شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
اللبنانيات في مصر... الإغراء أم التمثيل؟

اللبنانيات في مصر... الإغراء أم التمثيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 4 أغسطس 201606:11 م

بعد "الإثارة الزائدة" التي قدّمتها هيفا وهبي في فيلم "حلاوة روح" (إخراج سامح عبد العزيز)، عاد إلى الواجهة السؤال حول إغراء بعض النجمات اللبنانيات في بلاد النيل، إذ لم تكتفِ الفنانة المصرية آثار الحكيم بمهاجمة هيفا وإنما تعدّى الأمر حدود مهاجمة بلدها لبنان على اعتبار أن هيفا ليست سوى "صورة لمجتمعها". يندرج هذا في إطار ثقافة التعميم في المجتمعات المشرقية، وفي السياق نفسه، ثمة من ذكّر آثار الحكيم بأفلام "الإثارة المصرية"، وهي كثيرة ونجماتها معروفات من شمس البارودي إلى ناديا الجندي وناديا لطفي ونبيلة عبيد وسهير رمزي وهند رستم.

استنتاجاً، إن صناعة الإثارة ليست حكراً على بلد أو مجتمع، إذ يمكن ظهور نجمة إغراء من مجتمع كلّه محجب. القضية ليست في هوية اللواتي يقدّمن الإثارة، بل في السينما، سواء أكانت "نظيفة" أو التي تقدم "للكبار فقط + 18"، فهي تشكّل انعكاساً لمراحل اجتماعية أو سياسة أو ثقافية، وإغراء اللبنانيات في مصر يدل على ذلك.

لإغراء بعض اللبنانيات على ضفاف النيل سيرته المشوّقة وحكايته المثيرة، يبدأ مع صانعة النجوم بديعة مصابني ولا ينتهي مع "شقاوة" نانسي عجرم. سطع نجم مصابني (وهي سورية- لبنانية) في سنوات الحرب العالمية الثانية انطلاقاً من صالتها التي خصصتها للرقص الشرقي في القاهرة. قدّمت هذا اللون من الرقص للأجانب في خضم الحرب فأعجبوا به. وفي تلك الأثناء، سطع نجم تلميذاتها تحية كاريوكا، وسامية جمال، وحكمت فهمي اللواتي كان رقصهن الأساس في نجاح بعض الأفلام التي شاركن فيها.

ترافق صعود لغة الرقص الشرقي في مصر مع صعود بعض الأسماء الغنائية التي تشارك في السينما. سجّل المنتج يوسف وهبي إنجازاً حين اكتشف صوت اللبنانية نور الهدى، وكرّسها بطلة في أفلامه، فكان لا بد من البحث عن منافسة تقف في وجهها.

سافرت المنتجة اللبنانية آسيا داغر إلى بيروت بحثاً عن نجمة منافسة، وكانت النتيجة اكتشافها الفنانة صباح التي أطلّت في فيلم "القلب له واحد" (1945). بين ليلة وضحاها، صارت فتاة أحلام الشباب والرؤساء والأمراء، وارتفعت أسهمها وكانت بداية لجيل من اللبنانيات اللواتي ذهبن إلى القاهرة سعياً إلى النجومية والشهرة. ظلّت صباح رمزاً "غريباً" بالنسبة إلى المصريين، تلاحقها المجلات بحثاً عن أخبارها وثيابها الجديدة وغرامياتها، إذ لم يكن مستساغاً في الخمسينات من القرن الماضي، قبول شقراء في مجتمع يتخلّص من الغرباء والاحتلال.

كانت صباح "الشقراء" علامة من علامات مجتمع "البصبصة"، جمعت بين الفرجة والمرح والإغراء. في بدايتها كانت صورة الصبيّة والممثّلة البريئة الخفيفة الظلّ، وقد غيّرت هذه الصورة عام 1957 في فيلم "إغراء" لحسن الإمام، عندما بدت إمرأة مثيرة. تجلّى هذا التحوّل في التمثيل كما في أسلوب الغناء، وكانت أبرز علاماته أغنية "من سحر عيونك ياه" من ألحان عبد الوهاب وكلمات مأمون الشناوي، أدّتها "الشحرورة"  في مشهد تتغزّل فيه بعينَي (حبيبها) شكري سرحان. تسبّبت مبالغتها في الغنج عند أداء كلمة "ياه" في منع الأغنية من البثّ في الإذاعة المصرية مدّة وجيزة، ما ساهم في الدّعاية لها. جاء في إعلان عرض الفيلم في بيروت: "الفيلم الذي أحدث ضجة مثيرة في الأوساط الفنية بسبب أغنية المطربة صباح ياه". روى مسلسل "الشحرورة" قصّة أخرى تخصّ الأغنية تقول إنّ صباح توجّهت بأغنيتها إلى عبد الناصر. لكنّ هذه القصة بلا أسانيد ولا إثباتات.

أتت مرحلة النظام الناصري حاملةً الأحلام الكبيرة لتنسف الثقافة التي كانت سائدة في "الزمن الملكيّ"، فتقلّص وهج الرقص الشرقي وسيطرت أنماط فنية شبه محتشمة، خصوصاً الغناء الكلثومي، في وقت عادت صباح إلى لبنان في مطلع الستينات، وكانت عودتها إشارة إلى التحوّلات التي طرأت على الوسط الفني المصري‪.‬

مع هزيمة 1967 اضطرّ النظام الناصري إلى إعطاء هامش حرية للسينما للتخفيف من عبء "النكسة"، وبرزت أفلام تضمنّت جوانب من الإغراء، زادت وتيرتها في مرحلة حكم الرئيس أنور السادات، إذ كان للجسد حضوره الخاص. وقد تجلّى ذلك في كثير من الأفلام العربية التي وصلت إلى درجة التعرّي الكامل والإباحيّة.

في هذه المرحلة، كان الجمهور على موعد مع اللبنانية "حبيبة" (اسمها الحقيقي غلاديس أبو جودة)، بعد تتويجها ملكة جمال لبنان في أواخر الستينات، وهي حصلت على بطولة مشتركة مع أحمد رمزي في فيلم "الحب سنة 70" كما مثّلت في أفلام أخرى. وفي عام 1972 التفتت السينما اللبنانية لملكة جمالها، وحصرتها بأدوار الإغراء. على أن بيروت كانت في بداية السبعينات على موعد مع سطوع نجم جورجينا رزق التي فازت بلقب "ملكة جمال الكون" وقد قدمها المخرج محمد سلمان مع صباح وعمر خورشيد في فيلم "غيتار الحب" عام 1973. وبرغم ضعف الفيلم فنياً، نجح شعبياً بسبب بعض مشاهد الإغواء.

ساهمت الحرب اللبنانية (1975 – 1990) في هجرة بعض الوجوه النسائية السينمائية إلى مصر من بوابة تقديم الإغراء، وأبرزهن ليز سركيسيان وناديا ارسلان اللتان أصبح اسماهما على ملصقات الأفلام اشبه بكلمة سرّ موجّهة لرواد "البصبصة" وهواة السيقان والصدور المكشوفة. ليز صار اسمها "إيمان" في الوسط الفني، هي تلك الشقراء التي ترمز للفتاة الغربية المغوية.

ولدت ناديا ارسلان (اسمها الحقيقي هند أرسلان) في دمشق، لأب سوري وأم لبنانية، وحصلت على لقب جمالي مطلع السبعينات أتاح لها التمثيل في عدد من الأفلام اللبنانية ثم المصرية، أشهرها تلك التي يكتب إلى جانبها على اليوتيوب: "للكبار فقط. المشاهد كاملة بدون حذف".

بعد نهاية الحرب اللبنانية 1990، عاد منتجو الأفلام المصرية يبحثون عن النجمات اللبنانيات المغريات، فمثلت نيكول سابا "الشقراء" في فيلم "التجربة الدانمركية" مع عادل امام، ونيكول الآتية من استعراض فريق "الفوركاتس"، ليست ممثلة موهوبة ودورها مع عادل إمام لم يكن يحتاج إلى قدرات تمثيلية عالية بقدر ما كان يتطلب بعض الجرأة في إظهار المفاتن والبيكيني. برغم أنّ نيكول ما زالت حتى اليوم تتباهى بهذه التجربة وشاركت في أكثر من فيلم أو مسلسل مصري، فإنها لم تكن نجمة أولى ولا بطلة مطلقة، ولم تحقق ما حققته في "التجربة الدنماركية". كان وجودها في بقية الأعمال بسبب "جرأتها" ليس إلا، واللواتي جئن بعدها بدءاً من دوللي شاهين ومادلين مطر ولاميتا فرنجية ومروى (ظهرت عارية تماما في بعض المشاهد)، اقتصرت تجاربهن على الأدوار الجريئة التي تتخطى ما يسمّى السينما "النظيفة".

لا شك أن إغراء بعض النجمات اللبنانيات في مصر يأتي بدلاً من ضائع بعدما بات الإغراء المصري أشبه بـ"ديناصور منقرض" (باستثناء غادة عبد الرازق). وإغراء الممثلات اللبنانيات ظاهرة مثيرة للانتباه في مصر، تبدأ من البيكيني في الأفلام ولا تنتهي بشفاه مذيعات الأخبار (ديانا فاخوري وجيسكا عازار نموذجاً)، حتى مطربات الجسد (مثل نانسي عجرم أليسا وأخواتهما)، اللواتي يصورن كليبات (إغرائية) مخصصة لمصر وغيرها.

وصل هذا المشوار إلى الضجيج حول هيفا التي سبق أن شاركت في فيلم "دكان شحاته" إخراج خالد يوسف، وقد حذفت الرقابة الكثير من مشاهده المرتكزة على المفاتن. أبلغ ما يمكن قوله عن "حلاوة روح" اليوم أنه "إثارة بجرعات كبيرة". لكن ما أدّته هيفا من خلاله لم يصل إلى ربع ما قدمته ناديا لطفي مع عبد الحليم حافظ في فيلم "أبي فوق الشجرة".

تم نشر هذا المقال على الموقع في تاريخ 12.06.2014

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image