول :"تمت إدانة فنانة قامت بعمل مشروع، وهو عرض كليب على واحدة من القنوات الفضائية المعروفة، لذلك أي تضييق على ممارستها لهذه الحرية يُمثل اعتداءً على حق المواطن في المشاهدة وحق الفنانة وحريتها في التعبير والإبداع". ويضيف: "لماذا لا يُمنع حبس المُبدعين بسبب أعمالهم الإبداعية؟".
حددت جلسة 20 سبتمبر لنظر الاستئناف في الحكم الصادر في حق الراقصتين، لكن يبدو أن التضييق على الرقص الشرقي لن يتوقف، خصوصاً أن لا أحد يتبنى خطاباً يرى أن تعامل المرأة مع جسدها، حتى لو كان بشكل علني أمام جمهور، ليس جريمة. كما أن أوصافاً مثل إثارة الغرائز أو التحريض على الفسق أو الفجور، لا تصلح للتعامل مع أفعال مثل الفنون وعالم الترفيه والاستعراض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...