انتعش ملف الاستثمار في العراق بعد العام 2006، عقب صدور قانون الاستثمار الرقم 13، الذي أوجد فرصاً ذهبية في قطاعات السكن والكهرباء والنفط والبنى التحتية وغيرها. وتتهافت الشركات المحلية والعربية وحتى الأجنبية اليوم لنيل الإجازة الاستثمارية، التي تمنحها الهيئة الوطنية للاستثمار وفروعها المنتشرة في العراق، بتوصية من مؤسسات الدولة المختلفة.
غالبية هذه الإجازات، بنسبة قد تصل إلى 85% عدا قطاع النفط، تذهب إلى شركات تابعة لمستثمرين عرب، وهذا ما ولّد حالة من اليأس والانزعاج لدى المستثمرين العراقيين. فهم يرون أن في ذلك ظلماً لهم، لأن لديهم المواصفات نفسها الموجودة لدى الشركات العربية. ويقول بهجت رافع القيسي، وهو صاحب شركة مقاولات عامة: "للوهلة الأولى، منذ انطلاق ملف الاستثمار، كان التوجه صوب الشركات العربية، وفي مختلف القطاعات. حينذاك حاولنا أن نقول إن شركاتنا قادرة على تنفيذ مشاريع مماثلة، إلا أن ذلك لم ينفع".
وأضاف: "المستثمرون العراقيون فقدوا الأمل بالحصول على أي إجازة برغم توصيات الحكومة، التي تشدد على ضرورة دعم القطاعات الوطنية، وهذا ما دفع بنا إلى التوجه لمشاركة تلك الشركات العربية أو تحويل أموالنا إلى الخارج، والبحث عن فرص أخرى".
مقالات أخرى
ينامون ويعملون أقل من غيرهم، ماذا يفعل المغاربة إذاً؟
ويعزو حسام نوفل، صاحب شركة لتنفيذ مشاريع بنى تحتية، سبب ابتعاد الحكومة عن الشركات العراقية إلى أنها "تبحث عن عمولات كبيرة تعقد وتأخذ وتودع خارج العراق". ويلفت إلى أن "المستثمرين العرب حصلوا على المشاريع الاستثمارية بطرق غير مشروعة، فبماذا نفسر عمل شركات عربية في مشاريع يمكن لشركات عراقية معروفة أن تنفذها، وحين نسألهم يؤكدون لنا أننا غير مضمونين لديهم، وهو عذر غير مفهوم".
وأضاف نوفل: "ابتعاد الحكومة العراقية، التي استولت على مشاريع العراق عبر ملف الاستثمار بنسب كبيرة جداً، أثر سلباً على المستثمر العراقي، ليس أمام شعبه فحسب، إنما حتى في دول الخارج". وأشار إلى أن "المستثمرين العراقيين يعملون الآن على مشاريع خاصة بهم، وهي الأخرى تواجه معوقات من قبل دوائر الدولة المختلفة".
ورأى مستشار الهيئة الوطنية للاستثمار عبد الله البندر أن "الخارطة الاستثمارية للعراق وضعت وفق أطر إعادة إعمار العراق"، لافتاً إلى أن "قانون الاستثمار لم يحدد جنسية الشركة التي يجب أن تتقدم للحصول على أي إجازة، لذلك فإن الأكفأ هو الذي في إمكانه تنفيذ أي مشروع استثماري".
البندر نفى أن يكون هناك تمييز بين المستثمرين العرب والعراقيين، معتبراً أن "ما يتقدم به المستثمر العربي وفق الشروط يمكنه أن ينافس وأن يحصل على إجازة استثمارية". وأوضح أن "غالبية استثمارات العرب ذهبت إلى قطاعات السياحة كالفنادق والمجمعات التجارية ومدن الألعاب، ومشاريع المياه والطرق والصرف الصحي".
وكيل وزير الإسكان استبرق الشوك أكد أن "غالبية المشاريع التي طرحتها الوزارة للاستثمار، تحتاج إلى مبالغ طائلة وإمكانات فنية، والشركات العراقية لا تمتلك تلك المبالغ، لذلك كان التوجه نحو شركات غير عراقية، وبالفعل نفذ مستثمرون عرب مشاريع مختلفة كالمجمعات السكنية والجسور في عدد من المحافظات".
وأشار الشوك إلى أن "المستثمرين العراقيين لم يبتعدوا كثيراً عن تلك المشاريع، فكانوا يعملون وفق عقود ثانوية تمنح لهم من قبل المستثمرين العرب، وهي مهمة ولا يجوز تجاهلها، ويمكن في المستقبل أن يكون دور للمستثمرين العراقيين بمنح إجازات استثمارية كبيرة، والاعتماد عليهم، فهم يتجهون إلى امتلاك الخبرات والأموال".
رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب جواد البولاني انتقد طريقة منح إجازات الاستثمار. وقال إن "دخول الشركات الاستثمارية، سواء العربية أو الأجنبية إلى العراق للاستثمار، بطيء جداً، بينما الشركات غير المعروفة والقليلة الخبرة، اكتسبت حصة الأسد من الاستثمار، وهذا ما جعل الكثير من المشاريع الاستثمارية متلكئة".
وأضاف البولاني أن "العالم قرية صغيرة، وهناك الكثير من الشركات العالمية المتخصصة، في العالم العربي أو في آسيا أو أوروبا جاهزة للاستثمار في أي دولة كانت، منها شركات من الدرجة الاولى وشركات ثانوية. لكن يبقى على الدولة التي تبحث عن الاستثمار، أن تختار الشركة التي تفيدها وتساعدها في إنجاز المشاريع وتقديم الخدمات".
ويتابع البولاني:"في العراق يتم اللجوء إلى الشركات الثانوية غير المعروفة عالمياً، والتي ليس لديها أعمال مشابهة في بلدان أخرى، للتعاقد معها على مشاريع إستراتيجية أو خدماتية كبرى، والتي يكون المواطن في أمسّ الحاجة إليها وينتظر إنجازها بسبب عدم وجود رؤى استراتيجية واقتصادية، يتم من خلالها اختيار الشركات الاستثمارية القديرة على إعادة تأهيل البنى التحتية للعراق".
ورأى الخبير الاقتصادي لفته زاير أن "تطوير وتأهيل البنى التحتية كالمياه والمجاري والكهرباء، يفترض أن تتبناهما الحكومة الاتحادية، وليس الشركات العربية. أي أن تقوم الحكومة بتمويلهما مع الاستعانة بخبرات تلك الشركات، وإذا كان هناك رأسمال عربي فيكون على أساس القروض وليس الاستثمار".
ولفت زاير إلى أن "العراق في حاجة إلى تقوية عملته وقطاعاته المحلية المتمثلة بمستثمريه العراقيين، ولا سيما بعد انخفاض أسعار النفط، التي كانت تورد أموال للدولة، والتي من خلالها يتم دفع مبالغ المشاريع المنفذة، فبدعم المستثمر المحلي يمكن تشغيل أيد عاملة عراقية، وتحريك السوق، وبقاء تلك الأموال داخل البلاد وضمان عدم خروجها".
كما يمكن إعطاء الفرصة للمستثمر العراقي أن يأخذ مكانه، وينافس نظيره العربي، لكن ذلك يتطلب من الحكومة أن تهيئ له المناخ المناسب، عن طريق تفعيل التشريعات القانونية الداعمة للعملية الاستثمارية، وتوفير خدمات مصرفية، من خلال تطوير الجهاز المصرفي. فضلاً عن الاستقرار الأمني والسياسي في البلد، خصوصاً أن السلطتين التنفيذية والتشريعية غير جادتين في دعم الاقتصاد الوطني والنهوض به، بسبب المشاكل السياسية التي أثرت على جميع المجالات الحياتية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...