استقبلت تحرير حماد، المأذونة الشرعية الفلسطينية، في أغسطس الجاري، أول عروسين لتعقد قرانهما، بعد أنّ تسلمت مهماتها في المحكمة الشرعية في رام الله، في 29 يوليو الماضي.
حماد هي المرأة الأولى التي تتولى منصباً دينياً شرعياً في الأراضي الفلسطينية. إلا أنها ليست الأولى عربياً وإسلامياً، فقد سبقت فلسطين في تلك الخطوة دولتان عربيتان هما مصر والإمارات، حين أسندت تلك المهمة إلى نساء بقرارت قانونية صادرة عن المحاكم الشرعية في البلدين.
انطلاقاً من تعريف المأذون قانونياً في المحكمة الشرعية في مصر، وهو الشخص الذي أُذِنَ له من القاضي الشرعي بتوثيق عقد الزواج أو إشهار الطلاق، سمحت محكمة الأسرة في مصر للمدعوة أمل سليمان، أن تتسلم منصبها كمأذونة شرعية في محافظة الشرقية عام 2008، لتكون أول امرأة تحتل منصباً دينياً في العالم ليس العربي فحسب بل الإسلامي أيضاً.
تحمل أمل سليمان ماجستير في القانون، وهي مختصة في علوم الشريعة الإسلامية وقوانينها، وهذا ما جعلها مؤهلةً لشغل الوظيفة. وبما أنّ مهنة المأذون مستحدثة، ظهرت منذ نحو 100 عام، لتجيز التوثيق الرسمي للزواج، فإنّه ليس هناك مانع دينيّ مستند إلى القرآن أو الأحاديث النبوية لتولي امرأة الوظيفة.
المانع سابقاً كان اجتماعياً بحتاً، مستنداً إلى الموروث الاجتماعي الفكري القديم، بعدم قدرة النساء على احتلال مناصب الرجال. وما إن كسرت أمل سليمان تلك القيود داخل المجتمع المصري والإسلامي، حتّى علت الأصوات المعارضة لذلك بين الناس، وعلماء الدين، والقضاة الشرعيين.
حتّى أنّ رابطة المأذونين الشرعيين في مصر تقدموا بطلب إلى وزير العدل لوقف قرار تعيينها، لأنّه "قرار باطل، والزواج من أهمّ العقود التي تقام في الإسلام، وما يقام على الباطل هو باطل"، هذا ما أكده نقيب المأذونين المعيّن في ما بعد، إسلام عامر. ولم يخلُ الأمر من المؤيدين والموافقين، فبالرغم من الحرب التي شنّت ضدها، احتفلت أمل سليمان بعقد الزواج الألف الذي قامت به بعد ثلاث سنوات على انطلاقها.
مقالات أخرى
كيف تُغيّر الحرب الأدوار التقليدية للمرأة؟
الدين، المرأة والسياسة في عالم الإعلانات العربية
أنارت الخطوة التي قامت بها أمل سليمان الطريق أمام بعض النساء، اللواتي رغبن في التقدم إلى وظيفة المأذون، إلّا أنّهن لم يملكن الجرأة على ذلك. لكنّ جرأتها شجعّت بعض النساء في مصر والعالم العربي ليتقدمّن إلى الوظيفة، مثل فاطمة سعيد عبيد العواني، ذات الثلاثة والثلاثين عاماً، التي عُيّنت مأذونة شرعية من قبل دائرة القضاء في أبو ظبي، وبتوجيه من الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وزير شؤون الرئاسة لشؤون القضاء عام 2008. وميرفت محمود العادلي، في قرية المراشدة في محافظة القنا في الصعيد المصري، التي عينت مأذونة شرعية للقرية عام 2010.
قضية أكثر تعقيداً
شغل النساء لعمل المأذونة الشرعية ليس أكثر ما أثار الجدل الإسلامي والعالمي، في مجال تولّي النساء مناصب دينية شرعية في الإسلام. فهناك راحيل رضا (رازا)، وأمينة ودود، المرأتان الوحيدتان اللتان عندما طالبتا بإمامة المسلمين، نالتاها. إذ أمّت أمينة ودود جمعاً من المصلين، يقارب الـ100 بين رجال ونساء، في صلاة الجمعة في 18 مارس 2005 في نيويورك.
وسارت على خطاها راحيل رازا التي أمّت المسلمين في بريطانيا في 24 يونيو عام 2010. يذكر أنّ راحيل رازا هي كاتبة وصحافية كندية من أصول باكستانية مولودة عام 1949. أما أمينة ودود فهي من مواليد 1952، وأشهرت إسلامها عام 1972، وتحمل ماجستير ودكتوراه في اللغة العربية والدراسات الإسلامية من جامعة ميشيغان Michigan University عام 1988.
الجدل الذي أثارته المرأتان المطالبتان بحقهما في إمامة المسلمين كان هائلاً، فهناك من الأئمة القدماء من يحلل ذلك وهناك من يرفضه رفضاً قاطعاً. وقد اعتمد المؤيدون للنساء بشكل أساسي على أفكار الإمام الطبري والإمام ابن عربي، اللذين يجيزان ذلك.
بينما كان رأي الشيخ يوسف القرضاوي، الذي كان يشغل منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنّه "لم يُعرف في تاريخ المسلمين خلال 14 قرناً أن امرأة خطبت الجمعة وأمت الرجال، حتى في بعض العصور التي حكمتهم امرأة مثل شجرة الدر في مصر المملوكية، لم تكن تخطب الجمعة، أو تؤم الرجال. وهذا إجماع يقيني".
وأضاف أن "الأصل في الإمامة في الصلاة أنَّها للرجال، لأن الإمام إنما جُعل ليُؤْتم به، فإذا ركع ركع المأمومون خلفه، وإذا سجد سجدوا، وإذا قرأ أنصتوا".
الغريب أنّ بين الأصوات المعارضة لتلك النساء، كانت هناك أصوات نسائية أيضاً، كالدكتورة سعاد الصالح، التي كانت تشغل منصب عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر آنذاك. وهي عارضت الأمر بكل قوّة وصرّحت بذلك لوسائل الإعلام. وقالت إن "أمراً كهذا لا يجوز"، مستندة إلى ما أتبع به الشيخ القرضاوي عن الأمر، بأنّ "عورة النساء لا تسمح لهنّ بالركوع أمام المسلمين، لأنّ ذلك قد يشتتهم عن الصلاة، وهذا سبب وضع النساء المصليّات وراء الرجال".
أمينة ودود، ألهمت غيرها من النساء أيضاً، فقامت ممرضة إيطالية من أصول مغربية تدعى نعيمة غوهاني، تبلغ من العمر 30 عاماً، بطلب إمامة المسلمين، إلّا أنّ ذلك لقي استهجاناً كبيراً بين الجالية المسلمة في إيطاليا ورفض رفضاً قاطعاً.
تقول أمينة: "لم يكن في سلوكيات النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ما يمنع أن تؤم المرأة المسلمين رجالاً ونساءً"، وهو الأمر الذي دفعها إلى الإصرار على ما طالبت به، وحققته في النهاية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 20 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت