تتزايد أعداد النساء اللواتي يلقين حتفهن في لبنان بسبب العنف الأسري. جرائم غالباً ما يكون سببها إما الزوج أو الأخ أو الأب. رلى يعقوب أم لخمسة أولاد لقيت حتفها في يوليو العام الفائت على يد زوجها الذي أشبعها ضرباً حتى الموت. اليوم أطلق سراح الزوج وعاد إلى حياته كأن شيئاً لم يكن، فيما حق رلى دُفن يوم دفنها.
يحصد العنف النسوة ويؤدي إلى وفاتهن، بعضهن يصلن إلى الموت كل يوم ولا يستطعن فعل شئ، كما حصل مع فاطمة النشار التي نجت بأعجوبة وجنينها بعد أن تعرضت للضرب على يد زوجها وشقيقه وحماتها وهي حامل في الشهر الثالث. يحدث كل هذا على مرأى من والمسؤولين والشعب، وحتى المراجع الدينية، دون أن يحرك أحد ساكناً.
"أربعة عشر عاماً وأنا أتعرض للضرب"، بهذه الجملة تبدأ زينة سرد قصتها. زينة التي تزوجت وهي في عمر الثامنة عشر، كانت تريد إكمال دراستها، ولكنها وجدت "العريس" بانتظارها ما إن أنهت المرحلة الثانوية. لم تنصحها والدتها حينها سوى نصيحة واحدة مفادها، أنه ولو أشبعها زوجها ضرباً ولو "ملأ فمها بالدماء"، عليها أن لا تفكر بالطلاق بتاتاً وأن تعالج أمورها بنفسها.
استمر "الهناء" الزوجي لزينة مدة سنة، لتنقلب حياتها بعد أن أنجبت طفلها الأول رأساً على عقب. باتت تسهر الليل على ضربات العصا ولسعات السوط على جلدها بدلاً من السهر على رعاية ابنها، وكانت تسمع بكاءه، لكنها لا تستطيع الوصول إليه بسبب أوجاعها. استمرت آلام زينة ومعاناتها ولم تتجرأ يوماً على طلب الطلاق آملة بتغير الحال. اليوم أصبحت أماً لأربعة أولاد يتعرضون للضرب المبرح من والدهم الذي أصبح عاطلاً عن العمل فيما تحاول زينة تأمين دخلها من بيع الملابس في المنزل.
في إحدى الليالي استيقظت زينة على صراخ ابنتها البالغة من العمر إحدى عشر عاماَ تتعرض للضرب على يد والدها، لم تستطع زينة تحمل الأمر فما كان منها إلا أن استيقظت باكراً صباح اليوم التالي، وراحت تضربه وهو نائم بنفس الحزام الذي ضرب به ابنتها. قررت منذ ذلك الوقت أن ترد له كل الضربات التي يوجهها لها ولأولادها. تعترف زينة بأن أولادها مصابون بأزمات وعقد نفسية جراء الوضع العائلي الذي يعيشون فيه، فقد ترك ابنها المدرسة وبات يمضي النهار نائماً كما والده، هذا عدا عن صفات العنف الذي بات يحملها بطباعه ويمارسها على إخوته الأصغر، أما الابنة فقد أصبحت دائمة الخوف والقلق.
كثيرة هي العوائق التي تحول دون تحرر زينة من هذا العذاب اليومي، أبرزها العوائق المجتمعية، فالمجتمع ينظر إلى المرأة المطلقة بحسب زينة نظرة "دونية"، خاصة عندما لا تكون منتجة أو مستقلة اقتصادياً، وهي تحاول اليوم أن تفتح متجراً صغيراً لبيع الثياب، ما سيمنحها القوة على مواجهته والوقوف بوجهه على حد قولها.
تدمع عينا زينة ونحن نسألها إذا ما سمعت بحادثة رولا يعقوب: "كل امرأة معنفة ممكن يكون مصيرها مثل مصير رولا"، وتعتبر زينة أنه طالما لا يوجد قوانين تحميها وتحمي أسرتها، وطالما أنها لا تستطيع طلب المساعد والحماية من الدولة، فسوف يكون هناك ضحايا كثر “المرأة يلي بتضل عايشة بهالإيام هي امرأة محظوظة". أكثر ما تتمناه زينة قوانين تحميها كالقوانين التي تحمي المرأة في الدول الأجنبية أو سلطات تستطيع اللجوء إليها.
حال زينة كحال العديد من النساء اللبنانيات والعربيات اللواتي يرضين بواقعهن المزري خوفاً من المجتمع، وعلى الرغم من أن لبنان ومعظم الدول العربية صادقوا على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أنهم لا يعملون على تطبيقها على حد قول المحامية منار زعيتر الناشطة في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني.
تعتبر زعيتر أن القانون اللبناني يفتقر إلى حماية المرأة من خلال النقص الحاصل في قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات، لذا فقد تم تشكيل ما يسمى "بالتحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري" الذي يضم عدداً من الجمعيات الأهلية التي تعنى بحقوق المرأة، وهم يعملون على نص القوانين اللازمة لضمان حماية المرأة، وقد تم رفع مشروع القانون إلى الحكومة لإقراره وتطبيقه، وقامت اللجان المشتركة بإقراره في الثاني والعشرين من شهر يوليو الماضي، ولا نزال إلى اليوم بانتظار التصديق عليه من قبل مجلس النواب.
تضيف زعيتر بأن القانون كان مصدراً لمناوشات بين جمعيات المجتمع الأهلي والمحاكم والمراجع الدينية التي اعتبرته مشوهاً لصورة الإسلام ويساعد على تفكيك الأسرة، وقد حاول القانون من خلال نصوصه أن يسحب الغطاء عن ممارسات الرجل الشنيعة والكف عن تأمين حمايته من العقاب، لأنه وبحسب زعيتر فإن هذا الغطاء هو الذي يشجع الرجال على العنف خاصة وأنه لا يوجد قوانين تعاقبهم على فعلتهم.
يتشابه لبنان مع الدول العربية بالنسبة إلى وضع المرأة بوجود ثقافة مشتركة قد تبيح معاملة المرأة معاملة بائسة وتغطيها باسم الدين. إلا أن الخصوصية "الديموغرافية" التي تميز لبنان تجعل الوضع فيه مختلفاً، فالدولة بحسب زعيتر تركت للطوائف مسألة تنظيم الأحوال الشخصية، والمواطن له هويتان، هوية طائفية وهوية لبنانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع