حين أعلن اللبنانيون انتهاء قدرتهم على الاحتمال في 22 أغسطس، ونزلوا جموعاً كبيرة إلى الشوارع، شاركهم في ذلك بعض أصدقائهم من الشباب السوريين المقيمين في بيروت، معتبرين أنّ القضية اللبنانية هي قضيّتهم أيضاَ، وأنّ من واجبهم الهتاف مع الشعب اللبناني ضد الحكومة اللبنانية، التي أساءت إلى وجودهم كسوريين في لبنان، كما تسيء لشعبها منذ عقود.
تضاربت الآراء في شأن ذلك الموقف، فهناك من رأى أنّ ذلك شأن لبناني داخلي لا علاقة للسوريين به، وعليهم تنحية أنفسهم عمّا يحدث كي لا تأتي عواقب مشاركتهم وخيمة. وهناك من بدأ بكتابة نصائح إلى اللبنانيين انطلاقاً من الخبرة التي اكتسبها خلال الأعوام الأربعة الأخيرة في سوريا. وأخيراً يأتي الساخرون من الحراك اللبناني كلّه، مروّجين أنّ الشعب اللبناني لا يصلح للقيام بثورة.
وقد امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بكلّ هذه الآراء المتناقضة.
يقول أحد السوريين: "حين هربنا من سوريا، كانت بيروت أقرب سبل النجاة إلينا، لم نحبّها في البداية، الناس هنا يطلبون الفتّة والحمّص "ديلفري"، بينما نذهب نحن إلى أبو محمد في حي الميدان في دمشق، نأكل الفول والتسقية بعد سهرة الخميس. مرّ وقتٌ قبل أن ندخل في علاقة غريبة مع المدينة. احتضتنا بيروت، واحتضنت جميع تفاصيلنا التي نقلناها معنا من سوريا، لكنّها مع ذلك، كأمرأةٍ جميلةٍ وتعرفُ نفسها، قست علينا، حتّى بتنا نكرهها، تماماً بقدر ما نعشقها.
اليوم تنتفض المدينة على نظامها، واليوم ينزل أصدقاؤنا من الناشطين الشباب إلى الشوارع، هؤلاء أنفسهم الذين نزلوا إلى الشوارع نفسها يوماً، لأجل دوما والزبداني ومجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، ونضيع نحن الآن، إن كان ردّ الجميل يكمن في الذهاب معهم إلى الشوارع أو عدمه، كيف نقف معهم كسوريين".
مقالات أخرى
المساكنة: ظاهرة جديدة على الشباب السوريين في لبنان
هذا الجدل يختصر ما يدور في عقول وقلوب الكثير من الشباب السوريين في بيروت. فقد كانت الفترة الأخيرة خصوصاً قاسيةً جدّاً على كلّ السوريين في لبنان. بعد أن صار من الصعب البقاء بإقامة شرعيّة في لبنان نتيجة قانون التأشيرة، الذي أقرته الحكومة اللبنانية في بداية العام. هذا بالإضافة إلى مشاكل فرص العمل، والاستغلال الشديد الذي يتعرض له المقيمون غير الشرعيين من قبل أصحاب العمل، وقسوة المعيشة والسكن، والرفض الواضح للاجئين، وقوانين منع التجوّل، والرفض، المجتمعي أحياناً، للوجود السوري المتضخّم في لبنان.
كلّ ذلك كان سبباً في انتفاض من انتفض إلى جانب اللبنانيين، على اعتبار أنّ الأمر يعنيهم ما داموا مقيمين على هذه الأرض، وأنّ على كلّ سوري مساندة اللبنانيين في قرارهم بالتغيير، وهذا جزء لا يتجزأ من تغيير الواقع السوري في لبنان.
على أن المشكلة الواقعة بين داعمي الحراك هي في الشكل الرئيسي للدعم، إذ يحث البعض على النزول إلى الشارع والمشاركة في الحراك من خلال الوجود الفعلي، ويقول البعض الآخر إن حساسية الوجود السوري تحديداً في لبنان قد تمنع السوريين من الحركة، فعلى السوريين التفكير جيّداً قبل اتخاذ خطوات جماعية للمشاركة.
تجتمع فئة من الشباب السوريين في أحد بارات شارع الحمرا، غالبيتهم من الذين عملوا في الثورة السورية أو وقفوا معها أقلّه. يتناقشون إمكانية مشاركة السوريين في الحراك اللبناني. يقول أحدهم وهو في أواخر العشرين، إنّه لن ينزل إلى الشارع، ليس قلّة إيمانٍ منه بأنّها اللحظة المناسبة للتغيير، إنّما حرصاً على الحراك اللبناني من الوجود السوري، فقد يؤذي المتظاهرين إذا اعتقلته قوى الأمن وعرفوا أنّه سوري، واتهموه بتحريض النّاس، أو اتهموا الحراك بأنّه غير شرعيّ، ما دام يشارك فيه السوريون الذين لا شأن لهم في الأمر.
ويقول آخر إن الإقامة التي حصل عليها أخذها بعد جهد، وليس مستعداً لخسارتها، وهو سيكتفي بالدعم المعنوي، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
ويرى ثالث، ممن لم يشاركوا في الحراك الثوري السوري، بل وقفوا ضدّه بعد تسليحه والتعقيدات التي آلت إليها الحرب، أن هذا التدخّل الذي قد يقوم به المتهورون السوريون، "يؤدي بنا جميعاً إلى أن نبقى بلا ملجأ، فنحن لا نستطيع الآن العودة إلى سوريا، ولا تستقبلنا بلدان العالم الباقية إلا بعد أن نكاد نموت، لذا يجب عليهم أن يلتزموا بيوتهم، وأن لا يتحرّكوا، فلا أحد يعلم ما قد يحدث إذا ما قرر أحد الحاقدين على السوريين إلحاق الأذى بهم".
ويقول الطبيب بشار فرحات (31 سنة)، الناشط في الثورة السورية، وهو خرج من بيروت بعد أن قضى فيها عاماً ونصف العام، إنه "سيٓحار قليلاً لو كان الآن في بيروت حول فكرة ذهابه إلى التظاهرات، لكنّه يخاف أن يشكّل خطراً على الحراك". ويعتقد أنّه "من الأفضل الالتزام بالدعم المعنوي واللوجستي إن أمكن"، ثمّ يعود ويضيف: "بيروت احتضنت الكثير من الناشطين السوريين، لذلك أنا لو كنت غالباً بنزل، بس بفهم إذا قالوا المنظمين ما بدنا غير اللبنانيين".
وتكتب الصحافية الفلسطينية السورية ضحى حسن، وهي من الذين شاركوا في تغطية أحداث سوريا وكتبوا عن السوريين اللاجئين والنازحين لكونها كانت تقيم في لبنان، على صفحتها على Facebook أنّها "متضايقة من عدم قدرتها على أن تكون في بيروت الآن". وتقول: "متل ما نحن بنطالب إنو كل الناس توقف معنا، نحن لازم نوقف معون، بهيك قصص ما فيا سوري أو لبناني".
وقالت لرصيف22، إن "الشعبين السوري واللبناني، وعلى الرغم من كلّ التوتر الذي آلت إليه العلاقة بينهما، قد بدآ بالتعارف بشكل أو بآخر، بعد قدوم السوريين إلى لبنان. إذ كان اللبناني ينظر إلى السوري كوحدة غير مستقلّة عن النظام، لكنّه الآن بدأ يراه كثائر ضدّ نظامه من أجل قضيّة مشتركة مع اللبناني، هي قضية الحرية والكرامة. وبما أنّ الارتباط معروف أصلاً بين النظامين السوري واللبناني، فإنّ الثورة على النظام اللبناني هي جزء لا ينفصل عن الثورة على النظام السوري. بالطبع يبقى هناك بعض القلق من اعتقال السوريين وترحيلهم، وقد بدأت السلطات اللبنانية بذلك فعلاً".
الموقف الأخير الذي تناقلته وسائل الإعلام كثيراً، هو الموقف الغريب الذي اتخذه بعض السوريين على صفحات التواصل الاجتماعي تجاه الحراك اللبناني، عندما سخروا من الجماهير المحتشدة وعبّروا عن "مياعتهم"، وعدم قدرتهم على القيام بثورة، ووجهوا النصائح الساخرة من اللبنانيين. وقد تجاوز الأمر في بعض الأحيان السخرية إلى الشماتة، أو إلقاء الدعابات العنصرية، التي تعبّر عن احتقانٍ حقيقيّ يصل إلى الحقد عند البعض على الشعب اللبناني.
وقام البعض بإنشاء صفحة على Facebook بعنوان: "وجّه نصيحة لمتظاهري لبنان"، إذ يعتقد القائمون على الصفحة أنّهم يستطيعون بعد خبرتهم في الثورة السورية، توجيه ملاحظات حول الثورة اللبنانية، وبشكلٍ ساخرٍ طبعاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون