قد يعتقد البعض أن الحديث عن "قبائل بدائية" لا تزال تعيش بيننا اليوم من دون أن يكون لها علاقة بالحضارة الحديثة، يعني أننا نتحدث عن بضع قبائل ينتمي إليها العشرات أو المئات على أقصى تقدير. لكن لا. المسألة ليست كذلك.
مئات القبائل "البدائية"
بحسب موقع منظمة Survival International المعنية بالحفاظ على التجمعات القبلية المُسمّاة "بدائية"، والتي ما زالت قائمة حتى الآن، تسكن اليوم مئات من هذه القبائل في أراضٍ موزّعة على 60 دولة ويبلغ مجموع أفرادها نحو 150 مليوناً. وقد حذرت المنظمة أن نحو 30 قبيلة أصبحت على وشك الانقراض ولم يتبقَّ منها سوى مجموعات قليلة.
وهنالك قصص معروفة عن قبائل تم التواصل معها فقط في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وأشهرها قبيلة كورواي المعروفة باسم "قاطني الأشجار" بسبب بناء أبنائها بيوتهم على قمم الأشجار المرتفعة كثيراً عن الأرض. وعند اكتشاف تلك الحضارة في واحدة من جزر إندونيسيا، كانت القبيلة لا تزال تعيش في ما يوازي المرحلة الحجرية للبشر، فكانت تصنع كل أدواتها من الحجر والخشب فقط ولا تعرف صهر المعادن، ويقال إنها حتى الآن لم تتطور عن ذلك كثيراً. ويمكن مشاهدة مجموعة من الصور الرائعة والواضحة عن القبيلة في هذا التحقيق الذي نشرته ديلي ميل الإنغليزية في فبراير الماضي.
قبائل السورما الإفريقية
غالباً ما يشار إلى قبائل السورما الإثيوبية على أنها من أقل القبائل الإفريقية اتصالاً بالعالم. ولكن أبناءها اختاروا امتلاك منتج وحيد من حضارتنا الحديثة، وأتقنوا استخدامه إعجاباً به ودفاعاً عن أراضيهم، وهو رشاش الكلاشينكوف المشهور.
وبرغم ذلك ما زالوا يفضلون البقاء في غالب الأحيان داخل مناطقهم وقراهم المغلقة. وهم معروفون بثقب نسائهم شفاهَهن عند البلوغ، وبتعليق حلق ضخم فيها باعتباره نوعاً من الزينة يضفي على المرأة جمالاً. وقد اكتشفت بعثة روسية قرى قبائل السورما في ثمانينيات القرن الماضي، ويقال إن أهالي القرية تركوها وهربوا فزعاً حين رأوا أعضاءها ظناً أنهم من الموتى بسبب لون بشرتهم الشاحب.
قبائل اكتُشفت حديثاً جداً
أيضاً هنالك قبائل عدّة لم تُكتشف إلا حديثاً، ولا تزال تحافظ على الحد الأدنى من التواصل مع التجمعات الحديثة. إلا أن ثلاثاً من تلك القبائل ما برحت حتى يومنا هذا منقطعة الصلة بكل ما هو خارجها، ويبدو أنها لا ترغب، على الأقل حالياً، في التواصل مع عالمنا الحديث وهي:
هنود حوض الأمازون
في فبراير عام 2011 فاجأت بي بي سي متابعيها بهذا المقطع اللافت، الذي يشبه مقاطع سينما الأساطير، لمجموعة من أبناء إحدى القبائل، التي تعيش في حوض نهر الأمازون قرب الحدود بين البرازيل وبيرو.
وقال صحافيو هيئة الإذاعة البريطانية، إن العالم الإنثربولوجي البرازيلي خوسيه كارلوس ميريليس، سمح لطاقمهم بالاطلاع على مكان إقامة القبيلة، التي انقطعت كل صلاتها بأي جماعات أخرى منذ زمن غير معروف، لأنه كان يحتاج أن يثبت لمسؤولي الحكومة البرازيلية أنهم موجودون.فأبناء القبيلة يعيشون في مكان يتقاطع مع طرق الاتجار بالمخدرات، ويقوم تجار المخدرات بتكرار الاعتداءات على قراهم، وحرق منازلهم لإخافتهم وإجبارهم على الابتعاد عن هذا المكان. ونفذ ميريليس خطوته المذكورة لكسب دعم المسؤولين وحثهم على حماية مَن اعتبرهم "آخر الشعوب الحرة في العالم" من الخطر المحدق بهم. وبحسب بي بي سي، فإن أبناء القبيلة لا يتكلمون لغة من اللغات المعروفة على الأرض حالياً، وقد اُلتُقِطت لها صور على بعد نحو كيلومتر.
قبيلة ماشو في بيرو
في مطلع عام 2012 نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، نقلاً عن موقع Survival International ما قالت إنه صور تفصيلية لقبيلة ماشو في بيرو، التي بقيت حتى ذلك الوقت منقطعة عن كل ما يدور في العالم الحديث.
مقالات أخرى
عن الكهنة والكهانة في الجزيرة العربية قبل الإسلام
الأرض 2.0 وما نعرفه عن أكثر الكواكب شبهاً بالأرض
بعد ذلك نُشرت مقاطع فيديو توضح لحظات من التواصل بين بعض السكان المحليين وأبناء الماشو، لكن الأخيرين أظهروا رغبتهم في البقاء بمعزل عن المدنية، بحسب مصادر عدّة. ورجّحت محررة الواشنطن بوست، أن اعتداءً فردياً على طفلة تنتمي إلى القبيلة ربما كان السبب وراء قرارها البقاء في عزلتها. ولا يزال ما يُعرف عن تقاليد وثقافة تلك القبيلة قليلاً جداً.
قبائل الآندمان
تقع مجموعة جزر الآندمان في خليج البنغال تحت حكم الهند، وتسكنها مجموعات من القبائل، منها قبيلة استثنائية هي قبيلة السنتينليس نسبة إلى الجزيرة التي يقطنون شمالها. وتعد تلك القبيلة استثنائية كونها أشد القبائل المعروفة عدوانية تجاه كل محاولة للاتصال بهم.
عام 1974، حاولت مجموعة من قناة ناشيونال جيوغرافيك النزول إلى الجزيرة لتصوير فيلم توثيقي عن القبيلة، لكن المحاولة انتهت بإصابة قائد الفريق بسهم في فخذه ومقتل اثنين من الهنود كانا يتقدمان الفريق بغرض الإرشاد.
وسَبَقَ هذا الحادث ولحقه العديد من المحاولات لتحقيق الاتصال مع أيّ فرد من القبيلة، لكن جميعها باء بالفشل. ولم تنجح محاولات تقديم الهدايا وحاويات الطعام لهم في التقرب منهم. ويعتقد علماء الإنسانيات، أن أجداد السنتينليس هم من الرعيل الأول الذي هاجر من إفريقيا، وسكن تلك الجزيرة النائية قبل 60 ألف عام.
وفي يناير 2005، نشرت ناشيونال جيوغرافيك تحقيقاً، تساءلت فيه كيف نجت القبائل في تلك الجزر من إعصار تسونامي الذي أغرق المنطقة في ديسمبر 2004 وقتل عشرات الآلاف في 14 دولة في المنطقة؟ وخلصت إلى أن الخبرة التي يتوارثها أبناء القبائل حول الطبيعة تفوق ما نعرفه نحن عنها، وأنها هي ما مكنهم من البقاء بعد تلك الكارثة الطبيعية.
نشر الموضوع على الموقع في 05.09.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...